"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

أسعار الفائدة الأميركية تهزّ الأسواق.. والدول المدينة أمام "عهد صعب"

الرصد
الخميس، 9 مارس 2023

شهدت المؤشرات الرئيسية في البورصة الأميركية والأوروبية تراجعا بنسب متفاوتة في مستهل تعاملات، الثلاثاء، بعد تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، جيروم باول، بأن الفيدرالي جاهز لتسريع وتيرة رفع أسعار الفائدة.

وتحظى الإفادة التي أدلى بها باول أمام الكونغرس باهتمام شديد، إذ تتضمن إشارات إلى خطوة البنك المركزي الأميركي التالية بخصوص أسعار الفائدة، وهو ما أدى إلى تراجع الأسواق العالمية، الثلاثاء، بحسب صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية.

وقال باول إن “ذروة أسعار الفائدة ستكون أعلى من توقعاتنا السابقة”، مضيفا أن “من المرجح أن تتجه أعلى مما توقعه صناع السياسة في البنك المركزي”.

وأثارت تصريحات بأول قلق المستثمرين، وسرعان ما زاد التجار من رهاناتهم على احتمالية ارتفاع أسعار الفائدة بشكل كبير في الاجتماع المقبل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، في مارس الجاري.

وفي وول ستريت، كانت المؤشرات منخفضة بشدة، الثلاثاء، مقارنة بأسواق الأسهم الأوروبية التي شهدت تراجعا طفيفا، بينما في لندن انخفض الجنيه الإسترليني بحدة مقابل الدولار، وفقا لـ”التايمز”. وفي الوقت نفسه، تأثرت أسعار النفط في جميع أنحاء العالم، وفي المقدمة في دول الخليج، برفع أسعار الفائدة.

ما سبب القرار الأميركي؟ في تعليقها على قرار الفيدرالي الأميركي، قالت الصحفية والخبيرة في شؤون الاقتصاد الدولي، لمياء نبيل، لموقع “الحرة”: “بحسب توقعات مجلس الفدرالي الأخيرة، في ديسمبر الماضي، كان من المرتقب أن يتوقف رفع الفائدة عند مستوى 5.1 في المئة، علما أن معدل الفائدة حاليا عند مستوى 4.5 إلى 4.75 في المئة، بعد سلسلة من رفع الفائدة الحاد منذ نحو عام، والتي كان قبلها يتراوح بين صفر و0.25 في المئة”.

وشرحت الخبيرة الاقتصادية سبب قرار الفيدرالي الأميركي، قائلة إن “رفع الفائدة على الدولار، أو التشديد النقدي، يهدف إلى تقليص السيولة في الأسواق، وتوجيهها إلى المصارف، من أجل خفض المتاح النقدي، وبالتالي تقليص القوى الشرائية في الأسواق ودفع الأسعار للانخفاض”.

وتابعت: “ويعد هذا المسار أحد أقوى الأسلحة المتاحة للبنوك المركزية لمواجهة التضخم، حتى على حساب دخول الاقتصاد في حالة ركود”.

وقال الخبير الاقتصادي، علاء عبدالحليم لموقع “الحرة” إن الدول تحتاج لأن توازن بين ثلاثة عوامل أساسية في الاقتصاد، هي الفائدة والبطالة والتضخم.

وأضاف أن المشكلة الأكبر التي تواجه الولايات المتحدة حاليا هي التضخم، وتحاول حلها برفع الفائدة، التي قد ينتج عنها ارتفاع في نسب البطالة.

وفي تحليله للنتائج والتأثيرات المحتملة لقرار الفيدرالي الأميركي على الأسواق العالمية، أوضح أن التضخم المرتفع والمستمر في الولايات المتحدة وأوروبا سيؤدي إلى زيادة تشديد الأوضاع المالية العالمية وزيادة مخاطر الركود طول العالم الحالي ٢٠٢٣ وأوائل العام المقبل ٢٠٢٤.

ووفقا لما قاله الخبير الاقتصادي في تحليله، فإن الوضع الحالي سيترجم إلى تدهور في التوقعات الاقتصادية للبلدان في جميع أنحاء العالم، خاصة تلك الموجودة في أميركا اللاتينية، وكذلك التوقعات المالية للبلدان المثقلة بالديون، وخاصة الموجودة في إفريقيا.

وفي حديثها عن تأثير القرار على الأسواق العالمية، ذهبت نبيل في الاتجاه ذاته موضحة أن “تصريحات باول صدمت الجميع، بداية من حدوث أثر فوري على وول ستريت التي شهدت تراجعات حادة مع الفتح، وصولا إلى كثير من الدول التي بدأت تعد عدتها لآثار تلك التصريحات”.

كيف بدأت الأزمة العالمية؟ بلغ التضخم في الولايات المتحدة أعلى مستوى له في 40 عامًا عند 9.1 في المئة، في يونيو الماضي، بعد ارتفاع قوي في الإنفاق الاستهلاكي بعد وباء “كوفيد-١٩”، ومشاكل سلسلة التوريد، والارتفاع الهائل في أسعار الطاقة المرتبط بالحرب الروسية في أوكرانيا. وبلغ التضخم في منطقة اليورو ذروته عند 10.6 في المئة، في أكتوبر الماضي، بحسب تقرير “ستراتفور وورلد فيو”، منصة الاستخبارات الجيوسياسية الأميركية، الثلاثاء.

ومنذ منتصف عام ٢٠٢٢، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي أسعار الفوائد الرئيسية بمقدار ٤٥٠ و٣٠٠ نقطة أساس على التوالي، وفقا لـ”ستراتفور وورلد فيو”.

وانتعشت أسواق العمل بقوة في عام 2022، بعد أن بدأت الولايات المتحدة وأوروبا على نطاق واسع في رفع قيود “كوفيد-١٩”، لكن ارتفاع الأسعار استمر في الضغط التصاعدي على الأجور منذ ذلك الحين، رغم أن نسب البطالة وصلت إلى أدنى مستوياتها التاريخية في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عند 3.5 في المئة و6.7 في المئة بالترتيب، بحسب “ستراتفور وورلد فيو”.

وشهدت الأسعار ارتفاعا بشكل غير متوقع في الولايات المتحدة، فبراير الماضي، لتصل لأعلى مستوياتها في العقود الثلاث الماضية، ما قلل من الثقة في أن مساعي بنك الاحتياطي الفيدرالي القوية لتخفيضه خلال الفترة الماضية كانت تؤتي ثمارها، بحسب “ذا تايمز”.

وأوضح الخبير الاقتصادي عبدالحليم أن معدل التضخم الرئيسي في أوروبا والولايات المتحدة انخفض لكن ليس بالشكل المتوقع، كما أن الأسعار لا تنخفض بالسرعة الكافية مقارنة بالأجور. وهذا سيجبر كلا من البنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، وهما أهم بنكين مركزيين في العالم، على فرض مزيد من السياسات النقدية المتشددة لتهدئة أسواق العمل وتضخم الأجور، ما سينتج عنه مزيد من الركود الاقتصادي مع زيادة البطالة.

ووفقا لأحدث نسخة من تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي”، منشورة في 30 يناير الماضي، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للولايات المتحدة إلى 1.4 في المئة في عام 2023 (منخفضا من 2.0 في المئة عام 2022) بسبب زيادات أسعار الفوائد. وتبدو توقعات صندوق النقد الدولي لأوروبا أكثر كآبة، إذ تتوقع أن ينمو اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 0.7 في المئة فقط هذا العام (منخفضا عن 3.5 في المئة عام 2022).

واتساقا مع صندوق النقد، توقع 60-70 في المئة من الاقتصاديين أن تدخل الولايات المتحدة فترة ركود في عام 2023 في استطلاع أجرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، في ديسمبر الماضي.

ما تأثير القرار على العالم؟ يرى عبدالحليم أن تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا، إلى جانب زيادة تشديد الأوضاع المالية العالمية، سيظل يخلق بيئة اقتصادية ومالية صعبة، لا سيما لدول أميركا اللاتينية والاقتصادات النامية المثقلة بالديون في إفريقيا وأوروبا الشرقية.

وسيؤدي انخفاض أسعار الطاقة العالمية إلى إبطاء النشاط الاقتصادي في بلدان الخليج المنتجة للنفط في الشرق الأوسط، بحسب عبدالحليم.

وبشكل عام، يرى الخبير الاقتصادي أن البلدان منخفضة الدخل في جميع أنحاء العالم ستستمر في مواجهة أكبر تحديات الاستقرار الاقتصادي والمالي بسبب ارتفاع فوائد الديون، لأن زيادة أسعار الفوائد على الدولار وانخفاض عملات هذه الدول مقابل الدولار يعني أن الديون المقومة بالدولار ستترجم إلى أعباء ديون حقيقية أثقل.

ومن جانبها تحدثت نبيل عن الآثار الجانبية التي ستنجم عن المسار الذي اتخذه الفيدرالي الأميركي، قائلة إن “رفع الفائدة على الدولار يعني رفع الفائدة على الاقتراض، وهذا يؤثر على نمو الشركات والمؤسسات الخاصة التي تعتمد على الاقتراض في التوسع”.

وأضافت أن “إغراء العائد المرتفع يحول الأموال من أسواق المال التقليدية مثل البورصات وأسواق السلع وغيرها إلى المصارف الأكثر عائدا وأمنا”.

وتابعت: “القرار الأميركي يرفع العوائد على قروض الدول المدينة، والتي تكون في غالبها مقدرة بالدولار”.

وأشارت الخبيرة الاقتصادية إلى أنه “بشكل تقليدي، فإن كثيرا من دول العالم ترفع الفائدة المحلية مضطرة فور رفع الفدرالي للفائدة الأميركية، وذلك في محاولة للحفاظ على السيولة والاستثمارات داخل نطاقاتها، بدلا من تخارجها إلى المصارف الأميركية، وذلك رغم تبعات ذلك على النظم المصرفية المحلية وعلى موازنات تلك الدول”.

وحول التأثيرات على مختلف مناطق العالم، توضح نبيل أن “منطقة الشرق الأوسط والدول الأفريقية والآسيوية واللاتينية الأكثر فقرا ستكون الأكثر تأثرا، نتيجة عوائد الديون من جهة، وكونها دولا مستوردة من جهة أخرى، إذ ترتفع أسعار السلع ويختل الميزان التجاري نتيجة رفع الفائدة الأميركية”.

وأكدت أنه “بينما تعاني دول في شمال إفريقيا على سبيل المثال بشكل أكبر، فإن الآثار على دول مجلس التعاون الخليجي قد تكون أقل قسوة، نظرا للملاءة المالية الأكثر قوة، والاحتياطيات المالية والنفطية الكبيرة التي تسمح بمزيد من المناورة المالية”.

لكن نبيل يلفت إلى أن “رفع الفائدة الأميركية وارتفاع أسعار الدولار في الأسواق يؤثر سلبا على أسعار النفط، لأنه يكون أعلى تكلفة للمشترين، إذ إنه مسعر عالميا بالدولار، ما قد يتسبب في بعض الأوقات في تقليص حركة الأسواق”.

وأشارت نبيل إلى أن “الكتلة الأوروبية على سبيل المثال تعد أكثر قدرة على تحمل رفع الفدرالي للفائدة، كونها دول صناعية منتجة في غالبها، وحتى الدول غير الصناعية فيها تتحمل التبعات لأن الكتلة الأوروبية لديها موازنة جماعية تحميها من المخاطر”.

لكن نبيل أكدت أن “المتاعب الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا حاليا ربما تجعل صدمتها أيضا كبيرة”. واختتمت قائلة: “يبدو أن الجميع يتأهب لعهد صعب”.

الحرة

المقال السابق
رياض عسعس / إيران والمخاوف من الهلال الشيعي

الرصد

مقالات ذات صلة

"المرأة الغامضة" وراء الشركة المرخصة لأجهزة "البيجر" المتفجرة

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية