يرى خبراء غربيون أن الانقلاب الذي نفذه مؤخراً الجنرال عبد الرحمن تشياني في النيجر يفتح الباب أمام مجموعة فاغن ر شبه العسكرية للتدخل في البلاد كما حصل في بلدان أخرى من إفريقيا.
ومن الوارد بحسب هؤلاء أن يتدخل يفغيني بريغوجين عسكرياً في نيامي وأن يؤمن الحماية للعسكريين الانقلابيين، ويتقاضى بدل أتعابه لقاء ذلك، وسط ميل شعبي لتأييد روسيا ورفض فرنسا.
يأتي ذلك في مرحلة يزداد فيها التوتر وتزداد فيها المخاوف من نزاع عسكري محتمل في البلاد.
وكان بريغوجين وصف في تسجيل صوتي سابق ما حدث في البلاد بـ”الكفاح ضد المستعمرين”، مرحباً بالانقلاب ومضيفاً أن قواته جاهزة “لإعادة فرض الأمن”.
في المقابل بدت تصريحات الكرملين “أعقل”.
فمنذ الإطاحة بالرئيس محمد بازوم دعا الكرملين “إلى الحوار بين جميع الأطراف والتهدئة”. وأمس الإثنين، قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن “ما يحدث [في النيجر] مصدر قلق بالغ”.
وأضاف بيسكوف “نؤيد الاستعادة السريعة لسيادة القانون في البلاد، ونؤيد ضبط النفس من جميع الجهات حتى لا يؤدي ذلك إلى خسائر بشرية”.
رأس حربة الكرملين؟ العلاقة بين مجموعة فاغنر والكرملين لا تزال ملتبسة وضبابية منذ الرابع والعشرين من حزيران/يونيو، يوم وقفت روسيا على شفير حرب أهلية بعدما قاد بريغوجين قافلة عسكرية كبيرة باتجاه موس كو محاولاً التمرّد على وزير الدفاع سيرغي شويغو وقائد الأركان فاليري غيراسيموف.
ولكن على الرغم من هذه تصريحات بيسكوف الرسمية “الهادئة والباردة” يرى بعض الخبراء، بينهم الأمريكية أناليسيه برنارد، أن مجموعة فاغنر تبقى رأس حربة الكرملين في منطقة الساحل وأنها قد تلعب دوراً مهماً هناك عمّا قريب.
فالمجموعة أصبحت تمثل قوة ذات تأثير سياسي وأمني كبير في مالي المجاورة منذ نفذ الانقلاب الأخير فيها عام 2021، كما أنها منتشرة في جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا.
برنارد تضيف أيضاً أن فاغنر تبحث حالياً عن لعب دور أكبر، دور يضلع في التأثيرات على السياسات العالمية. فالمجموعة تريد أن تكون “مفيدة بشكل أكبر” وبقاؤها في بيلاروس لتدريب الجيش البيلاروسي ليس كافياً لذلك، فهذا دور يمكن لأي شركة أمنية خاصة وصغيرة لعبه.
من وجهة نظر الغرب؟ في نهاية الشهر الماضي نشرت صحفية التايمز البريطانية مقالاً جاء عنوانه كالتالي: انقلاب النيجر يفتح الباب أمام بوتين في إفريقيا، علماً أن ازدياد الميول الروسية في المنطقة بدأ منذ أعوام.
فالنجير الفقيرة التي تعدّ واحدة من آخر حلفاء الدول الغربية، خصوصاً فرنسا، في منطقة الساحل، سبقتها كلّ من مالي وبوركينا فاسو في التقرب من روسيا، بعدما شهدتا انقلابين عسكريين.
صحيفة لوباريسيان الفرنسية كتبت منذ أيام كذلك أن روسيا تواصل العمل ضدّ الوجود الفرنسي في المنطقة عبر الاعتماد على مجموعة فاغنر.
برنارد أيضاً ترجح أن يؤثر تدخل فاغنر سلباً على الحملة التي يقودها الغرب ضدّ الجهاديين في المنطقة، مضيفة أن المجموعة قد ترتكب نفس انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها في مالي المجاورة.
وكان بريغوجين شارك بشكل مفاجئ في قمة “روسيا-إفريقيا” التي عقدت في سانت بطرسبرغ الروسية الأسبوع الفائت وظهر وهو يبتسم ويصافح المسؤولين الأفارقة.
هل يؤدي انقلاب النيجر لحرمان باريس من اليورانيوم ويؤدي بالتالي إلى أزمة طاقة كبرى في فرنسا؟
بدأت الصحافة تلمح إلى أن فرنسا قد تتعرض لأزمة طاقة عما قريب بعد أن منع الانقلابيون تصدير اليورانيوم، وخصوصا أن أكبر مصدر لليورانيوم المخصب في العالم هو روسيا، والأهم من ذلك أن روسيا هي البلد الوحيد في العالم، الذي يتمتع بإمكانية إعادة تخصيب نفايات اليورانيوم، حتى أن الولايات المتحدة ما زالت تستورد اليورانيوم الروسي المخصب، بالرغم من كل العقوبات والعداوة.
انقلاب النيجر يشكل “ضربة معلم” بالنسبة للروس، إذ يبرهن على ضعف الغرب بالنسبة لأفريقيا، مجددا، فهذا ثالث بلد، بعد مالي وبوركينا فاسو، الذي يعادي فرنسا.
وقد شهدت منطقة غرب أفريقيا تسعة انقلابات خلال السنتين الماضيتين. بالرغم كل ذلك فإن وضع فرنسا غير معرض للخطر بالنسبة للطاقة النووية لا على الأمد القصير ولا على الأمد الطويل، لسببين:
الأول، أن احتياطي اليورانيوم المخصب،إجمالا، مؤمن لبضعة سنوات.
الثاني، أن فرنسا عقدت اتفاقا مع منغوليا لاستخراج اليورانيوم، منذ بضعة أسابيع، من منطق توزيع المخاطر من خلال عدم الاعتماد على بلد واحد، وكانت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا قد قامت بزيارة في أوائل شهر يوليو/تموز إلى منغوليا، بعد أن زارها الرئيس الفرنسي في مايو/أيار الماضي.
ويبدو أن قيمة العقد الفرنسي المنغولي تبلغ مليار دولار للاستثمارات لاستخراج اليورانيوم لمدة ثلاثين عاما.
في الخلاصة، يبدو الأن وكما في بدايات القرن العشرين أن الطاقة ومصادرها الجديدة عادت لتلعب دورا أساسيا في إعادة توزيع الأوراق الاقتصادية في العالم، مع فارق أساسي، وهو أن الدول الغربية كانت قد تحكمت بمواد الطاقة بالقوة آنذاك أي بالاحتلال والاستعمار، ما الان فإن مصادر الطاقة ومواردها الأولية بأيدي دول لا يمكن احتلالها كالصين أو على عداء معها تحت العقوبات كما فنزويلا وإيران وروسيا أو دول لديها سياسة مستقلة تصنع السوق بدلا من أن تخضع له كالسعودية والعراق وأوبك إجمالا.