"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

عن "المقام" الذي يدشنه شيعة لبنان

ساطع نور الدين
الخميس، 20 فبراير 2025

عن "المقام" الذي يدشنه شيعة لبنان

‏يحتل الاستشهاد، التشييع، القبر، المقام، ثم المزار.. مكانة خاصة في التاريخ الشيعي، يرقى الى مرتبة القداسة، التي تحفظ العِصمة، المكرسة في الأصل الى الائمة ال12 “المعصومين”، وتصون المذهب، المبني على سيرة الضحية التاريخية، التي حافظت باستشهادها على العقيدة، بل وعلى الإسلام كله.

‏الشيعة الآن على موعد جديد، لكتابة فصل من ذاك التاريخ، وإضافة إسم الى لائحة الشهداء الكبار، والمراجع الذين تتحول مدافنهم الى مزارات مقدسة، وملزمة، مع أن السيد حسن نصر الله لم يكن من المراجع الفقهية، ولا كانت شهادته دينية خالصة للمعتقد الشيعي، بل كانت وستبقى دنيوية، سياسية، تدور في الفلك اللبناني، لتنتظم في محور يمتد الى إيران بقيادتها الدينية والسياسية، وتبني في لبنان مقاماً ينافس مزاراتها المقدسة، ومزارات العراق الواجبة الزيارة على كل شيعي ملتزم.. حتى ولو لم يبنَ ذلك المقام على أرض جبل عامل المنكوبة، لأسباب يسهل ذكرها ويصعب تجاهلها.

‏المقام الذي يدشن الاحد، بين طريقي مطار بيروت، هو بهذا المعنى، مقصد سهل لشيعة لبنان الذين فقدوا الشعور بالأمان والاطمئنان للتجمع في الجنوب والبقاع، وعتبة إلزامية لشيعة العالم الذين بات لديهم مزارٌ مهمٌ في ضاحية العاصمة بيروت، يوسع، بالجغرافيا، مساحة الشهادة على أن الطائفة الشيعية كانت هنا، وستبقى، لأنها قدمت الكثير، وضحت بالكثير..وصار من واجب التشيع المعاصر ان يرفع من شأن تلك التضحيات ويضعها في مصاف القداسة.

‏لكن المقام شيء، والتشييع شيء آخر. توسيع الجنازة هو سلوك طبيعي، تقليدي، يتقنه الشيعة ويدمنون عليه دائما، بغض النظر عما يثير من حساسيات مذهبية معروفة، لا تقيم إعتباراً خاصاً للقبر، ولا تعترف بالمزار، لا سيما إذا كانت وظيفته سياسية، تهدف الى الاعلاء من شأن الطائفة، أو على الأقل الادعاء بأنها ما زالت حاكمة ومهيمنة، ومؤثرة في صناعة القرار الوطني اللبناني.. وهي حساسيات لا تعترف حتى الآن أن الجنازة، بكافة تفاصيلها، هي تسليم تام بان شيعة لبنان، تعرضوا لضربة ساحقة، أجبرتهم على إعادة التطلع الى الوطن، والاندماج في مساراته المعقدة.

‏المؤكد أن التشييع يطوي صفحة من تاريخ الشيعة في لبنان، لكنه لا يفتح صفحة جديدة: صحيح أن إلقاء المسؤولية الكاملة على الدولة اللبنانية عن كل ما جرى منذ خريف العام 2023، وعن كل ما سيجري في المرحلة المقبلة، من تحرير الأرض المحتلة، ومن إعادة إعمار البلدات والقرى المدمرة، يعني نهاية حقبة من التمرد الشيعي على الدولة بدأت منذ العام 1982، لكن المقام والمزار لن يقفلا الحديث عن منطلقات ذلك التمرد، ومساراته المتعرجة، وأكلافه الباهظة.. وآخرها البحث المستمر حتى اللحظة عن الجثث والمفقودين على أرض “الحافة الامامية” من الحدود مع العدو الاسرائيلي.

‏من مصلحة الحزب إن لم يكن من واجبه، أن يبادر الى الرد على أسئلة حرجة سياسية وعسكرية، لن يحجبها المزار، تتجاوز حقيقة انه ما زال هناك مفقودون أحياء وما زالت هناك جثامين ضائعة، على الحافة الامامية التي حُفرت على صورة خط بارليف الشهير، فإذا هي اليوم على مِثال ما بقي منه.. وتراجع مختلف الوقائع الميدانية بما فيها إغتيال نصر الله نفسه، والمفاوضات السياسية التي أدت الى تعليق الحرب، لا الى وقفها، وبشروط لا تخطر في البال. ‏المقام الذي سيدشن الاحد مسؤول أيضاً عن الإجابة على أسئلة سياسية أصعب وابعد مدى، يمكن ان تبلغ مداها الأقصى، في التدقيق بمسار تحول شيعة لبنان الى كبش فداء لإيران التي لم تكن يوماً تحصي عدد ضحاياهم، ولا عدد جنازاتهم، وقبلها لسوريا التي كلفتهم الكثير الكثير قبل ان تصبح زيارتها محرّمة عليهم، لعقود طويلة مقبلة. ‏للمقام مكانته ومهابته، ولا يمكن ان يكون مدفناً لشخص..أو لحقبة لم تنته.

المقال السابق
قطع أثرية في منازل تابعين للأسد

ساطع نور الدين

مقالات ذات صلة

ضغط ترامب على زيلينسكي لا يعود الى "حب السلام" بل الى الطمع بالمعادن الإستراتيجية

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية