يواجه سكان قطاع غزة مجموعة من الأمراض المعدية والنفسية، خلال الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر، في ظل استمرار القصف الإسرائيلي، وضعف الخدمات والإمدادات الطبية جراء الحصار.
ويتزامن ذلك مع إعلان وزارة الصحة في غزة، الثلاثاء، عن انهيار المنظومة الصحية، وتوقف عدة مستشفيات عن العمل، في ظل عدم توفر الكهرباء والماء والوقود والأدوية، والكادر الطبي الكافي للتعامل مع الأعداد الكبيرة للجرحى.
ويزداد خطر انتشار الأمراض في ظل وجود أكثر من 1500 جثة تحت الأنقاض، إضافة إلى شرب مياه البحر الملوثة، وتضرر شبكات الصرف الصحي، وفق خبراء.
ويقول مستشار علاج الأمراض المعدية والأوبئة، الدكتور ضرار بلعاوي، إن “ما نشهده في غزة هو كارثة إنسانية صحية”.
تداعيات مختلفة
ويوضح في حديثه لموقع “الحرة” أن ما يفاقم الأزمة هو غياب الأدوية والوقود، خاصة أن “الآلات والمعدات الطبية تعمل بالكهرباء، ومنها أجهزة التنفس الاصطناعي وغسيل الكلى”.
ويضيف أن “هناك تبعات فورية للقصف، وتشمل الوفيات والهرس الجسدي أي تهتك الأعضاء، وبعد 3 أيام تبدأ التداعيات متوسطة الأجل، وتشمل التهابات لدى الجرحى بسبب الجروح غير النظيفة، والتهابات في الأعضاء الداخلية، بسبب عدم القدرة على مداواتهم”.
ويتابع “تزيد أيضا فرصة انتشار الأمراض المعدية، إضافة إلى التبعات النفسية التي قد تصيب الناجين”.
ويؤكد أن فرص حدوث ذلك تكبر بسبب “انهيار المنظومة الصحية، وتهالك منظومة الصرف الصحي، وعدم وجود مياه نظيفة أو غذاء نظيف، وانتشار الأمراض المعدية يقسم إلى 3 أقسام”.
وأعلنت وزارة الصحة بغزة، الثلاثاء، عن 3150 إصابة بأمراض وبائية، وحذرت من “اندلاع موجة وبائية كبرى”.
وعن أنواع الانتشار يقول بلعاوي “النوع الأول هو أن الأمراض المعدية تنتقل عبر الماء والغذاء، وهذا ما قد يسبب الإسهال والكوليرا والسالمونيلا والتهابات الكبد الوبائي”.
وأكد أن “النوع الثاني هو أن الأمراض المعدية يمكن أن تنتقل عن طريق التزاحم، ونتوقع انتقال وانتشار أمراض الجهاز التنفسي والإنفلونزا، خاصة أننا ما زلنا في مرمى الكورونا، وذلك في أماكن الإيواء المكتظة مثل المدارس، إضافة إلى الحصبة والتهاب السحايا”.
وقال إن “النوع الثالث من الأمراض المعدية هو ما ينتقل عبر الحشرات أو النواقل، وأهمها البعوض، وذلك بسبب وجود مياه راكدة، وتضرر شبكة الصرف الصحي، وانتشار القمامة بسبب غياب الجهات المسؤولة عن إزالتها، ونتوقع انتشار الملاريا والحمى النزفية”.
وبالنسبة للجثث الموجودة تحت الأنقاض، أكد بلعاوي أنها لا تسبب انتقال الأمراض المعدية. أمراض نفسية
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لأطفال في غزة يرتجفون من الخوف نتيجة القصف الإسرائيلي وفقدان أقاربهم، وقد يحصل لدى بعضهم تبول لا إرادي، ناهيك عن مشاكل نفسية أخرى قد تواجه حتى البالغين وكبار السن، وفق خبراء.
نادية، هي شابة من غزة مقيمة في تركيا، تقول لموقع “الحرة”، إن والدتها التي تقيم في مناطق شمال القطاع تعاني من وخز شديد في الجانب الأيمن من وجهها، بالإضافة لصداع دائم يمنعها من النوم.
وقالت الشابة التي غادرت غزة منذ حوالى 7 سنوات، والتي طلبت عدم الكشف عن اسمها الكامل، أن “الاضطرابات النفسية ترافقها إلى الآن وفي كل حرب جديدة تندلع وتشعر بها في الخطر على ذويها”، مشيرة إلى أنها ووالدتها “تأخذان أدوية مضادة لنوبات الهلع”.
وعن حالة والدتها، توضح نادية أن “والدتها تعاني أساسا من أمراض عدة وحالتها الصحية لا تتحمل المزيد من الضغوط النفسية التي أعادها القصف الإسرائيلي”.
وشددت على أن “الأعراض الجسدية التي تصاحب الاضطرابات تعيق حياة الإنسان وتمنعه من الهروب حتى”، موضحة: “أخشى أن لا تستطيع أمي الهرب في حال اشتداد القصف بسبب خوفها الشديد”.
وأشارت إلى أنه “لا بد من تسليط الضوء على أنه في حالة الحرب تنعدم الخدمات الطبية الداعمة للصحة النفسية، بالإضافة إلى تعثر التواصل مع مراكز دعم نفسي بالخارج لضعف الإنترنت والاتصال”.
وبالنسبة للأطفال، فقال أطباء نفسيون في غزة، إن العديد منهم يعانون من أزمات واضطرابات نفسية، علما أن هذه الفئة العمرية تشكل نحو نصف سكان القطاع، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، ويعيشون تحت قصف شبه مستمر.
وملأ الكثيرون منهم ملاجئ مؤقتة في المدارس التي تديرها الأمم المتحدة، بعد فرارهم من منازلهم، دون كميات تُذكر من الطعام أو المياه النظيفة، بحسب وكالة رويترز.
وقال الطبيب النفسي في غزة، فضل أبو هين، لوكالة “رويترز”، إن “الأطفال بدأت تظهر عليهم علامات خطيرة من أعراض الصدمة، مثل التشنجات والتبول اللا إرادي والخوف والسلوك العدواني والعصبية وعدم الرغبة في الابتعاد عن والديهم.
وتتفاقم المشكلة بسبب حالة الملاجئ المؤقتة بمدارس الأمم المتحدة، حيث يحتمي أكثر من 380 ألف شخص، على أمل الهروب من القصف.
وينام في بعض الأحيان 100 شخص في الفصل الدراسي الواحد، مما يتطلب تنظيفا مستمرا، في حين لا توجد إمدادات تُذكر من الكهرباء والماء، لذا فإن الحمامات والمراحيض قذرة للغاية.
وقالت تحرير طبش، وهي أم لستة أطفال يحتمون في إحدى هذه المدارس، إن “أطفالها يعانون كثيرا خلال الليل ولا يتوقفون عن البكاء، ويتبولون على أنفسهم دون قصد”، مشيرة إلى أنه “ليس لديها الوقت الكافي لتنظيفهم واحدا تلو الآخر”.
وأضافت، في تصريحات لـ”رويترز”، أن صغارها “لا يشعرون بالأمان في هذه المدارس أيضا”. وتقول الأمم المتحدة إن هذه المدارس تعرضت للقصف عدة مرات، وشهدت طبش عدة ضربات تصيب مباني مجاورة.
كما لفتت طبش إلى أن أطفالها أصبحوا “يقفزون من الخوف عندما يسمعون صوت تحريك كرسي”.
وأوضح أبو هين، أن “عدم وجود أي مكان آمن تسبب في شعور عام بالخوف والرعب بين جميع السكان”، مشيرا إلى أن “الأطفال هم الأكثر تأثرا”. كما أن “رد فعل بعض الأطفال كان مباشرا، وعبروا عن مخاوفهم”.
ولفت الطبيب النفسي إلى أنه “رغم احتياج هؤلاء الأطفال إلى تدخل فوري، فإنهم قد يكونون في حالة أفضل من الأطفال الآخرين الذين احتفظوا بالرعب والصدمة بداخلهم”.
اكتئاب ما بعد الصدمة
ويقول استشاري الطب النفسي، الدكتور جمال فرويز، إن “أكثر الأمراض شيوعا في حالات الحرب هي اكتئاب ما بعد الصدمة”.
ويوضح في حديثه لموقع “الحرة” أن “هذا النوع من الاكتئاب لن يظهر الآن، وإنما خل ال الأشهر الستة المقبلة”.
وفيما يخص التبول اللاإرادي فإنه ناتج عن “الضغط النفسي (ستريس)، وقد يختفي لاحقا، ولكن في حال حدوث أي حدث مشابه يذكر بما حصل قد تعود الحالة مجددا”.
وقال إنه “في حال حدوث انفجار مثلا، في هذه الحالة قد تحدث استعادة للذكريات السيئة (مث القصف)، وهذا قد يؤدي لاضطرابات في النوم والأكل والحالة المزاجية وتنميل ورعشة في الأطراف ولعثمة وتعرق شديد”.
ويضيف أن “الاكتئاب والوسواس القهري مرتبط بالجينات العائلية والتاريخ الأسري، وقد يرتبط ذلك أيضا بذكريات فقدان الأحبة أو البيت أو المال أو ما شابه”.
وأشار إلى أن “الاعتياد على الحروب والأحداث الأليمة قد يقلل من فرص الإصابة بأمراض نفسية، نتيجة تجارب سابقة وخبرات لمن مروا بها وتعودوا عليها”.
ودخلت الحرب بين إسرائيل وغزة يومها التاسع عشر، مع استمرار القصف الإسرائيلي المكثف على القطاع وارتفاع حصيلة الضحايا.
وارتفعت حصيلة القتلى إلى 6546 فلسطينيا، بينهم 2704 أطفال، في الغارات الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر، وفقا لوزارة الصحة في القطاع، وأصيب ما يزيد عن 14 ألفا بجروح، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال.
وبدأت إسرائيل بقصف غزة، وفرضت حصارا شاملا، بعد هجوم حماس على مواقع عسكرية ومناطق سكنية محاذية للقطاع في 7 أكتوبر، الذي تسبب بمقتل 1400 شخص، معظمهم مدنيون، بينهم نساء وأطفال، بالإضافة إلى اختطاف نحو 200 آخرين.