عندما دوت الانفجارات وتطاير الرصاص فوق المنازل في المناطق المتاخمة لحدود قطاع غزة، صباح السبت، تساءل مذيع الأخبار في “القناة 12” الإسرائيلية، داني كوشمارو: “أين الجيش الإسرائيلي؟ أين الشرطة؟ أين الأمن؟“.
وكان الإسرائيليون تحت وقع الصدمة، بعد أن شن مقاتلون من حركة “حماس” الفلسطينية هجوما مفاجئا واسع النطاق داخل الأراضي الإسرائيلية باستخدام صواريخ وطائرات شراعية ودراجات نارية وشاحنات صغيرة وقوارب.
والأحد، قال المكتب الصحفي للحكومة الإسرائيلية، إن أكثر من مئة شخص قتلوا في هجوم حماس (المدرجة على قوائم الإرهاب الأميركية) وجُرح أكثر من 2000، فيما أشار إلى أن عدد المختطفين الإسرائيليين لدى حماس يبلغ أكثر من 100.
وفي حديث لموقع “الحرة”، وصف الخبير في الشؤون العسكرية، يوسي ميلمان، الهجوم بأنه “أكبر تحد لإسرائيل منذ حرب يوم الغفران (السادس من أكتوبر) في عام 1973، وثاني فشل عسكري واستخباراتي منذ تأسيس الدولة”.
وأظهرت صورة ومقاطع عناصر حركة “حماس” في العديد من المدن والقرى الإسرائيلية على طول الحدود مع غزة. وتساءل كثيرون: كيف يمكن لواحد من أفضل الجيوش في العالم أن يكون غير مستعد لمثل هذا السيناريو؟.
الخبير الأمني الاستراتيجي الإسرائيلي، آفي ميلامد، قال لموقع “الحرة”: “لا شك أنه كان هناك فشل هائل للمخابرات الإسرائيلية والأنظمة العسكرية الإسرائيلية، لكن في هذه المرحلة لا نعلم بالضبط ما حدث”.
ويعتبر ميلمان أن “ما حدث بالنسبة لكل الأجهزة الأمنية أمر غامض ومحير وبالطبع كان هناك فشلا هائلا”.
وأضاف أن الفشل كان على مختلف الجبهات و”كانت هناك مشاكل لوجستية للجيش لدرجة أن عناصره لم يصلوا في الوقت المحدد” إلى المناطق التي اجتاحها عناصر “حماس”.
كيف حدث ذلك؟
ويشير تقرير في صحيفة وول ستريت جورنال، الأحد، إلى أن “فشل إسرائيل في توقع هجوم السبت الذي أدى إلى مقتل مئات الجنود والمدنيين واجتياح المسلحين للقرى، أدى إلى تحطيم الشعور التفاخر بأن أجهزتها العسكرية والاستخبارية لا تقهر. لقد تركت ذلك العالم يتساءل عن الخطأ الذي حدث، وجعل قادة إسرائيل يواجهون ضغوطا للرد بقوة ساحقة”.
ويرى المحلل الإسرائيلي، إيلي نيسان، أن سبب “الإخفاق، يعود إلى “اللامبالاة والشعور الزائد بالأمان”.
ووفقا لوول ستريت جورنال، فقد كان “قلل القادة الأمنيون الإسرائيليون من التهديد الذي تمثله “حماس” في الأشهر الأخيرة، إذ امتنعت الجماعة عن المشاركة في الصراعات التي بدأها حليفها الأصغر في غزة، حركة “الجهاد الإسلامي”. وكان هناك شعور بأن إسرائيل، وبفضل أنظمة “القبة الحديدية”، قد جعلت التهديد الرئيسي من غزة، المتمثل في الصواريخ قصيرة المدى، غير فعال”.
وقال نيسان لموقع “الحرة”: “عندما يشعر الجنود بالأمان أكثر من اللازم وتسيطر حالة اللامبالاة، فهذا ما يحدث، لأنه كانت هناك تحذيرات لم تؤخذ في الحسبان، ولذلك رأينا هذا الهجوم المباغت الذي أدى إلى وقوع العديد من الضحايا، للأسف بسبب الإخفاق والإهمال في هذ الموضوع”، واصفا ما حدث بأنه “إخفاق لإسرائيل وإنجاز لحماس”.
وأضاف أن “عناصر “حماس” فاجأوا الجنود الإسرائيليين أثناء نومهم، في الساعة السا دسة والنصف صباحا واقتحموا الحدود وقتلوا من قتلوا، ولم يكن أحد يدافع في هذه الساعة، ولذلك هذا يعتبر بمثابة إخفاق للاستخبارات الإسرائيلية في الجنوب”.
وبينما كانت “حماس” تطلق مئات من الصواريخ، كان عناصرها يقتحمون التجمعات السكنية الإسرائيلية القريبة من الحدود، فيما أصدرت السلطات الإسرائيلية تعليماتها للسكان بالحذر والبقاء في منازلهم أو في مناطق آمنة.
ويبدو أن القوات الإسرائيلية قد فوجئت عندما استخدم مسلحو الحركة في غزة الجرافات لهدم السياج الأمني مع إسرائيل وتدفقوا إلى داخل البلاد، بحسب وول ستريت جورنال.
وذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أنه بعد بدء حماس عمليتها بساعات، اتصلت مواطنة إسرائيلية كانت محبوسة داخل منزلها، بإذاعة الجيش لتخبره أن “مسلحين يتجولون في منطقتها”.
وبعد ثلاث ساعات من بدء الهجوم أي التاسعة والنصف صباحا، عرضت القناة الـ12 ما قالت إنهم سكان غزة العاديون وهم يعبرون من القطاع إلى إسرائيل، مستغلين الثغرات في السياج الأمني، بحسب القناة.
وفي وقت لاحق، وعند حوالي العاشرة والنصف صباحا، اتصلت امرأة تدعى دورين بالقناة الـ12 لتبلغ عن وجود مسلحين داخل منزلها، وأنهم يحاولون الدخول إلى غرفتهم الآمنة المغلقة، حيث كانوا يختبئون. وطلبت المساعدة، قبل أن ينقطع الخط.
وقال نيسان: “بعد إزالة السياج الأمني الحدودي، كان الطريق مفتوحا للتوغل إلى قرى ومدن وتجمعات سكنية إسرائيلية. كانت هناك تحذيرات لكن لم يهتم أحد بما حدث”.
ونقلت وول ستريت جورنال عن نائب رئيس السياسات في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، بريان كاتوليس: “من الواضح أن هذه كانت عملية مخططة جيدا ولم تظهر بين عشية وضحاها، ومن المفاجئ أن إسرائيل أو أي من شركائها الأمنيين لم تكتشفها. من الصعب التفكير في فشل أمني بهذا الحجم في تاريخ إسرائيل”.
وقال ميلامد لموقع “الحرة”: “تعلم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية مسبقا كل ما يتعلق بالإمكانات الجوية والبحرية والبرية والتقنيات التي تمتلكها “حماس” وحتى بعدد الصواريخ ومعلومات واسعة بإمكانياتها العسكرية، لا أعتقد أن “حماس” تمتلك أنواعا من الأسلحة التي تعتبر مفاجأة للمخابرات الإسرائيلية”.
وأضاف أن “هناك أجهزة وإجراءات أمنية متطورة على طول الحدود بين قطاع غزة ويمكن لها أن ترد على ذلك، لكن لا نعلم لماذا فشلت”.
من جانبه، أشار ميلمان إلى أن عدد الجنود في مواقع الارتكاز على الحدود مع قطاع غزة كان أقل من اللازم “بسبب صرف الانتباه عن هذه المواقع وإيفاد عدد منهم إلى مواقع في الضفة الغرب ية” في ظل تزايد الاشتباكات والعنف هناك لمنع الهجمات الإرهابية ضد المستوطنين، ما أدى إلى أن تكون الارتكازات على حدود قطاع غزة، بنصف طاقتها”.
وأضاف: “لا أعتقد أنه خلال أول ساعتين، كان الجيش قد فهم بشكل كامل نطاق عملية “حماس”، وهو ما أدى إلى حدوث إخفاقات عسكرية وتكنولوجية ولوجستية، والتسبب في صدمة كبيرة جدا”.
“دروس وعبر”
ويؤكد ميلامد أنه يجب أن يكون هناك بحث عميق بشأن ما حدث لنفهم جذور وأسباب هذا الفشل.
وقال نيسان: “أعتقد أنه بعد مرور فترة من الزمن وتهدئة الأوضاع، سيتم تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة ما حدث، ومكان التقصيرات، وكيفية تجاوز عناصر “حماس” للسياج الحدودي، ما أفسح المجال أمام منظمة إرهابية للقيام بهذه العملية وقتل أكثر من 600 مواطن إسرائيلي، من بينهم جنود”.