"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

عندما يكون "إرضاء الآخرين" ... مرضًا

كريستين نمر
الثلاثاء، 26 مارس 2024

عندما يكون "إرضاء الآخرين" ... مرضًا

هل تهتم بما يفكره الآخرون بك، وتتخّذ قرارات ترضيهم وتتخوّف من إثارة غضبهم أو تتماهى مع آرائهم وتعتذر لهم باستمرار؟ وهل يربكك الإطراء من قبل رؤسائك وترفض تقييم أدائك الجيّد أمام زملائك؟ هل تستسلم أمام أول عائق تواجهه؟ إذن أنت تعاني من “متلازمة إرضاء الآخرين”.

والساعون إلى “إرضاء الآخرين” يختلفون عن “الغيريين” الفئة الأولى تعمل على إظهار التعاون بشكل مفرط والأخذ بعين الاعتبار رغبات الآخرين طلبًا للحماية أو خوفًا من الإقصاء أو العقاب، فيما تسعى الفئة الثانية إلى إضفاء السعادة على الآخرين من خلال تقديم الخدمات المجانية، ويكون الحصول على الامتنان هو دافعها الأساسي.

ماذا يقول علم النفس عن “متلازمة إرضاء الآخرين”؟

نظرًا لأهمية مرحلة الطفولة وتأثيرها الكبير على تكوين شخصية الإنسان، ركّز غي بوسمانس Guy Bosmans أستاذ علم النفس السريري للطفل والمراهق في جامعة لوفان الكاثوليكية في بلجيكا، Université catholique de Louvain في دراسة أجراها في العام ٢٠١٢ على عدد من الأهالي الذين يعاني أبناؤهم من هذه المتلازمة، تبيّن أن غالبية هؤلاء الأهالي كانوا يجبرون أبناءهم عندما كانوا في مرحلة الطفولة على خدمة الآخرين طلبًا لرضائهم أو تجنّبًا لاستيائهم أو خوفًا من التوقّف عن حبّهم…”

ويقول Bosmans حول هذا الموضوع: “إنّ “الذين لم تُلبَّ احتياجاتهم الأساسية خلال فترة الطفولة أو المراهقة، يعانون من قلّة الثقة بأنفسهم وببيئتهم، وهذا ما يفسّر حاجتهم لإرضاء الآخرين، وبشكل شبه إدماني. على سبيل المثال، يمكن للطفل أن يطوّر الفكرة بأنه لا يستحق حب والديه إلا إذا كان مطيعًا أو مُذَلًا”.

وفيما لم يفرّق Bosmans بين السعي إلى إرضاء الآخرين والإذلال، شبّهت نيلي جاكوب Nelly Jacob، أستاذة علم النفس في مدرسة بروكسل الحكومية في بلجيكا، الشخص الذي يسعى إلى إرضاء الجميع “بالحرباء” ووصفته بأنه “قادر على التكيّف لدرجة أنه لا يعرف ما هي رغباته الخاصة، ويقيّم سلوكه باستمرار بناءً على معايير أو أحكام الآخرين دون النظر إلى ما يراه هو”.

أيهما الأكثر سعيًا لإرضاء الآخرين الرجال أم النساء؟

من المعروف أنّ النساء أكثر اهتمامًا بالآخرين من الرجال، ولكن هل هنّ أكثر عرضة للسعي إلى إرضاء الآخرين؟

أظهر غي بوسمانس بعد متابعته لـ ٢٢٨ مراهقًا، أن الفتيات حصلن على درجات أعلى من الأولاد في استبيانات تقييم نمط “الإذلال” كما أسماه، وربط ذلك على تركيز الأهل خلال تربية الفتاة على تنمية الجانب المتعلّق بـ”العناية والحنان”، كما بيّن أن سلوك الآباء والأمهات غالبًا ما ينعكس على أطفالهم، ويقول بوسمانس “سلوك الأهل لا ينتقل إلى الأبناء من خلال المراقبة فقط إنما بالوراثة أيضًا”.

أدمغة هؤلاء الأشخاص

في العام ٢٠١٦ راقب علماء أعصاب أستراليون أدمغة الناس الذين يشعرون بمزيد من التوتر والإرباك عندما تتباين آراؤهم عن آراء محدثيهم، فتبيّن أنّ التوتّر النفسي الذي يشعرون به عندما لا يتفق سلوكهم مع معتقداتهم ويجعلهم يتصرّفون ضدّ رغباتهم واحتياجاتهم، يشعرهم بنوع من الارتياح الناجم عن التناقض الإدراكي.

الحلّ

تقدّم نيلي جاكوب بعض النصائح لتخفيف هذا النمط السلوكي التي تطلق عليه أيضًا تسمية الإذعان وتقول:

أولًا: حاول أن تجيب عن الأسئلة الآتية:

  • من أنا حقًا؟

  • ما هي القيم المهمة لي؟

  • ما الذي أرغب فيه؟

ثانيًا: قارن بين الإجابات السابقة والإجابات على الأسئلة التالية:

  • إلى أي مدى يعبّر سلوكي الحالي عن مدى احتياجاتي وقيمي؟

  • ما هي الاتجاهات التي أتّبعها حاليًا؟

  • هل تتعارض مع رغباتي الشخصية؟

ثالثًا: عبّر عن رأيك بصراحة، مثلًا إذا لم يعجبك طعامًا أعدّه لك صديقك فلا تتردّد بأن تقول رأيك بصراحة.

رابعًا: ابحث عن الكلمات المناسبة للتعبير عن احتياجاتك وذلك من خلال إبداء رغباتك من دون تجاهل رغبات الآخرين، مثلًا لا تقول أنا لا أرغب على الإطلاق بالذهاب إلى السينما، بل قل بدلاً من ذلك: “أفضّل الاستفادة من الطقس الجميل والابتعاد عن الأماكن المغلقة، ولكن إذا كنت ترغب في مشاهدة هذا الفيلم فيمكننا الذهاب في يوم ماطر”، لتبيّن للطرف الآخر بأنك تبذل جهدًا لإيجاد تسوية.

وعليه، حتى لو سلّمنا جدلًا أن “إرضاء الآخرين” هو استراتيجية مفيدة تساعد الشخص على إيجاد مكانته في المجتمع وتبعده عن ضغوطات الحياة فهذا لا يعتبر ضارًا، إنما الخطر هو التفكير بأنّ عليه أن يقول “نعم” ليُحَبّ، فالتساهل المتزايد واعتباره جزءا من شخصية المرء، يحول دون السماح ببناء هويته الخاصة، فعدم الجرأة على المعارضة تؤدى إلى ضغوط نفسية هائلة، فالـ “لا” حتى لو تسبّبت ببعض المشاكل وأثارت الريبة والقلق إلا أنها تعلّم الشجاعة، ويبقى التعرّض للخوف هو الطريقة الأسلم لمواجهته.

ومن حسن حظنا، إنّ قدرتنا كبشر على الاكتساب والتعلّم ترافقنا طوال حياتنا، بالطبع قد يصعب علينا تغيير عاداتنا مع تقدّمنا بالعمر لكن يمكننا تعديلها، كما يقول اختصاصيو العلاج النفسي.

المقال السابق
إدمان السجائر.. أكثر ضحاياه من النساء
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"مفترس في هارودز" وثائقي يتهم محمد الفايد باغتصاب موظفات وابتزازهن

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية