بكّر بهاء الحريري في رسم نهاية فاشلة لطموحه في استعادة “إرث الزعامة” السنيّة، من شقيقه الأصغر سعد الذي سبق له أن علّق عمله السياسي في لبنان وغادر الى الإمارات العربية المتحدة، وحصر زيارته لوطن تزعم فيه تيّارًا وترأس فيه حكومات، على الذكرى السنوية لاغتيال والده!
بكّر بهاء في رسم نهاية فاشلة لطموحه هذا، ليس لأنّه بدأ في ارتكاب خطأ جرّ عليه السخرية، مثل قوله، اليوم إنّ “لا عودة الى الأمام”، بل لأنّه أثبت أنّه غير قادر على القفز الى الأمام، فهو، على الرغم من التعبئة النفسية المستمرة منذ سنوات للعودة الى لبنان في محاولة لاستعادة “الإرث المنتزع منه”، أظهر أنّه لم يتعب على نفسه، ولم يجهد في تصحيح أخطائه، ولم يبذل ما يكفي من وقت ومال، على الرغم من توافرهما بكثرة لديه، في محاولة لاكتشاف ذاته.
ليس سعد من انتزع الإرث، في العام 2005، من شقيقه الأكبر، بل أصدقاء العائلة والضالعون بتوازناتها وأسرارها، من فعلوا ذلك. كان بهاء، بالنسبة لهم، “عبوة ناسفة” من شأنها تفجير الحريرية السياسية بقوة قد تفوق العبوة التي غدرت بالرئيس رفيق الحريري في ذاك الرابع عشر من شباط. وقد وجد هؤلاء في تحميل الشقيق الأصغر، سعد المسؤولية حلًّا مرضيًا!
وبالفعل، بدأ سعد من حيث انتهى والده، ولم يسقط إلّا يوم وجد من أقنعه، بعدما أتعبه الخطر والإغتيال والإنقسام والتقهقر المالي، بسلامة العودة الى مرحلة انطلاق والده في العمل السياسي.
لم يدرس بهاء لا مسيرة والده ولا تجربة شقيقه ولا التطورات اللبنانية. بصدق هو لا يريد السياسية حبًّا بالسياسة، بل أظهر تراكم السنوات أنّ استعادة الإرث، بالنسبة له، حاجة سيكولوجية ملحّة!
كان بهاء الحريري قد انتزع فكرة العمل السياسي في لبنان، بعدما علّق سعد عمله. بالنسبة له، بدا انسحاب سعد حلًّا، فهو سلّم بالتعادل السلبي. هو فشل باكرًا. شقيقه الأصغر، فشل لاحقًا. أراحه ذلك نفسيًّا!
لكنّ بهاء لم يصمد طويلًا في دائرة الإستكانة. عودة سعد الأخيرة الى لبنان، قبل أن يذهب الى باريس لإجراء عملية جراحية في قلبه، وما رافقها من توقعات بعودته الى السياسة، بمناسبة الانتخابات النيابية المقبلة، أحيت فيه الحسابات القديمة.
بالنسبة لبهاء- فقط لبهاء- هو يملك القدرات اللازمة لاستعادة الإرث المنتزع منه. هو يملك ثروة. شقيقه لا. هو يملك حرية الحركة. شقيقه لا. هو لا ارتباطات متناقضة في سجله. شقيقه، بلى. الساحة السنية تفتش عن قائد. هو مؤهل. لديه الإسم. لديه الشرعية الوراثية. لديه “البكوريّة”!
من يعرف بهاء حق المعرفة، يعرف أنّ تمنياته أعظم بكثير من قدراته، وأنّ انفعالاته أسرع بأضعاف من عقله، وأنّ لسانه يتنافس بلا هوادة مع أذنيه، وأنّ شكوكه بالآخرين أهم بكثير من ثقته بنفسه.
لن يثمر مجيء بهاء الحريري الى لبنان، ولادة زعيم قادر على منافسة سعد الحريري، وإن استمرّ غائبًا. فسعد أصبح منذ مدة طويلة “شيخ طريقة”، سواء أحببتها أو لا، سواء وافقت عليها أو لا. من ترك سعد لم يتركه للتفتيش عن زعيم آخر، بل لممارسة السياسة بطريقة مختلفة، بعيدًا عن منطق الإرث والعاطفة و” نفذ ثم اعترض”.
شيء واحد يمكن أن ينتج عن مجيء بهاء الحريري الى لبنان: إستغلال الأخ الأكبر لتوجيه ضربة قاضية الى الأخ الأصغر، في محاولة جديدة لإنهاء الحريرية الى الأبد!