"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

أمين معلوف يجول في "متاهة الضائعين" في الشرق والغرب و...يحلم!

نبيه العاكوم
الأحد، 21 يوليو 2024

أمين معلوف يجول في "متاهة الضائعين" في الشرق والغرب و...يحلم!

انطلق بنا الكاتب أمين معلوف في كتابه الجديد “متاهة الضائعين” في رحلة منذ باشرت اليابان، في نهاية القرن التاسع عشر، في تحديث أمتها لمواجهة تحديات التوسع الأميركي في المحيطات، ثم عرج بنا إلى روسيا التي تعرضت لهزيمة مخجلة وقاسية أمام صعود اليابان، فأطلقت بدورها شرارة ثورتها البلشفية في العام ١٩١٧، ووصل الى الصين التي دأب شعبها على تجاوز الانحطاط المذل بفعل إمبريالية اليابان التي أذلّتها باحتلال أراضيها، فناضلت لإعادة مكانتها في العالم، قبل أن يحط رحاله في الولايات المتحدة الأميركية التي قررت أن تكون القوة العظمى الخارقة الأولى على وجه البسيطة، وما نتج عن كل ذلك من التحديات الكبرى للإنسانية بفعل متلازمة الضياع في متاهة النزاعات والحروب والأزمات بين مختلف الأمم. وقد أنهى السكرتير الدائم للأكاديمية الفرنسية، كتابه بحيرة: متشائم من مآل النزاعات والحروب والتغير المناخي والاعتياد المتزايد على التهديد باستخدام القوة النووية، والمتفائل، باسم الحق الإنساني بذلك، إذ دعا إلى عالم تستفيد فيه كل حضارة من الأخرى، كاتبًا “ليس من المخجل بالنسبة إلى الحضارات، ولا حتى إلى أكثرها مجداً وازدهاراً، التعلم من الآخرين. ألم تستلهم آسيا الشرقية الغرب على الدوام لتنجح في تحديث نفسها؟“. وهكذا قدّم أمين معلوف حلمه “ببشرية تبلغ أخيراً سِنّ الرشاد، وتشعر مكوناتها المختلفة برغبة التبادل، أخذاً وعطاءً، وبرغبة التأثير في الآخرين والتأثر بهم، من دون إهانة أحد ومن دون التعرض للإهانة”.

وفي مسألة العلاقة بين الدين والهوية، أعاد ما قدّمه في كتابه السابق “هويّات قاتلة” بأن لا بد بلا شك لبقية البشرية، بدءاً بالغرب والعالم العربي الإسلامي، من الدخول مدرسة آسيا الشرقية، وفض الترابط بين الهوية والدين.

امين معلوف

اليابان

بدأ معلوف في تناول المسألة اليابانيّة منذ أطلق إمبراطورها ميجي الثورة ضد تجاوزات الرجل الأبيض وإثبات بطلان الأحكام المسبقة العنصرية. لقد نجح في ذلك بشكل أذهل الجميع واستحق اعتراف كل من عانى من مضايقات مماثلة عبر السنوات. لكن بدلاً من الاستمرار في النضال نفسه، لم يتأخر هو الآخر في السعي وراء أحلام الاستيلاء وتبني الأحكام المسبقة العنصرية الفوقية، مما أدى به إلى الهاوية. ولحسن الحظ، بفضل فدائه الثاني، عرف كيف ينقذ كرامة انتفاضته الأولى ويعيد لحضارته بريقها على مستوى العالم.

روسيا

وفي كتابته عن روسيا، أظهر معلوف فشلها في تقديم نفسها كوكيل لمهمة القتال ضد مظلمة عملاقة، وأكثر المظالم كونية، إذ إنها لم ترتبط لا بأمة أو لا بعرق بل بعمّال العالم أجمع، وكل الشعوب المضطهدة. ما من قتال آخر، كان في المبدأ، أكثر شرفاً وطموحاً، بحيث بدا حقيقة على قياس البلد الأوسع على وجه الكرة الأرضية. لكنه أبدى أسفه لأنه، وفي غضون سنوات قليلة، تحوّل النعيم إلى جحيم تصلب العقيدة وتحجر النظام، والإفراط الدموي الذي اتصف به رجل واحد وهو ستالين. وبعد غيابه، حاولت روسيا أكثر من مرّة النهوض من جديد، غير أن الأضرار كانت واسعة لدرجة لم تنجح معها يوماً في إصلاحها.

الصين

أما بالنسبة إلى الصين، التي لطالما اعتبرت نفسها “وسط” العالم ونقطته المركزية، والتي ما لبثت أن كابدت بعد ذلك، وطوال قرون مهانات لا تطاق، فخرجت بعد معاناة عظيمة مع الفقر والتخلف. ثم راحت تحلم، على مسامع الجميع، بزمن تصبح فيه، أو تعود إلى أن تصبح فيه، القوة العظمى الأولى على الكرة الأرضية، فتعود البشرية جمعاء إلى التهدج على إيقاع مسالك الحرير وممالكه؛ هذا مع العلم أن الصانع الأساسي لتحديث البلاد، وعنى به دينغ شياو بينغ، قد أوصى بتمالك النفس، والتكتم والتواضع؛ وبعد غيابه، راح مواطنوه يبتعدون شيئاً فشيئاً عن إرشادات الحكمة.

الولايات المتحدة

ومع صعود الولايات المتحدة سلم الريادة الاستثنائية لمسرح العالم وتفوقها في كل المجالات، بدت البشرية على وشك الدخول في عصر المصالحة والانسجام، وكل ما في العالم حمل على الاعتقاد بأنّ هذا التطور سيحصل في رعاية تسيّدها للعالم، فهي التي كانت أفضل من أية دولة أخرى، ترمز إلى هذه الرؤية الجديدة في العالم الموشك على الانبثاق فالبروز. فمن حيث تاريخها، كانت الولايات المتحدة امتداداً لأوروبا، لكنها اضطرت هي الأخرى، إلى القتال ضد الإمبراطوريات الأوروبية لتنال استقلالها، كما أنها نجحت وفي وقت قصير، في بناء أمة حديثة، قوية نشيطة ومزدهرة لاعتمادها التصنيع نهجاً اقتصادياً أساسياً. كان مسار استقلال الولايات المتحدة مصدر إلهام، والأنموذج الصالح للاتباع، وحليفاً محتملاً بالنسبة إلى كل هذه الشعوب التي بدأت تستيقظ من غفوتها. لكن مع نهاية الحرب العالمية الأولى، فشل الرئيس ويلسون في ترجمة شعاراته الملهمة للشعوب الضعيفة والرافضة للعنصرية والتعامل بفوقية والاستعمار، لأن قناعته هو نفسه في مسألة الأعراق لم تكن أفضل من قناعات معاصريه؛ بل كانت أسوء منها بكثير.

خالف معلوف نظرة المفكرين الغربيين الذين اعتقدوا أنّه مع خروج الولايات المتحدة أواخر الثمانينيات منتصرة من الحرب الباردة الطويلة أن بقيادتها إلى إرساء نظام دولي جديد، لن يكون في طول الكرة الأرضية وعرضها إلا أنموذج مجتمعي واحد مقبول من الجميع، وقوة عظمى خارقة واحدة، ذات تفوق وأسبقية غير منازع فيهما، فتصبح إذ ذاك أحداث العالم بلا معنى، ويتوقف الحوليون عن الكتابة، لافتقارهم إلى ما يروونه. غير أن التاريخ، الذي سبق البعض إلى المخاطرة في إعلان موته، لن يتأخر في الوقوف من جديد، والعودة إلى الترنح في اتجاهات غير متوقعة. ويعود السبب في ذلك إلى أن المغامرة البشرية لا تتوقف أبداً بطبيعة الحال؛ وإلى أن القوة المنتصرة أظهرت عجزها عن إدارة تفوقها ورفعة شأنها بطريقة ملائمة بحيث تضمن لهذا ولتلك تعزيزاً واستمراراً.

معلوف انتقد سياسة الولايات المتحدة المعتمدة تجاه السكان المحليين لشعوب الدول الذين وضعوا آمالاهم عليها باعتبار أنها ستلجأ الى مساعدتهم كما فعلت تجاه أوروبا الغربية غداة الحرب العالمية الثانية ضمن خطة مارشال. لكنها أظهرت عدم كفاءتها في الاستراتيجيات المتبعة في عديد من الأحيان، ويعود السبب في ذلك بلا شك، حسب معلوف، إلى أن الأميركيين لم يكونوا يكنّون أي تقدير للسكان المحليين لكي يسعوا حقيقة إلى تحديثهم ولا لكي يأخذوا على محمل الجد طموحهم الواقعي إلى الديمقراطية. وبالتالي، كانت الفرص الضائعة كثيرة.

المقال السابق
في الحرب على لبنان..الطائرات الإسرائيلية "في خطر"!
المادة التالية
"ع السكين يا بطيخ"

نبيه العاكوم

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

دراسة مثيرة.. هذا ما يحدث للدماغ عندما نقع في الحبّ!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية