"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

استحضار الضحك في زمن الفجيعة... "محلّل أو محرّم"؟

كريستين نمر
الأربعاء، 15 نوفمبر 2023

استحضار الضحك في زمن الفجيعة... "محلّل أو محرّم"؟

وضعت حرب “طوفان الأقصى” التي بدأت في السابع من الشهر الماضي، الكوميديين تحت مجهر المنتقدين، فأُطلقت “الأحكام” ضدّهم، وجرت مطالبتهم، من قبل الكثيرين بإيقاف نشاطاتهم، كما طالبوا المحطات التلفزيونية بالتوقف عن بث البرامج الكوميدية.

فهل إضحاك الناس في مثل هذه الظروف هو من المحرّمات؟

في الواقع إن المآسي والأحزان والمصائب تأتي وتتوالى وتتعاقب على حياة المرء بأشكال وألوان مختلفة، وبين الحاجة إلى عدم تخطّي الخطوط الحمراء والحرص على عدم نكء الجراح، أمست وظيفة الكوميدي أشبه بالتنقّل في حقل ألغام، فالحدث، الذي هو عادة نقطة ارتكاز عمله ومصدر إلهامه، بات يتطلّب منه لإيصال رسالته، طاقة ومجهودًا مضاعفَيْن، فكلما كان الأمر قابلًا للاشتعال، ازدادت مسؤوليته وكثر حذره، هذا علاوة عن التخوين والتهديد والوعيد الذي يتعرّض لها من قبل كل من يخالفه الرأي، ما أدّى إلى تعاظم وجعه وجعل مهمته شبه مستحيلة.

يقول الكاتب والروائي الفرنسي رومان غاري: ” الفكاهة هي إعلان للكرامة وتأكيد لتفوّق الإنسان على ما يحدث له”، وغالبًا ما يروي المحاربون العائدون عن الجبهات قصصهم والطرائف التي تحصل معهم والنكات التي يتبادلونها حتى في عزّ المعارك وأوجّها.

ولطالما نصح الطب النفسي الأشخاص خلال الأزمات، بالترفيه من خلال مشاهدة الأفلام السينمائية الخفيفة والعروض المسرحية المضحكة والبرامج التلفزيونية الترفيهية، وعدم البقاء في البيت والإفراط في التركيز على الأخبار التي تضعهم في حالة نفسية سيّئة.

وخلص عدد من الأطباء المتخصّصين بالصحّة العقلية، في عدد من الدراسات التي قاموا بها على أشخاص عانت بلادهم من حروب وكوارث طبيعية كالزلازل والفيضانات والأوبئة، بأنّ النشاطات الترفيهية الاجتماعية هي عامل أساسي للحفاظ على صحّتهم العقليّة وعلى توازنهم النفسي، واعتبروا أن للكوميديين الدور الأساس في ذلك شرط مراعاة بعض القواعد في تقديم عروضهم والالتزام بالإرشادات الآتية:

  • الانتباه إلى صياغة الجملة مع الأخذ بعين الاعتبار “الخِفّة” غير المؤذية والنكتة الملائمة.

-اختيار مواضيع جانبية كتقديم عرض له علاقة غير مباشرة بالحدث، بحيث يضفي بعضًا من البهجة من دون التسبّب بأذى مباشر.

  • الحرص على الحصول على المعلومات من مصادر موثوقة، مع عدم التعمّق في معالجتها، إنما التطرّق إليها بشكل مبسّط.

-تجنّب قدر المستطاع العبارات السريعة والجمل القصيرة التي تجعل المستمع أو المشاهد يستنتج بسرعة ما يقال، وذلك تفاديًا لإطلاق الأحكام المسبقة عن ميول الكوميدي وانتماءاته، خصوصًا في البلدان ذات التنوّع الطائفي مثل لبنان.

  • إضافة “مكوّنات” تتضمّن الصدق والفعالية والواقعية، بطريقة تتمسّك بالحقائق، وتراعي تنوّع وجهات نظر المشاهدين والمستمعين.

وتبقى الفكاهة، العامل المساعد الأول على انخفاض نسبة تصنيع هورمون الكورتيزول الذي يفرزه المرء عندما يشعر بالتوتّر، ويعتبر الضحك بمثابة مسكّن طبيعي للألم ومصدر قوة مساعد للمرء على الإحساس بالاكتفاء والرضا الذاتيين، فيساعده على مواجهة المآسي الناتجة عن الكوارث الطبيعية والحروب ويفتح له فرص التواصل مع الآخرين.

وطبعًا إزاء كل ما نعيشه في هذه الفترة تبقى الضحكة مفيدة لهذا المكافح الذي من حقّه أن يفتّش عن الخفة والبهجة والضحكة ليفتتح نهاره أو يختتمه، فالضحكة لا تحول دون وجود قلب كبير ينزف من أجل الجميع.

المقال السابق
في تقرير لوكالة رويترز.. خامنئي ينهر اسماعيل هنيّة: لن ندخل الحرب وأسكت الأصوات التي تنتقدنا و"حزب الله"
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"مفترس في هارودز" وثائقي يتهم محمد الفايد باغتصاب موظفات وابتزازهن

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية