"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

عصابات النفايات اللبنانيّة!

رئيس التحرير: فارس خشّان
الجمعة، 13 سبتمبر 2024

لم تتفاقم مشكلة النفايات، بسبب انعدام الطرق السليمة لمعالجتها، بل لأنّ العصابات نفسها التي تسيطر على ملف الكهرباء تضع يدها على هذا الملف.

عصابات، حتى لو لم يكن بعضها في السلطة، فهو متغلغل فيها.

عصابات لا يثير اهتمامها التلوّث الذي ينمو كقاتل جماعي يومًا بعد يوم، أو الظلمة التي لا تنيرها سوى الحرائق الضخمة، أو المشاكل المتراكمة التي يتخبط بها لبنان وشعبه.

عصابات همّها الأول والأخير هو تحقيق الربح المالي، من جهة والهيمنة على القرار الوطني، من جهة أخرى.

وأعاد الحريق الضخم الذي اندلع في مكب الدورة- برج حمّود- البوشرية، ذاكرتي الى تلك المرحلة التي سبقت الانهيار الاقتصادي. آنذاك كان هناك خطة متكاملة مدعومة من الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي وعدد من الصناديق المالية الدولية والعربية، من أجل تمويل خطة لمعالجة النفايات في لبنان. يومها، ارتأى الاختصاصيون أنّ الحل يمكن أن يكون على الطريقة السويدية، ولكن فجأة أصبح عدد من الوزراء والنواب والشخصيات الإعلامية خبراء استثنائيين في البيئة والطب، فشكلوا “لوبي” ضاغطًا ضد “الحل السويدي” لمصلحة “الحل الدنماركي”، وكانت حجتهم الأساسية أنّ “الحل السويدي” خطر على سلامة الأطفال التنفسية ومن شأنه أن يرفع من احتمالات إصابتهم بأنواع معيّنة من السرطان.

العصابة التي رفعت لواء الحرص على الأطفال، وكانت يومها مشكلة من أشخاص محسوبين على تيارات تتصارع في السياسة، أقنعت كثيرين من الوزراء بالإنضمام إليها ودعمها وتعطيل “الحل السويدي” في محاولة لفرض “الحل الدنماركية”.

بطبيعة الحال، أنتج هذا الصراع الذي تقف وراءه مجموعة لاهثة الى الكسب المالي، جمودًا في كل مكان.

وهكذا لم تعد مشكلة النفايات مجرد مشكلة يمكن حلها بالتقنيات الأنسب، بل أصبحت ملفًا سياسيًّا معقدًا، بحيث من يربحه يوفر لنفسه تمويلًا يعينه في الرفاهية الشخصية وفي الإنفاق السياسي.

عندما تأمّلت في الحريق الذي اندلع في مكب نفايات المتن الشمالي، واطلعتُ على المخاطر التي يتحدث عنها الخبراء والتقارير التي بدأت تصدر عن منظمات دولية معنية بشؤون البيئة، وتركز على تأثيرات هذا الحريق الكارثية على اللبنانيين وصحتهم، تذكرت تلك العصابات التي ينادي، اليوم من حملوا لواءها بالعفة والطهارة، حتى إنّ بعضهم اخترق صفوف “ثوار” المجتمع المدني اللبناني!

ومنذ سنوات عدة، يحذر الخبراء من مخاطر التلوث المتراكمة في لبنان. تحذيرات لا يمكن للإنسان العادي المشغول بألف هم وهم أن ينتبه إليها، فهو يعتقد، ببساطة، أنّ قريبه الذي يسقط فجأة ويلفظ أنفاسه “أتت ساعته”. لا يعرف أنّ الملوثات دخلت الى نقطة حرجة في رئته وقتلته. وهو يعتقد بأنّ الإصابات المرتفعة بالسرطان هي “من أفعال الشيطان”، ولا يلتفت إلى أنّ هذا الشيطان يكمن في مؤسساته الدستورية والإدارية والمالية.

في إسرائيل يهتمون، في هذه الأيّام، كثيرًا بلبنان. النقاشات ما بين “المحللين الإستراتيجيين” تتمحور حول الأهداف التي يجب ضربها في لبنان، إذا تقرر الذهاب الى “حرب شاملة”. اللافت للإنتباه أن كثيرين من هؤلاء الخبراء يدعون الى عدم هدر الصواريخ والقنابل على البنية التحتية للدولة اللبنانية، لأنّها “ما بتحرز”، فما لم يتحلّل منها هو في طريقه الى التحلّل.

اللبناني الذي يتابع هذه النقاشات الإسرائيلية تصيبه القشعريرة. هؤلاء الذين يدعون الى تجنب ضرب البنية التحتية في لبنان “معهم حق”، فالعصابات التي تتغلغل في السلطة تكفّلت عن العدو في إعادة لبنان الى “العصر الحجري”!

المقال السابق
غارة "دموية" إسرائيلية على بلدة في البقاع الغربي
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

هل يعرف "حزب الله" فعلًا ما ألمّ به؟!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية