"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

اليمين المتطرف والإسلام "الأوروبي" و.."كف العفريت"

فارس خشّان
الثلاثاء، 28 نوفمبر 2023

اليمين المتطرف والإسلام "الأوروبي" و.."كف العفريت"

إنضمّ جيرْت ويلدرز في هولندا الى المسيرة الظافرة لليمين المتطرّف في كل من سلوفاكيا ( روبرت فيكو) وإيطاليا ( جيورجيا ميلوني) والمجر ( فيكتور أوربان)، وسط تطبيع سياسي ومجتمعي غير مسبوق في تاريخ فرنسا مع حزب “الجبهة الوطنية” برئاسة مارين لوبان.

ولا يقتصر صعود اليمين المتطرف في أوروبا على هذه المجموعة من الدول، إذ بالكاد تنجو دول أخرى من تحكم أحزاب هذا اليمين بها، في ظل صعود كبير في شعبيّتها، وفق ما يتم تسجيله من نتائج، في أيّ نوع من الإنتخابات التي تُجريها.

ثمّة أسباب كثيرة تقف وراء هذه الظاهرة الأوروبيّة، ولكنّ المهاجرين يأخذون مكانًا رحبًا فيها، وليس أدل على ذلك سوى تحوّل أي عراك يقع بين “أوروبيّين قدماء” و”أوروبيّين حديثين” إلى أزمة وطنية وسياسيّة، كما يحصل، منذ عشرة أيّام في فرنسا، على إثر عراك بين مجموعة من الشباب في بلدة “كريبول” الفرنسية أدت الى طعن شاب يدعى توماس حتى الموت، وكما سبق أن حصل، في الفترة نفسها، ولكن بوتيرة تخريبية كبرى، في إيرلندا بسبب شائعة أفادت بضلوع مهاجر من أصول جزائريّة في عمليّات طعن حصلت استهدفت عددًا من المارة في دبلن.

ويبدو واضحًا أنّ اليمين المتطرّف في أوروبا يربط بين المهاجرين والإسلام، بحيث لم يعد هناك أي فرق بين الهجوم المركز على المهاجرين، من جهة ومعاداة الإسلام، من جهة أخرى.

ويبدو واضحًا أنّ دولًا أوروبيّة عدة يتناوب على حكمها اليسار واليمين المعتدلان، لم تعد قادرة على تقديم أجوبة مقنعة لشرائح واسعة من الناخبين، في ظل استعداد المهاجرين أو المواطنين من أصول مهاجرة، على القيام بانتفاضات مكلفة للغاية، في حال تعرضوا لمعاملة قاسية من الشرطة، كما حصل في ضواحي باريس عندما أقدم شرطي على قتل الشاب نائل مرزوق في مدينة نانتير، في السابع والعشرين من حزيران الماضي.

وفي مرحلة حرب غزة المستمرة بين إسرائيل، من جهة و”حركة حماس” من جهة أخرى بدا واضحًا أنّ التمزق الإجتماعي كبير في الدول الأوروبيّة، بحيث اصطفت غالبية من أصول مهاجرة ضد إسرائيل واليهود في آن، في حين رفضت، في المقابل، غالبية “بيضاء” التعرض لليهود، بصفته التعبير الواضح عن “معاداة للساميّة”، واتخذت مواقف إمّا محايدة أو مؤيّدة لإسرائيل، على اعتبار أنّ هجوم “حركة حماس” في السابع من تشرين الأوّل الماضي يستحق “ردًا ساحقًا”.

وقد أدّى ذلك الى نقاشات كثيرة تتمحور حول الإنقسام في النظرة الى القيم، بين مسلمين يقدّمون انتماءهم الديني على المواطنيّة وبين آخرين يربطون علاقتهم مع الدولة بالدستور والقوانين وعلاقتهم مع الله بالكتب المقدسة.

وقد أمعن كثيرون في تقديم توصيفات لهذا الإنقسام للتدليل على أنّ هناك استحالة للتعايش بين مواطنين يختلفون جذريًّا على المرجعيات التي تتحكم بعلاقتهم ببعضهم البعض في إطار المواطنية.

وبدأت المجتمعات الأوروبيّة تتآلف مع تعابير أحدثت صدمة عندما جرى استعمالها للمرة الأول، مثل “توحّش المجتمع”، وبات كثيرون يطلبون من السلطات والأحزاب الحاكمة اتخاذ تدابير عاجلة وواضحة، من أجل القضاء على هذا “التوحش” المستشري والمتفاقم.

ولكن أمام عجز الحكومات الأوروبية عن تقديم أجوبة مقنعة لشرائح واسعة من الناخبين، بدأ اليمين المتطرّف يحتل موقعًا متقدّمًا في الإنتخابات، ليس، بالضرورة، بسبب وجود قناعة راسخة بأنّه قادر على تقديم الحلول الناجعة بل بسبب وجود ميل جارف الى وجوب تجربة طبقة سياسية جديدة تتقاسم، على الأقل، بالشعار، الهواجس نفسها الموجودة في المجتمع.

وقد أدخل اليمين المتطرف تعديلات كثيرة على خطابه، فهو، على سبيل المثال، وعلى الرغم من معارضته الإنضمام الى الإتحاد الاوروبي، بدأ في ضوء تجربة “الطلاق” البريطانية التي يتم وصفها بغير الإيجابيّة، يخفف من عدائه لهذه “الحكومة الإقليمية” مشددًا على إصلاحها لتراعي “السيادة الوطنية”، كما أنّه أبعد نفسه نهائيًّا عن شبهة العداء للسامية، على اعتبار أنّ المسألة اليهوديّة لم تعد، بالمقارنة مع المسألة الإسلامية، ذات جدوى.

وعليه، لا يستبعد كثيرون، في نظرة بالغة التشاؤم، أن تتجه المجتمعات الأوروبيّة، في حال بقي تفاقم التدهور على وتيرته الراهنة، إلى مأزق كبير، من شأنها أن تُعطي مصداقية تنفيذية ل”نبوءات” عدة استشرفت وقوع حروب أهلية.

وحتى تاريخه، لا يوجد في أوروبا التي عاد شبح الحروب إليها من بوابة الهجوم الروسي المستمر منذ الرابع والعشرين من شهر شباط ( فبراير) 2022، من يقدّم مخرجًا لهذه الأزمة المستفحلة في المجتمعات والدول، فأدهى المفكرين فيها يجدون أنفسهم في دوّامة شرح هذه الظاهرة الخطرة للغاية، وبعضهم بدأ يختار الفريق الذي سيكون الى جانبه في “الحروب الأهليّة” التي بدأت إعلاميًّا.

قد لا تنتهي الصورة ، وفق هذه التصوّرات المتشائمة، إذ إنّ المجتمعات الأوروبيّة على اختلافها نجحت في العقود الأخيرة في تحصين نفسها بمجموعة مؤسسات قويّة، وهي قادرة، ومهما أفرزته الإنتخابات، على تفويت الفرصة على القرارات المتطرّفة وبالتالي على حصر الإنقسامات المجتمعية في اضطرابات سرعان ما يتم استيعابها.

نشر في “النّهار العربي”

المقال السابق
من دون تحديد السبب ..رئيسي لن يزور تركيا اليوم

فارس خشّان

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

إسرائيل "واثقة" من مقتل محمد حيدر وتهدد بإرسال نعيم قاسم "الى الجنة"

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية