طغت احداث مخيم عين الحلوة على المشهد السياسي في لبنان، فالاشتباكات العسكرية، تتواصل، وباءت مساعي جميع الأطراف الى وقفها ولجم التصعيد، بالفشل حتى اللحظة.
ما هي خلفيات هذا الاشتباك بين الفصائل الفلسطينية؟ وهل صحيح انّ جريمة ثأر تحولت الى هذا الاشتباك العسكري العنيف بين معظم القوى الفلسطينية المسيطرة على المخيم؟ ام ان هناك اسبابّا اخرى تم استعمال حادثة الثأر كمدخل لتفجير الوضع في المخيم؟
بداية ما من شك بأنّ حادثة اغتيال ضابط الامن الوطني في “حركة فتح” ابو أشرف العرموشي لم تكن صدفة، فالاغتيال عادة أمر يخطط له مسبقًا.
انطلاقا من ذلك يبدو أنّ حادثة القتل الثأري بين العائلتين في مخيم عين الحلوة كانت مفتعلة لتشكل مدخلًا الى ما آل اليه الوضع في ما بعد. فالحوادث الفردية الثأرية طالما كانت موجودة ولم تؤدِ يومًا الى اشتباك بين الفصائل الفلسطينية وتتحول الى حرب في ما بينها.
ولعلّ السبب يكمن في الصراع والنزاع الفلسطيني _الفلسطيني المتفاقم في الداخل الفلسطيني بين غزة ومن يمثلها اي حركة حماس وبين السلطة الفلسطينية ، وبالتالي فقد انتقل هذا الصراع الى مخيم عين الحلوة الذي يضم بداخله كل المجموعات الفلسطينية المسلحة على اختلاف انتماءاتها ويعتبر عاصمة الفلسطينيين في الشتات ويعكس صورة الانقسام الفلسطيني الداخلي والصراع في ما بينهم، فالمخيم المحكوم بتركيبة بلغت مع الوقت حالة توازن قوي بين التيارين الرئيسيين بداخله والمتخاصمين، وهما التيار الوطني بقيادة “فتح”، والتيار الإسلامي بقيادة “عصبة الأنصار” اذ بان يقال مؤخّرًا ان التيار الاسلامي في عين الحلوة، له قيادة ثانية غير معلنة هي “حركة حماس”.
ويعتبر احد الملمين بالشأن الفلسطيني ان البحث عما يجري في المخيم لا يزال جاريًا فهناك أطراف في “حماس”، وحتى داخل “فتح”، تحمّل المسؤولية لماجد فرج مسؤول الاستخبارات في السلطة الوطنية الفلسطينية وتتهمه بأنه عندما جاء إلى بيروت مؤخرًا وزّع أموالًا على بعض قادة “فتح” دون اخرين؛ وكان غرضه من ذلك إجراء فرز داخل فتح في عين الحلوة، بين المؤيدين بالكامل لسلطة محمود عباس وبين منتقديها. وهذا الفرز موجود اصلا في الضفة الغربية بين الفتحاويين الذين التحقوا بمقاومة جنين والمنطقة الشرقية من الضفة، وبين الفتحاويين الذين التزموا بموجب توجيهات “ابو مازن” وفرج، باتفاقات التنسيق الأمني بين سلطة رام الله وإسرائيل كما وتعتبر ان الجهات التي حملت ماجد فرج مسؤولية ما حصل في المخيم ، ترى ان هناك صراعًا مريرًا على الساحة الفلسطينية في لبنان وفي الضفة الغربية، بين صالح العاروري القيادي البارز في حماس والرجل المحتضن بالكامل في لبنان من قبل السيد حسن نصر الله، وبين ماجد فرج وأتباعه في لبنان.
ويضيف المصدر ان فرج مستاء من العاروري لأسباب عدة منها انه يقوم باعادة تنظيم جسم حماس التنظيمي والعسكري في الضفة الغربية التي يعتبرها ابو مازن وفرج منطقة خاصة بنفوذ فتح بمقابل ان غزة هي منطقة خاصة بنفوذ حماس.
والشيخ العاروري هو من قيادي حماس القلائل الذين يتحدرون من الضفة الغربية، مما سهل عليه فتح الأبواب لحماس كي تعود بالتدريج إلى تلك المنطقة.
كما ان جماعة سلطة رام الله، يرون ان العاروري الذي لديه مصداقية كبيرة في “حزب الله”، يقوم بتغيير موازين القوى على الساحة الفلسطينية، وبخاصة في مخيم عين الحلوة ، وذلك لصالح الاسلاميين، وعلى حساب تفوق “فتح” التاريخي في المخيم. الى ذلك، فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرى في نشاط العاروري في لبنان بالتنسيق مع “حزب الله”، بمثابة محاولة خطرة لنقل قيادة الشتات الفلسطيني من ايدي السلطة الفلسطينية في رام الله ، إلى ايدي “حماس” وسلطة قطاع غزة. وهذه الهواجس هي التي جعلت ابو مازن يدعو المرة تلو الاخرى، الدولة اللبنانية إلى نزع السلاح الفلسطيني في مخيمات لبنان، وهدفه من ذلك خلق واقع يجعل المخيمات فيه تحت سلطة الدولة اللبنانية، ما يؤدي إلى وقف تمدد سيطرة “حماس” على الشتات الفلسطيني في لبنان، وخاصة في مخيم عين الحلوة الذي يسمى بعاصمة الشتات الفلسطيني، وهو المخيم الذي يقال عنه ايضًا ، إنّ من يسيطر عليه، يسيطر رمزيًا على ورقة قرار الشتات الفلسطيني.
ويلفت المصدر الى انّ هناك داخل حركة “فتح” معركة وراثة ابو مازن في رئاسة حركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية، والواقع ان ماجد فرج منخرط في هذه المعركة، وعليه فإن زيارته للبنان حملت معها بعض أجواء الانقسام الموجود داخل فتح بين محاورها المتنافسة على خلافة ابو مازن .
زد على ذلك، ان “حرب عين الحلوة” جاءت في توقيت أجواء جولة التفاوض التي جرت بين العاروري وابو مازن في تركيا على المصالحة الفلسطينية المعقدة، وكان التحق بها ماجد فرج .
وقد بدت جولة العنف في عين الحلوة بمثابة استمرار للتفاوض في تركيا بين العاروري من جهة وابو مازن وفرج من جهة اخرى ، ولكن بالنار والرصاص في ميدان عين الحلوة .
وحاليا تجري الأطراف الفلسطينية عملية تدقيق للخسائر والربح نتيجة ما حصل ، وقد تجد “حماس” التي لم تشارك مباشرة بالمعركة، انها ربحت بمجرد ان المعركة أظهرت ضعف “فتح” المستجد في مخيم عين الحلوة ، واظهرت ان التيار الاسلامي في المخيم انتقل من الدفاع العسكري والسياسي إلى الهجوم.
وبخصوص نيران المعارك التي طالت مواقع لبنانية محيطة بقذائف ورصاص طائش، يبدي المصدر تخوفه من ان يكون هناك من يحاول جر الجيش اللبناني وتوريطه في الاشتباك مع المخيم وهذا امر قد يكون له تداعيات كبير ة لا تحمد عقباها كما وانها تعيد رسم خارطة جديدة في الجنوب اللبناني لا سيما في ما يتعلق بالقرار ١٧٠١ والتجديد لقوات اليونيفيل وتحويل لخطوط امداداتها وتنقلها.
في النهاية ما يحصل في عين الحلوة يفترض ان يطرح مجددًا موضوع السلاح لا سيما في المخيمات التي لطالما حوّلها السلاح الى قنابل موقوتة ومثلها السلاح غير الشرعي والميليشياوي الذي كسر الدولة، هيبة ومؤسسات، وحوّل الوطن الى ساحة مستباحة لتصفية الحسابات وصندوق بريد لرسائل من نار ودم.