"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

عن حق الشماتة في «حزب الله»

نيوزاليست
الاثنين، 23 سبتمبر 2024

عن حق الشماتة في «حزب الله»

توفيق رباحي- كاتب جزائري

من السهل على كثير من العرب، على اختلاف مشاربهم، الشماتة في حزب الله مما أصابه من إسرائيل في الأيام الأخيرة. ومن السهل على السوريين المعارضين، أكثر من غيرهم، انتقاد حزب الله والتهجم عليه والتشفي فيه في هذه الظروف القاسية التي يمر بها. ومن السهل كذلك على غير السوريين انتقاد السوريين المعارضين على شماتتهم في حزب الله وما لحق به في هذه الأيام.

هذا هو واقع حال نسبة غير قليلة من العرب المتابعين للسياسة. حالة معقّدة من التيه وفقدان البوصلة.

من الصعب انتقاد هؤلاء أو الشعور بالاستياء من أولئك. مرة أخرى بسبب حالة التيه وتعقيدات هذه المنطقة التي تجنح باستمرار للتطرف ولا تترك فرصة للعقل والمنطق.

في ما يخصني: حاولتُ دائما، وقدر الإمكان، أن أضع نفسي مكان الذين أختلف معهم قبل أن أبدأ بلومهم وانتقادهم، إيمانا مني بأن الذي يده في النار ليس مثل الذي يده في الماء.

فور أن بدأت تنتشر أخبار تفجير أجهزة «البيجر» في لبنان عصر الثلاثاء الماضي، وتأكد أن المستهدف حزب الله، قلت في قرارة نفسي: يا فرحة المعارضين السوريين!

لاحقا بدأت تصلني صور وفيديوهات الاحتفال والرقص وتغريدات الشماتة والتشفي.

قلت لمن أمطرني بالفيديوهات وصور الشاشات: لا أرى هناك ما يدعو للابتهاج، لبنان هو الذي يحترق وليس حزب الله وحده.

قلت هذا الكلام في خلفية تفكيري سؤال: هل يا ترى سألجم نفسي عن الفرح والاحتفال هكذا لو كنت سورياً أجهض حزب الله أحلامي وطموحاتي في التخلص من طاغية بلدي، وقد كان التخلص وشيكا؟

لست واثقا من الجواب. أعرف فقط أنني لست سورياً، وأنني غير ملِّم بكل تفاصيل المأساة السورية، وأنني لا يمكن أن أشعر بكل المرارة التي يشعر بها هؤلاء مهما حاولت. وأعرف أن مصابهم كبير.

هذا عن الصورة الأكبر. أما حول الصورة الأصغر فأعرف، كما يعرف العالم كله، أن الأجهزة التي استهدفتها إسرائيل بالتفجير ملك لأنصار حزب الله ومنتسبيه. لكن الإرهابيين الذين قرروا تفجيرها لم يسألوا أبدا عن أمكنة التفجير والضحايا المحتملين وخلفياتهم العقائدية وانتماءاتهم السياسية. ولم يكترثوا للاتفاقيات الدولية وقوانين الحروب وأخلاقيات الصراعات.

كان واضحا منذ تقررت تلك العملية الإرهابية أن الجهاز المستهدف قد يكون لحظة الأمر بتفجيره على طاولة غداء رجل وزوجته وأطفالهما الصغار، أو بيد رجل في صالة انتظار بمستشفى ما، أو في طابور الدفع في محل فواكه أو داخل سيارة أجرة.. أي مكان نتخيله. وبالتأكيد لا يمتلك الجهاز ترف سؤال ضحاياه المرشحين عن انتماءاتهم السياسية وهوياتهم الطائفية أو العرقية. ورغم ذلك ارتكب المجرمون مذبحتهم دون أن يرف لهم جفن.

الأمر يتوقف أكثر على استيعاب خطورة الموقف، وعلى القدرة على ضبط النفس من خلال النظر إلى الصورة الأكبر.

لهذا أقدّر أن إرجاء الشماتة والاحتفاء بتفجيرات «البيجر» وما أعقبها من تفجيرات أخرى كان الخيار الأسلم والأكثر إنسانية ونُبلا.

لا أذكر أنني قرأت عن أفراح فئة من اللبنانيين وقد أجهض حزب الله أحلامهم هم أيضا. فقبل السوريين المعارضين لنظام بشار الأسد، أجهض حزب الله طموحات اللبنانيين في أن تكون لهم دولة مثل بقية الدول. وكان من المتسببين في وصول لبنان إلى هذا الوضع الشاذ غير المسبوق، إذ يعجز عن تعيين قاضٍ في المحكمة العليا أو وكيل وزارة أو فتح تحقيق في قضايا كبرى مثل تفجير مرفأ بيروت ما لم ترض طوائف محلية متناحرة وعواصم إقليمية ودولية متصارعة أغلبها لا تريد الخير للبنان.

بل قرأت عن هبّة اللبنانيين بعضهم لبعض، حتى في المناطق المعادية تقليديا لحزب الله، إلى المستشفيات للتبرع بالدم وتقديم يد العون للمصابين وطواقم الدفاع المدني.

تمنيت لو أُتيح لكل من لهم خصومة مع حزب الله تصفية حساباتهم معه عبر أي طريق آخر غير الطريق الإسرائيلي. فإسرائيل، وهذا ما يجب أن نتذكره قبل أي تحليل وبعده، لم تفعل بحزب الله ما فعلت حُبا في أحد، وخصوصا السوريين أيًّا كان انتماؤهم وطموحاتهم. ولم تفعل ثأرا لهم. لقد فعلت لأن التنظيم قرر مساندة غزة على طريقته، بغض النظر عن صوابها من عدمه وعن كل النقاشات الأخرى. وقد دفع لذلك ثمنا باهظا لكنه لن يحقق العدالة للسوريين.

قبل أن يصل إلى هذه الأيام السوداء، كان حزب الله قد دخل مرحلة خسارة الرصيد المعنوي الذي راكمه منذ بداية الألفية. هذا التنظيم الذي انبهر به الكثير من العرب والمسلمين لدحره الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في ربيع سنة 2000، وخلال حرب صيف 2006 مع إسرائيل، عاد وقسَّم العرب والسوريين في العمق، وفقدَ نصيبا هائلا من رصيده الشعبي ذاك إثر اصطفافه العسكري إلى جانب ديكتاتور دمشق وفتكه بالسوريين بعد 2011.

لكن لديَّ يقينا أن هناك من فعل بالثورة السورية مثل حزب الله. وأدرك أن كبار قادة المعارضة السورية بعد 2011 يكتمون أسرارا هائلة عن الضغوط والمساومات التي تعرضوا لها من «الأشقاء» والجيران، لو كشفوا عنها سيتبيّن للعالم أن بعض القادة العرب (وغير العرب في الجوار) ذبحوا الثورة السورية دبلوماسيا وسياسيا مثلما فعل حزب الله عسكريا وأكثر.

يجب أن نتذكر أيضا أن سوريا ربما ثأرت قليلا لنفسها منذ اليوم الأول. فلقد انكشف ظهر حزب الله وتبددت أسراره يوم قرر الزج بفيالقه في سوريا، وليس مستبعدا أن الاستخبارات الإسرائيلية تستفيد اليوم من معلومات وبيانات جمعتها في سوريا عن الحزب ومقاتليه وهويات قيادييه قبل عشرة أعوام.

الشماتة رد فعل إنساني تصعب مقاومته، ويصعب لوم صاحبه عليه. لكن السمو في المواقف المشابهة لحالة لبنان الأسبوع الماضي رد فعل إنساني نبيل ونادر.

القدس العربي

المقال السابق
نتنياهو يلمح الى أن نصرالله في مرمى الأهداف
نيوزاليست

نيوزاليست

مقالات ذات صلة

. سر استهدافات إسرائيل للمراكز الصناعية بسوريا؟

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية