إن الهدايا وتبادلها هي لغة الحب بين الناس وأحبائهم، ويفترض أن يكون تلقيها من أكثر اللحظات متعة، لكن أن تتحوّل إلى لحظات إرباك وإحباط وخوف وقلق وأن تصل في كثير من الحالات إلى حدّ التعاسة، فهنا تكمن المشكلة.
ما هو تفسير علم النفس لهذا التناقض في المشاعر، وكيف يمكن التعامل بشكل سليم مع هذه المعضلة؟
تشير الدراسات إلى أن الرفض والاعتراض لهما علاقة بتعريف تقليدي سائد للهدية، هو أنها تقدير رمزي لقيمة الشخص المُتلقي، ففي حال لم تأت على قدر الأمنيات، يتحوّل الشعور بالحبور الذي يفترض أن ينتاب المتلقي إلى إحباط وخيبة وهزيمة. هذا علاوة على أنّ الشعور بالسعادة ما يلبث أن يتضاءل بشكل كبير عندما نحصل على هدية خلال مناسبة متوقّعة كعيد الميلاد أو عيد مولدنا مثلًا، فالمتعة التي من المفترض أن نشعر بها تتضاءل مباشرة بعد تعرّفنا للهدية، بالمقابل نكون أكثر فرحًا عندما نتفاجأ بهديّة غير متوقعّة ومن دون أي مناسبة.
ويعيد علم النفس ذلك إلى أسباب عدّة أهمها:
-إنّ ردّة فعل الشخص على الهدية المتلقاة قد تعكس الكثير من مكنوناته، فبكاؤه تأثرًا أو سخطًا عند فتحها، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بما يختلج في نفسه من تقييم لذاته أوللآخرين.
-الشعور بالإنزعاج: ينتاب البعض شعورًا ب”الحصار” في عملية التبادل، إذ يخشى من أن يصبح مدين للواهب، ومعتمد عليه.
-الحدّ من الحرية: على الرغم من أنّ الهدية تعزّز الروابط، إلا أنها قد تحدّ من الحرية وتجعل الموهوب ضعيفًا تجاه الواهب، بحيث يعتبر أنّ “قبول الهدية يعني أنه مجبر على ردّها، وفق معيار التبادل وردّ الجميل، وهذا هو حال “الأنانيين الحقيقيين” الذين لا يرغبون بتلقّي أي شيء من أي حدّ على الإطلاق” يشرح المحلّل النفسي سيرج سيوتي.
وينصح سيوتي، لتفادي الظهور كشخص نكد أو أناني أولديه فائض أو ضمور في تقدير الذات، بضرورة إعادة النظر، ليس بمفهوم الهدية فحسب، إنما أيضًا بإيماننا وحبّنا لذواتنا، ويسأل: “لماذا لا نقوم بإهداء أنفسنا بين الفينة والأخرى هديّة بسيطة للتعبير عن مدى فخرنا بإنجازاتنا حتى لو كانت بسيطة.
ويتابع: بذلك نتخلّص من آفة التشكيك بأنفسنا وبمشاعر الآخرين السلبيّة تجاهنا، وندرك أهميتنا وقيمتنا وقوتنا تجاه ذواتنا، فتصرفنا كأصدقاء لأنفسنا وشركاء لها، يجعلنا نؤمن بأن السعادة حقّ لنا”.