أكد باحثون أن التقدم الكبير الذي تحقق في بحوث الخلايا الجذعية [تسمى أيضاً خلايا المنشأ]، أعطى بصيص أمل لعلاج جديد قد يبطئ مسار تطور مرض ال تصلب اللويحي (أو التصلب المتعدد) Multiple Sclerosis.
وتبين من دراسة سريرية أن حقن خلايا جذعية في أدمغة الأفراد المصابين بهذا المرض، قد يوقف تقدمه. وأكدت الدراسة أن هذا الإجراء “آمن وجيد التحمل، وله تأثير طويل الأمد يبدو أنه يحمي الدماغ من أي ضرر إضافي”.
ويعرف عن مرض التصلب اللويحي أنه يؤثر في الدماغ والحبل الشوكي، مما يؤدي إلى ظهور أعراض على غرار المشكلات في الرؤية والصعوبات في الحركة أو الإحساس أو التوازن. وفي بعض الحالات، قد يتسبب في إعاقات خطرة. ووفقاً لـ”جمعية مرض التصلب اللويحي” الخيرية MS Society، هناك أكثر من 130 ألف شخص يعيشون مع هذا المرض في المملكة المتحدة، مع ظهور نحو 7 آلاف تشخيص جديد كل سنة.
وفي حديث إلى “اندبندنت”، أوردت ليزا هينز التي تبلغ من العمر 55 سنة وقد شخصت إصابتها بهذا المرض، إنها اضطرت إلى متابعة العلاج بالخلايا الجذعية في المكسيك، بعدما أبلغها أطباء هيئة “الخدمات الصحية الوطنية” (أن أتش أس) NHS، إن العلاج لن يجدي نفعاً. وزعمت أن العلاج ترك تأثيراً ملحوظاً، و”فعل أشياء ساحرة” بالنسبة إليها، بحيث أدى إلى تحسن الأعراض لديها خلال الأعوام الخمسة الأولى.
وأضافت، “حتى الآن، تتردد المملكة المتحدة في تبني العلاج بالخلايا الجذعية لمرض التصلب اللويحي. ويمث ل هذا البحث خطوة في الاتجاه الصحيح”، مشيرة إلى أن “أي تحسينات في بحوث الخلايا الجذعية لا يمكن إلا أن تكون إيجابية”.
وفي مرحلة مبكرة من التجربة التي قادها علماء من “جامعة كامبريدج” بالتعاون مع فرق من “جامعة ميلان بيكوكا” University of Milan Bicocca، ومستشفى البحوث “لا كاسا سولييفو ديلا سوفيرينزا” La Casa Sollievo della Sofferenza في إيطاليا، تضمنت العلاج حقن خلايا جذعية في أدمغة 15 مريضاً شخصت إصابتهم بمرض التصلب اللويحي الثانوي. [في سياق الكلمات السابقة، يقصد بالثانوي إنه ناجم عن سبب رئيس آخر على غرار التعرض لحادثة سير أو معاناة تأثيرات جانبية من أدوية أو حدوث جلطة في الدماغ وما إلى ذلك. في شكله العادي، يأتي التصلب اللويحي كمرض أساس في حد ذاته. وما زال السبب المحدد لحدوثه غير معرف تماماً].
يشار إلى أن الخلايا الجذعية المستخدمة في الدراسة جمعت من أنسجة دماغ جنين مجهض. وبعد العلاج، تتبع الباحثون مرضاهم لمدة 12 شهراً، ولم يلاحظوا حدوث أي وفاة لها صلة بالعلاج، أو أي آثار جانبية خطرة. وعلى رغم حدوث القليل منها، شمل بعض الالتهابات الطفيفة والارتعاشات العضلية، فإن الباحثين وصفوها بأنها “إما موقتة أو قابلة للانعكاس”. [القابلية للانعكاس تعني العودة إلى الحالة السابقة].
وقد عانى أحد المرضى من الذهان [الفصام] بسبب تناوله أدوية الـ”ستيرويد” بعد شهر من تلقي العلاج، لكنه تعافى تماماً. [في حالات زرع أنسجة أو أعضاء، تعطي أدوية الستيرويد بهدف تخفيض رد الفعل المناعي في الجسد الذي زرعت فيه تلك الأنسجة أو الأعضاء].
في بداية التجربة، احتاج معظم المرضى إلى كراس متحركة، وأظهروا مستويات عالية من الإعاقة، لكن هذا الوضع لم يتفاقم في السنة التي تلت العلاج.
في ذلك الصدد، ذكرت كيتلين أستبري مديرة الاتصالات البحثية في “جمعية مرض التصلب اللويحي”، إن الدراسة “مثيرة” على رغم أنها ارتأت وجود حاجة إلى إجراء مزيد من التجارب السريرية. ولفتت إلى أن “ما تحقق يعد مشجعاً لأنه يسلط الضوء على طريقة جديدة لعلاج بعض الأشخاص المصابين بمرض التصلب اللويحي”.
وكذلك ذكر الدكتور أرافينثان فاراثاراج، المحاضر السريري في علم الأعصاب في “جامعة ساوثامبتون”، أن الباحثين يطمحون إلى أن تستخدم هذه التقنية في إصلاح الخلايا العصبية للدماغ أو إعادة نموها. ومع ذلك، أشار إلى أنه لا يوجد أي دليل حتى الآن يدعم جدوى تلك النتيجة.
وأضاف الدكتور فاراثاراج أنه قد تكون هناك تفسيرات بديلة لسبب عدم شعور المرضى بتطور المرض لديهم بشكل ملحوظ، لأن الدراسة لم تكن تجربة متحكم بها [ع بر وجود مجموعة أخرى طبيعية أو لا تعطى العلاج نفسه، وذلك للمقارنة مع المجموعة التي أعطيت العلاج الذي تضمنته الدراسة].
وفي ملمح متصل، لاحظ الباحثون أن النتائج التي نشرت في مجلة “الخلية الجذعية” Cell Stem Cell، تشير إلى “استقرار كبير للمرض، بمعنى غياب مؤشرات عن تقدمه، على رغم أن المستويات العالية من الإعاقة في بداية التجربة تجعل من الصعب تأكيد ذلك”.
في السياق نفسه، علق البروفيسور ستيفانو بلوتشينو من “جامعة كامبريدج” وهو أحد المشاركين في الدراسة، على تلك النتائج، “نحن في أمس الحاجة إلى تطوير علاجات جديدة لمرض التصلب اللويحي الثانوي المتدرج. وأنا متحمس للغاية في شأن النتائج التي توصلنا إليها، إذ تعتبر خطوة نحو اعتماد العلاج بالخلايا الجذعية”.
وأضاف “نحن ندرك أن دراستنا لها حدودها التي تشمل صغر نطاقها والتأثيرات المربكة المحتملة للأدوية المثبطة للمناعة مثلاً، لكن حقيقة أن علاجنا آمن واستمرت تأثيراته على مدى 12 شهراً التي غطتها التجربة، يعني أنه يمكننا المضي قدماً والانتقال إلى المرحلة التالية من التجارب السريرية”.
“أعراض لا تحتمل”
تعيش السيدة هينز في كارديف في ويلز مع ابنها، وشخصت إصابتها بمرض التصلب اللويحي الأولي المتدرج في عام 2006. واضطر ت إلى التقاعد من العمل بسبب الأعراض التي جعلت العمل “لا يطاق”.
وفي عام 2017، بعد مرور أكثر من 10 أعوام على تشخيصها الأولي، خضعت في المكسيك لعملية “زرع خلايا جذعية مكونة للدم” Hematopoietic Stem Cell Transplantation، وهو إجراء مماثل لذلك الذي استكشفته في الدراسة. [يطلق تعبير خلايا المنشأ/ الجذعية على تلك التي تظهر في المراحل الأولى المبكرة التي تلي تلقيح البويضة بالحيوان المنوي. وبعد فترة من تكاثرها، تتفرع تلك الخلايا إلى أنواع مختلفة، يتخصص كل واحد منها في صنع أحد الأعضاء أو الأنسجة. وفي التجربة الجديدة، استخدمت الخلايا الجذعية المتخصصة بتكوين الدماغ. وفي حالة السيدة هاينز، استعملت خلايا منشأ متخصصة بإنتاج مكونات الدم المختلفة].
وبحسب ليزا هينز، “أخبرني أطباء “أن أتش أس” أن العلاج بالخلايا الجذعية لا جدوى منه، لكني حصلت على الأمل من أطباء في المكسيك”. وتعرب عن اعتقادها بأن هذا العلاج أوقف تفاقم إعاقتها بعدما “اختفت أعراضها على الفور”.
ووفق كلماتها، “لقد شعرت بإرهاق أقل، مما شكل التحسن الأكبر. وقبل الخضوع لعملية “زرع خلايا جذعية مكونة للدم”، كانت يداي وذراعاي ترتعشان باستمرار. لم يكن في إمكاني الكتابة أو الرسم، لكنني الآن أستطيع ذلك”.
وتابعت، “لاحظت تحسناً في ا لمشي، وعانيت من مشكلات أقل في المثانة”. وكذلك أشارت إلى أن فحوصاتها لم تظهر أي علامات التهاب أو أضرار أو جروح منذ علاجها. ومع ذلك، بعد مرور نحو ستة أعوام على العلاج، تفيد هاينز بأن حركتها قد تدهورت. وتعزو ذلك إلى التأخر في بدء العلاج بالخلايا الجذعية، الذي تعتقد أنه استغرق وقتاً طويلاً بعد تشخيصها الأولي.
وأخيراً، تشير هاينز إلى أنه “يجب اتخاذ إجراء سريع فور التشخيص، وإلا ستتضاءل فعالية العلاج. فالعلاج بالخلايا الجذعية هو أمر مذهل، وقد “صنع معجزات” بالنسبة إلي. حتى الآن، كانت المملكة المتحدة مترددة في تبني العلاج بالخلايا الجذعية لمرض التصلب العصبي المتعدد -ويمثل هذا البحث خطوة إيجابية إلى الأمام. إن أي تقدم في بحوث الخلايا الجذعية لن يؤدي إلا إلى نتائج إيجابية