إذا كان الدخان الأبيض في لبنان لم يتصاعد بعد في أي من أزماته الكثيرة وأولها الشغور الرئاسي، فإنه يتصاعد في المقابل بكل مكان وزاوية فيه طالما أن لبنان هو «الأول» عربيا في نسبة المدخنين (42.6%) والسادس عالميا، وفق أرقام منظمة الصحة العالمية للعام 2023.
وكما يبدو، فإن لبنان المعروف بكونه يهوى الموضة وسباقا إلى السير في ركبها، قد «هوى» شبابه في فخ التدخين الذي تقاربه هذه الفئة العمرية باعتباره من مقتضيات سلوكياتها في الجامعة وأماكن السهر، خصوصا في زمن السجائر الإلكترونية التي «تصطاد» الزبائن من يافعي العمر في الدرجة الأولى.
وإذا كان من المتعارف عليه في مختلف دول العالم الركون إلى إستراتيجيات معينة للحد من التدخين، أولها القانون ومنع الإعلانات الترويجية للدخان وزيادة الضريبة على استهلاك التبغ، فإنه في دولة كلبنان متهالكة المؤسسات الرسمية، يكون الحديث عن تطبيق قانون التدخين بمثابة دعابة في حاضر مثقل بالهموم والأزمات حبذا لو تصح فيه مقولة «نفخ عليها تنجلي”.
أما زيادة الرسوم على المنتجات المستوردة من التبغ والتنباك والسيجارة الإلكترونية، فلم تجد بدورها نفعا في بلد يرفض بعض أهله أن «يدفعوا» بالسيجارة جانبا لتجنب دفع ثمن أعلى لاستهلاكها بعد زيادة الضريبة على التبغ.
إذا في هذه الحال، تبقى طريق واحدة يمكن سلوكها عل لبنان يفقد «صدارته» العربية في نسبة المدخنين، وهي نشر الكثير من التوعية حول مضار السيجارة التقليدية والإلكترونية على حد سواء، لذا تحدثت «الأنباء» إلى الاختصاصية في الأمراض الداخلية والرئوية د.جوسلين ساسين التي قالت إن «أشكال التدخين تعددت اليوم، لكن المخاطر واحدة، ومصانع التبغ التي تروج اليوم للسيجارة الإلكترونية تدعي أن هذا الشكل غير مضر على الصحة أو ضرره أقل، فيما الصحيح أن الضرر قد يكون أقل من التدخين العادي بنسبة ضئيلة جدا جدا، ونحن كأطباء نخشى ظهور أشكال جديدة من الأمراض التنفسية لدى مستخدمي السيجارة الإلكترونية، وقد سجلت بالفعل في العالم التهابات رئوية حادة لدى بعض الأشخاص من غير الكبار في العمر”.
وبحسب د.ساسين، فإن «ضرر التدخين يصيب بالدرجة الأولى الرئة لأن خلايا الجهاز التنفسي التي تتعرض للدخان تبدأ بالدفاع عن نفسها، فلا تعود هذه الخلايا هي نفسها مع الوقت، وتتعرض لسرطانات في الرئة أو أشكال أخرى من الالتهابات الرئوية المزمنة»، وأكدت أن «مضار التدخين لا تقتصر على الرئة، وإنما تشمل الجلد والفم والقلب والمثانة والجهاز الهضمي»، مشيرة إلى أن «التدخين لدى المراهقين يؤثر على تطور الدماغ والقدرة على التركيز”.
وعن تدخين النرجيلة الذي لا يزال شائعا بقوة، تقول إن «الضرر كبير جدا، لأن كل نرجيلة بحسب آخر الدراسات تعادل خمس علب تدخين أي نحو 100 سيجارة”.
في الأيام القليلة الفاصلة عن اليوم العالمي لمكافحة التدخين الذي يصادف في 31 مايو، سيقال كلام توعوي كثير في لبنان ودول العالم عنوانه العريض «التدخين يقتل»، لكن المفارقة أن هناك من سيستمع إلى هذا الكلام والسيجارة في يده.
بولين فاضل (الأنباء)