"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

عماد التفاؤل اللبناني

رئيس التحرير: فارس خشّان
السبت، 11 يناير 2025

خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس جوزف عون، بعيد انتخابه رئيسًا للجمهورية اللبنانية لا يكتسب أهميته ممّا احتواه من تعهدات شخصية، بل من أنّه يعكس فهمًا عميقًا لما يطلبه الداخل والخارج من الدولة اللبنانية، ليكون شريكها في الورشة التأسيس الضخمة التي تنتظرها على كل المستويات، على اعتبار أنّ الانهيار شمل كل المفاهيم كما كل القطاعات.

كل شيء في بلاد الأرز بحاجة امًا إلى اعادة إعمار أو إلى الترميم او الإصلاح أو التطوير، وهذا يشمل السيادة والدستور والقانون والحوكمة والاقتصاد وسلم القيم!

ولا يستطيع لبنان، مهما قيّمت الأطراف السياسية نفسها ايجابًا، النجاح في هذه الورشة من دون تدخل إقليمي ودولي فاعل، لأنّ التحديات ضخمة للغاية، فحالة الحرب المستمرة مع إسرائيل لا يمكن ان يحاكيها لبنان المنهار، وفق معادلة الردع، نظرًا للاختلال الهائل في موازين القوى، فيما الشعارات الجميلة تعجز عن بناء بيت واحد تهدم في حرب “وحدة الساحات”، وأطروحات مكافحة الفساد التي ملأت القواميس اللبنانية لن تتمكن من إعادة ثقة مستثمر واحد، وتعهدات المساءلة والمحاسبة المتراكمة عبر العهود لن تمنع موظفًا واحدًا من فتح جواريره للرشاوى، ولن تحول دون مواصلة أصحاب النفوذ الغرق في نهج الصفقات المربحة.

وبيّنت التجارب الكثيرة أنّ ترك لبنان لنفسه، سيحول دون تمكين أطرافه، ولو كانوا صادقين في نياتهم، من تقديم المصلحة العليا على المصلحة الفئوية، بدليل أنّ الجميع كانوا يعرفون سبب تدهور علاقات بلدهم بالمحيط العربي وبالعالم، ومع ذلك عجزوا عن فرض “الحياد الإيجابي”على “حزب الله” الذي سبق ان مزق إعلان بعبدا وذهب إلى سوريا واليمن والبحرين والكويت وحيث كان “الحرس الثوري الإيراني” يستدعيه، قبل ان يعود ويورط نفسه وشعبه وبلاده في “طوفان الأقصى”، على الرغم من تقديم الجيش الإسرائيلي، كل الأدلة على تفوقه العسكري النوعي.

ولأنّ مصدر مشاكل لبنان الأساسية خارجي، فإنّ التصدي لذلك يستحيل ان يكون إلا من الطبيعة نفسها، أي بتدخل إيجابي خارجي!

وهنا تكمن الأهمية القصوى لبرنامج التعهدات الذي تضمنه خطاب القسم، اذ أدخل، للمرة الأولى، إلى جدول الأعمال مفهوم سيادة الدولة، وفق مقتضيات الدستور، من جهة أولى، ووفق تطلعات القرارات الدولية، من جهة ثانية، ووفق موقع لبنان الاستراتيجي، من جهة ثالثة.

صحيح أنّ المراقبين ركزوا في تحليلهم للشق السيادي من خطاب القسم على إسقاط “ثلاثية الممانعة” لمصلحة “أحادية الدولة”، لكن الصحيح اكثر أن الرئيس عون ذهب إلى حيث لم يذهب “حزب الله” نفسه، عندما أتى للمرة الأولى على ذكر ملف وطني مهم للغاية، وهو استعادة الأسرى اللبنانيين من إسرائيل، سواء كانوا احياءً او جثامين، وسواء سقطوا في المعارك او تمّ خطفهم في عمليات خاصة!

وهذا يعني ان شراكة لبنان مع الخارج، هي شراكة تأخذ في الاعتبار مصالح الدولة اللبنانية السيادية، بحيث يتوازى هم تحرر السيادة الوطنية من هيمنة فريق مرتبط بايران مع هم تحريرها من الطغيان الإسرائيلي.

وما يصح في المسألة السيادية يصح أيضا في علاقات لبنان الداخلية والإقليمية والدولية!

وهذا المنحى الذي يعتمده الرئيس جوزف عون، يعيد بلورة الوظيفة اللبنانية، بشكل واضح، مما يفتح أمامه أبواب التفاعل المنتج مع العصر. هل يستدعي ذلك الإقلاع عن التشاؤم وخوض مغامرة التفاؤل؟

بالتأكيد، فلبنان لا يمكن عزله عن محيطه ورميه في محور لا ينشد بالمحصلة سوى مصلحة دولة واحدة. فالجمهورية الإسلامية في ايران لا تهمها العلاقات مع الدول المعنية بها بل مع الشعوب، وهذا يعني ان توفير مصالحها الاستراتيجية يكون عبر اقتطاع جزء من الشعب، الأمر الذي ينشئ مشاكل تصل إلى حدود تهاوي الدولة. الدول التي دخلت في شراكة مع لبنان، لا تراهن على فئات شعبية بل على الدولة الحاضنة للجميع. لقد ضعف المحور الإيراني إلى مستوى يعين الدولة على ان تستعيد نفسها ودورها ووظيفتها وعلاقاتها الخارجية.

وهذا هو الدافع الأساس لرفع لواء التفاؤل، خصوصا ان المستقبل سوف يشهد مزيدًا من ضعف المحور الإيراني، بحيث يتم فصله رويدا رويدا عن الشعوب حتى يأتي اليوم الذي يضطر هو نفسه ان يفكر بدولته اوّلًا، خصوصا مع تأكيد رئيس جمهوريتها مسعود بزشكيان أنّ دولته هي في حالة “الإفلاس العملي”!

المقال السابق
"قل لي أيّ حكومة أقل لك أي عهد"
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

الرئيس والسيادة!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية