يصف مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي من يقولون، في لبنان وخارجه، إنّ حزب الله قد ضعف بالموهومين، ويجزم، بالإستناد الى وعد الله والى “الروحانية” وإلى الإستعداد، بأنّ هذا الحزب الذي “أخرج الصهاينة من بيروت وصيدا وصور ولاحقا من قرى الجنوب سوف يُذهل العالم وهو يهزم الكيان الصهيوني”.
كان خامئني يتحدث في إيران مع أعضاء مجلس تشخيص النظام، ويطمئنهم الى أنّ جميع من خسرهم “حزب الله” في لبنان و”حماس”، من قادة لن يؤثروا أبدًا على الإنتصار الموعود، على اعتبار أنّ من اغتيلوا قد أنجزوا مهمتهم، فالراحل حسن نصرالله مثلا حوّل حزب الله من منظمة صغيرة الى منظمة ضخمة لا يمكن لأي كان أن يقوى عليها.
في حديثه، جال خامئني على خسائر “حزب الله” و”حماس” وعلى عشرات آلاف الضحايا في غزة وآلاف الضحايا في لبنان، كما لو كان جميع هؤلاء مجرد مسألة عابرة، لا يتحمّل المسؤولية عنها إلا الإجرام الصهيوني. ولم يتطرق، مطلقا الى خسائر الشعبين الفلسطينين واللبناني، على مستوى هيكلية المؤسسات، والمنازل، والأعمال، والأرض.
كل هذا لا يعني شيئًا لمن يسميه الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ب”قائد المقاومة في المنطقة”. إنّه تفصيل!
ما هو الإنتصار الذي يتحدث عنه خامنئي الذي يجهل الكثير من الحقائق، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، أنّ لا دخل لحزب الله بإخراج الجيش الإسرائيلي من بيروت وجبل لبنان وصيدا، وأنّ من فعلوا ذلك هم آخرون، حاربهم “حزب الله” حتى همّشهم أو استتبعهم، وما من أمثلة صارخة على ذلك سوى “حركة أمل” والحزبين الشيوعي والسوري القومي الاجتماعي. بعض أبطال تلك المرحلة هم على عداء حقيقي مع “حزب الله”، مثل الياس عطا الله، وبعضهم تمّ اتهام “حزب الله” باغتيالهم، مثل جورج حاوي؟
إذًا، ما هو هذا الإنتصار، بالنسبة للخامنئي؟
هو، باختصار، استمرارية “حزب الله”. لا يهم إن جرى الرد على صاروخ سقط في حيفا بتدمير أحياء في الضاحية، وعلى بيت احترق في أفيفيم بتفحيم صور، وعلى سور سقط في كر يات شمونة بترميد بعلبك، وبصاروخ أصاب المطلة بمطاردة كل من يمت بصلة الى حزب الله أينما وُجد!
خامنئي نسي، وليس بسبب عمره بطبيعة الحال ولكن بسبب إرادة إنكار معيبة موجودة عنده وعند آخرين، أنّ الغرض الذي أدخل “حزب الله” الى هذه الحرب، ليس مواجهة أهداف إسرائيل، بل تحقيق مشروع كبير، وهو تحرير القدس، من خلال إحداث “طوفان الأقصى”.
ويجوز أن يكون خامنئي يجهل أنّ الناس الذين كانوا ينتظرون عبور الجليل في اتجاه القدس، تحت راية “حزب الله”، عبروا صيدا في اتجاه الشمال، وبعضهم الثاني عبر المصنع في اتجاه سوريا وبعضهم الثالث عبر المطار في اتجاه العراق، وبعضهم الرابع عاد الى المهاجر الأميركية والأوروبية والإفريقية.
كان هدف هؤلاء الهجوم وليس الفرار!
كان خامنئي قد وعدهم بذلك، سواء كانوا في لبنان أو غزة، ولكنه خانهم جميعهم!
خاف هذا الذي يستخف بحياة الآخرين. أرعبته الولايات المتحدة الأميركية. وقف جو بايدن، وأشّر له بأصبعه، قائلا له: لا تفعل!
إمتثل خامنئي للأمر. تجمّد في مكانه!
استدعته إسرائيل، بطريقة مذلة الى الحرب. قتلت قيادات فيلق القدس في القنصلية الإيرانية في سوريا، فرد بهجوم تحوّل الى سخرية العالم، وتوقف هنا.
استدعته م جددا، باغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران، فانتظر طويلا، قبل أن يرد بهجوم صاروخي، بالكاد قتل عربيًا هرب من غزة ليعمل في تل أبيب، واكتفى بذلك!
استدعته إسرائيل ثالثة، عندما شنّت مائة مقاتلة هجومًا عبرت من خلال سوريا والعراق الى إيران، واستهدفت مصانع للصواريخ والمسيّرات، فتوعد، مرارا وتكرارا، ولكنه لم يرد بعد. لا يزال يفكر بالطريقة التي لا تورطه في حرب مع إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية.
بالأدبيات التي يتوسلها للحديث عن لبنان وغزة، يُعتبر خامئني أرنبا، بمجرد مقارنتها يتصرفه في طهران.
بالمطلق يمكن اعتبار خامنئي، في قرارات عدم إقحام بلاده بحرب مدمّرة، حكيمًا، لأنّه بهذه الطريقة من التفكير الحالم والهادئ والبارد تتم المحافظة على الدول. الدول الحكيمة لا تفتح حروبا غير متكافئة. لا تجلب الدمار والموت والتهجير. ولكنه، إذا ما قورن كلامه عن لبنان وغزة، واستخفافه بالخسائر والتضحيات والضحايا والهجرة والكلفة، وحديثه المتساهل عن الانتصار، بأفعاله في إيران، يعتبر أرنبا.
البعض في غزة ولبنان يرون هذا الأرنب نمرًا. هذه مشكلة نظر يعاني منها هؤلاء، بسبب غبار المال والعقيدة والتبعية والحاجة. بالنسبة لنا، بهذا الموضوع، لا نعاني، كما أكد الأطباء، من أي مشكلة في الرؤية الثاقبة، إذ لا نزال نستطيع أن نميّز الأرنب عن النمر!