"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

عن فرنسا ورئيسها في ضوء إرجاء زيارة الملك البريطاني لفرنسا

فارس خشّان
السبت، 25 مارس 2023

لم يكن طبيعيًّا أن يأتي الملك البريطاني شارل الثالث الى باريس، في زيارة دولة، في هذا التوقيت بالذات، فالتاريخ سبق أن أطلق حكمه:” عندما يغضب الفرنسيّون، على الملوك أن يحفظوا رؤوسهم”.

قبل تقييم وقائع “الخميس الأسود” لم يكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في وارد التراجع عن برنامج استقبال الملك شارل الثالث، في أوّل انتقال له الى الخارج منذ وصوله الى العرش البريطاني، فهو يحنّ إلى إطلالة ملكيّة تنسيه، قليلًا، الشتائم الكثيرة التي تهطل عليه، من كلّ حدب وصوب، فيما بلاده تحتاج الى أضواء تعكس جمالها وعراقتها بعدما أتعبتها الكاميرات التي تركّز على الاضطرابات المتنقلة والحرائق البشعة والنفايات المتراكمة.

ولكنّ وقائع “الخميس الأسود” أرعبت السلطة، فهذه أوّل حركة احتجاجيّة، بدل أن يتراجع زخمها مع تقّدم الأسابيع، ارتفع الى مستوى غير مسبوق، وبدل أن تمر تظاهراتها، بهدوء، تسلّمت “الكتل السوداء” التخريبيّة المفارق، فهاجمت الشرطة وحرقت المباني وكسّرت المقرّات، وبدل أن يلقي الرأي العام المسؤوليّة على المعارضة حمّلها للسلطة “العنيدة” التي لا تقيم أيّ اعتبار لصوت الشعب الرافض، بغالبيّته الساحقة، لرفع سنّ التقاعد، وبدل أن يكتفي الناس بطلب رأس الحكومة باتوا يتطلّعون إلى “عرش الملك ماكرون نفسه”.

وفرنسا حين تغضب لا تعود قادرة على استقبال الملوك، فقصر فرساي إنْ فتح أبوابه فتح الجراح التي أوصلت لويس السادس عشر الى المقصلة، والدولة إن جمعت النفايات عن الطريق الذي سوف يسلكه الملك الزائر، أغضبت من بقي هانئًا من الشعب الغارقة مداخل مساكنه بأطنان منها، والقوى الأمنية إن تفرّغت لحماية الملك البريطاني سلّمت الممتلكات الخاصة والعامة ل”التكسيريّين”.

كان ماكرون يعتقد بأنّ مضمون مقابلته التلفزيونيّة التي سبقت “الخميس الأسود”(أوّل من أمس) سوف تهدّئ النفوس، فهو، وإن كان قد أكد تصميمه عل نشر قانون التقاعد، بمجرّد خروجه من المجلس الدستوري، فقد أغدق على العمّال بالوعود والعهود، ولكنّ حسن ظنّه بنفسه قد خاب، إذ رفع منسوب الغضب عليه وعلى الحكومة، فالفرنسيّون، مهما كانوا بارعين في الطهي، فهم لا يجيدون تخيّل مائدة يفرشونها سمكًا لا يزال في البحر!

وهكذا، سحب ماكرون، بمرارة، زيارة الملك البريطاني من جدول أعماله الراهن، الأمر الذي أثار حبور المعارضة التي وجدت في ذلك “نصف استقالة” رئاسيّة، وجعلها أكثر حماسة لامتحانها الجديد، يوم الثلاثاء المقبل، إذ عليها أن تُثبت للجميع بأنّها “سيّدة الميدان”.

ولكن، هل المعارضة محقة في حبورها بإرجاء زيارة الملك البريطاني؟

الركون الى ردات الفعل الشعبيّة والثقافيّة والإعلاميّة الأوّلية، لا يصب في مصلحة المعارضة، فالمرارة الماكرونيّة بدت مرارة فرنسيّة عامة، إذ إنّ هؤلاء الذين يفتخرون بدولتهم وتراثهم وإرثهم، وجدوا في إرجاء الزيارة خسارة معنوية كبيرة، وهم لمسوا أنّ جاذبيّة وطنهم تتآكل، فدولة تتراجع عن استقبال ملك تُفقد السائح رغبته بزيارتها والمثقف نهمه بمعرفتها والرأس مال طموحه في استثمار مقدّراتها والديكتاتور رعبه من كلمة حق تنطق بها.

وهكذا، وفي انطباع أوّلي، برز الوجه البشع للغضب العمّالي، فهو لم يعد يدافع عن تقليد فرنسي عريق بالوقوف في وجه الإصلاحات التي تريد تقريب الأسلوب الفرنسي من معايير العمل الدوليّة، بل أصبح ينعكس سلبًا على سمعة الدولة وعلى نظافة المدن وعلى رفاهية السكان وعلى الجاذبيّة الفرنسيّة.

ومن اليوم، حتى ساعة متقدمة من ليل الإثنين المقبل، سوف يضرب ماكرون والموالون له على هذا الوتر، علّهم ينجحون في إفشال تحرك الثلاثاء المقبل، لأنّ تكرار مشهديّة “الخميس الأسود”، سيكون له تداعيات كثيرة، فماكرون حينها قد يضطر الى تجميد قانون التقاعد الذي يراه المستثمرون الدوليّون ضرورة اقتصادية، وإقالة الحكومة التي نجت من السقوط في البرلمان بفضل تسعة أصوات فقط.

وفي حال اضطر ماكرون إلى التراجع عن تفعيل القانون الجديد وعن حماية الحكومة التي شرّعته بموجب صلاحياتها الدستوريّة الإستثنائية، فحينها يكون أمام خيارين صعبين، أوّلهما أن يمضي ما تبقى من ولايته “عاجزّا” وثانيهما أن يستقيل.

المقال السابق
التحالف يضرب الميليشيات من جديد في سوريا.. 19 قتيلاً و"حرب تهديدات"

فارس خشّان

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

هذه هي ترسانة حزب الله الصاروخية وفق معلومات اسرائي؟

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية