لو كانوا “مية أعزّ من عينييّ” و “أحبّ الصغير إلى أنّ يكبر والغائب إلى أن يعود والمريض إلى أن يشفى” وغيرها من عبارات يردّدها الآباء والأمهات ليدحضوا الاتهامات التي تلقى عليهم بأنهم يفضّلون أخًا على أخيه، إلا أن الدراسات كما التجارب بيّنت أن محبّة الأهل قد تتوزّع أحيانًا بصورة غير متساوية بين الأبناء وتأخذ أشكالًا مختلفة، كالتحيّز للصبي على حساب البنت مثلًا، أو للصغير آخر العنقود، أو في المقارنة من حيث الشكل ونسبة والذكاء والسلوك… والتفرقة سواء كانت عن قصد أو غير قصد قد تتسبّب بمشاكل نفسية قد تظهر لاحقًا عند الأبناء بأشكال مختلفة مع سنّ البلوغ.
في دراسة أجرتها Jill Suitor في العام ٢٠٠٩من جامعة Purdue في الولايات المتحدة، حول الفوارق داخل الأسرة، بعد أن تتبّعت على مدى سنوات العلاقات بين الآباء والأمهات والأطفال والأحفاد الأمريكيين، حيث استجوبت حوالي ٣٠٠ أم وأطفالها البالغين، تبيّن أنّ ٥٠٪ من هؤلاء الأطفال تقريبًا كانوا على يقين بأن والدتهم عاملتهم بشكل مختلف عن إخوتهم في مرحلة طفولتهم، و٨٦٪ منهم قالوا بأن أمهاتهم كنّ منحازات عاطفيًا لأحد الأبناء أكثر من الآخرين.
وكان قد سبق ذلك، دراسة أعدّها في العام ٢٠٠٥ فريق من جامعة كاليفورنيا على ٣٨٤ أب وأم، بيّنت أن ٦٥٪ من الأمهات و٧٠٪ من الآباء لديهم طفلهم “المفضّل”، وخلصت الدراسة أنّه بينما تكون صغيرة البيت هي المفضّلة لدى الأب، يكون الصبّي البكر هو المفضل لدى الأم، ليبرهن في الع ام ٢٠١٧ كل من ألكسندر جينسن Alexander Jensen من جامعة بريغهام يونغ وسوزان ماكهيل Susan McHale من جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة أن الأخوة الأصغر سنًا - سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا - غالبًا ما يكون لديهم صلة أقوى مع والديهم.
٦٥٪ من الأمهات و٧٠٪ من الآباء لديهم طفل”هم “مفضل
من يشبهني هو الأقرب إلى قلبي!
في استطلاع أجرته مؤسسة “Within- Family Differences” في العام ٢٠٠٩ خلصت إلى أن الأهل يميلون إلى من يشبههم، لتردّ Martina Stotz المستشارة في العلاقات الزوجية والتربية، في رسالة مطوّلة بعنوان: “المساواة بين الأخوة” جاء فيها: ” إنّ التشابه في الطبع بين الآباء والأبناء قد يولّد بينهم مشاكل ونزاعات أكثر من أولئك الذين لديهم شخصيات مختلفة.” واستبعدت Stotz وجود أيّ رابط بين الطفل المفضّل وترتيبه العائلي، إنما أعطت أهميّة للعوامل الخارجية التي يتعرّض لها الآباء كالإجهاد والمشاكل المالية التي تقلّل من تقديرهم لأنفسهم، وقالت في هذا السياق: “قد يعوّض الآباء مشاكلهم من خلال عدم العدل بين الأبناء، وبالتالي، فإن الطفل الذي يتكيّف أكثر مع ظروف أهله الصعبة يحظى على محبّتهم وعطفهم أكثر من أشقائه المستائين من وضعهم العائلي”.
مساوئ التفريق بين الأولاد وانعكاسها على علاقة الأخوة
مما لا شكّ فيه، أن التحيّز في معاملة الأهل لأبنائهم له تداعيات خطرة على العلاقة بين الأشقاء وعلى الترابط في ما بينهم لما يسبّبه من منافسة مستدامة، لكن هذا لا يعني أن الأطفال المهمشين هم فقط الذين يعانون إنما المفضّلون يتأثرون أيضًا، فقد كشفت “Within Family Differences” في هذا السياق أن هؤلاء المفضّلين غالبًا ما يعانون من أعراض الاكتئاب في سن البلوغ أكثر من الإخوة والأخوات الذين تتم معاملتهم بشكل عادل، وذلك “بسبب الضغط الناتج عن الشعور بالمسؤولية الذي يوقعه الأهل على كاهلهم والتوقعات الكبيرة التي ينتظروها منهم.
إذن ما هي التدابير والاحتياطات التي يمكن اتخاذها لتقليل هذا الخطر؟
كون كل طفل فريد ولديه احتياجاته الخاصة فمن البديهي أن لا تكون المعاملة متطابقة بين الأشقاء، وتنصح Martina Stotz الأهل باتباع النصائح الآتية في معاملتهم لأبنائهم:
المساواة قدر المستطاع بين الأبناء من خلال تحديد فترات يقضي فيها لأهل وقتًا مخصصًا لكل طفل على حدة، وممارسة نشاطات معه والاستماع إليه.
إذا كان أحد الإخوة أو الأخوات بحاجة إلى المزيد من الاهتمام كونه مريضًا أو يمر بفترة صعبة، يجب مناقشة ذلك مع الأشقاء.
إذا أدرك أحد الوالدين أن لشريكه طفلًا مفضلًا عليه لفت نظره ومناقشة الأمر وتوضيحه معه لفهم السبب.
تفادي الطلب من الأخوة الصغار أن يتخذوا الكبار كمثال لهم لأن ذلك قد يؤثر على تقديرهم لذواتهم لاحقًا.
الاستعانة بمعالج نفسي أو مساعد اجتماعي وأسري قد تكون مفيدة في حال عجز الوالدين عن التعامل مع الوضع بمفردهما، فقد بيّنت الدراسات أن ٨٠٪ من العلاجات عن طريق الجلسات النفسية تؤتي ثمارها.
يستحضرنا مما تقدّم م ا يرويه سفر التكوين عن النبي يوسف، صغير إخوته الذي نشأ على عطف ومحبة وحنان أبيه النبي يعقوب مما أثار غيرة إخوته فرموه في البئر للتخلّص منه… مما يعني أنه قد يتعذّر حتى على الأنبياء المساواة بين أبنائهم، لذا، متى اعترف الأهل بـ “تقصيرهم” قد يتمكّنوا من وضع الأمور ضمن إطارها السليم.