تعود الروائية التركية أليف شفق إلى واجهة الأخبار الثقافية العالمية، ولكن ليس بمناسبة صدور كتاب جديد لها هذه المرة، بل بسبب دعوى قضائية أقامتها ضدها مواطنتها الكاتبة ماين كيريكانات، تتهمها فيها بسرقة تفاصيل من روايتها “قصر الطيران”، وكتابة رواية بعنوان “قصر الحلوى” التي ترجمت إلى لغات عدة، ومنها العربية (دار الآداب). وللمفارقة فإن المحكمة في تركيا حكمت ضد شفق، وأقرت بوجود سرقة أدبية بنسبة 5 في المئة، وحددت العناصر التي انطبق عليها التشابه، من حيث المكان والزمان والشخصيات.
سمعة أدبية
يقوم فعل السرقة الأدبية على تذويب المعاني ومحاولة إخفاء معالمها مجازاً، ثم إعادة تشكيلها، ثم اختزالها إلى جمل وفقرات عائمة، بغرض تجهيل المصدر، ونسب المنسوخ إلى اسم آخر، وهي لعبة تؤدي إلى تآكلها. الأمر يشبه عملية تعمية تتداخل فيها الحقائق والتمويهات، ولا يمكن الكشف عنها بسهولة.
ولعل أسوأ ما يمكن أن يتعرض له أي كاتب هو التشكيك في سمعته الأدبية، لكن الغريب في هذا الاتهام أنه يأتي بعد مرور كل هذه السنوات، فما الذي أخر الكاتبة كيريكانات، عن اتهام شفق بالسرقة الأدبية عند صدور روايتها مباشرة؟
هذا السؤال، حاولنا الحصول على أجوبة له، من صاحبة الدعوى الكاتبة ماين كيريكانات التي تكتب بالتركية، وقد صدر لها أربع روايات ترجمت إلى ت سع لغات، من بينها الفرنسية. ماين التي تتحدث الفرنسية بطلاقة، عملت سنوات في باريس، ولها روايتان تمت ترجمتهما إلى اللغة العربية، رواية “ديستينا” عن دار العربي، بترجمة أسماء عبدالله فهيم، ورواية “مائدة الذئاب” عن منشورات إيتراك بترجمة محمود عزالدين الدربي.
شهرة وغموض
حققت أليف شفق وجودها الأدبي على مستوى العالم، بعد كتابتها رواية ” قواعد العشق الأربعون” التي طغى عليها الجانب الصوفي، فقد تناولت خلالها علاقة جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي، بالتوازي مع قصة معاصرة لربة بيت أميركية، تبحث عن الحب. حققت هذه الرواية شهرة مدوية لشفق، خصوصاً خلال حياتها بين أميركا وبريطانيا، وظهورها ككاتبة معارضة، من خلال مقالات هاجمت فيها النظام في تركيا.
لا شك أن الحكم القضائي لمصلحة كيريكانات، أثار بلبلة ثقافية مربكة لأليف شفق، التي أعلنت أنها ستستأنف ضد هذا الحكم، الذي وضع رواية ماين كيريكانات “قصر الطيران” تحت مجهر النقاد، ودفعها إلى واجهة الصحافة الثقافية، بغرض الوصول إلى موقف منصف في هذا الأمر، من قبل النقاد والصحافيين، الذين سارعوا للمقارنة بين العملين، ربما بغرض تبرئة شفق أو إدانتها. فهذا النوع من الأحداث الثقافية، التي فيها شبهة فضائحية تجذب القراء، وتدفعهم لشراء الروايات موضع الخلاف.
تقدم كيريكانات نفسها للقارئ العربي في لقاء عبر الإنترنت مع “اندبندنت عربية”، فتقول “درست علم الاجتماع وحصلت على شهادة في تاريخ الأديان. وفي عام 1977 فزت بمسابقة في قصتين نشرتهما في مجلة فكاهية. وكانت المرة الأولى التي أنشر فيها. عملت في الصحافة، وصدر كتابي الأول عام 1989، عن بعض الطوائف الدينية، وأصبح مرجعاً لعديد من الباحثين. أما روايتي الأولى فهي (قصر الطيران)، التي نشرت عام 1990، وهي الرواية المسروقة، موضع الخلاف”.
وتستطرد، متحدثة عن أعمالها الأدبية “حتى الآن، يتكون عملي الأدبي من أربع روايات، وكتب في التاريخ، وقصص قصيرة، وكلها يعاد نشرها بانتظام، وتحقق رواجاً كبيراً في تركيا. ورحلتي في الصحافة والكتابة تشهد على كفاحي المستمر من أجل الأخلاق، التي أصبحت تختفي تدريجاً في الأوساط الأدبية”.
وعن موقفها عندما اكتشفت سرقة روايتها، ونجاحها في إثبات ذلك أمام المحكمة توضح، “شعرت بصدمة واستغراب من جرأة السارقة! على رغم أنني لست شخصية عالمية مشهورة، فإن كتبي تحقق مبيعات جيدة، تجعل من كتابتي معروفة لدى القراء. كنت أعلم أن أليف شفق متهمة بالسرقة في عديد من رواياتها، مع وجود أدلة من كتاب معروفين وغير معروفين، لكنهم يكتفون باتهامها بسرقة أعمالهم في العلن، ولا يجرؤون على الذهاب إلى المحكمة، مخافة الانتقادات العلنية من دار النشر (دوغان كيتاب)، التي تنشر روايات شفق”. وتضيف “لكن سعيي إلى الدفاع عن حقوقي كان معروفاً في تركيا لدى الجميع. لذا بعد مرحلة الصدمة، فهمت مصدر جرأتها: أليف شفق كانت دائماً تعرف كيف تستفيد من الأوضاع السياسية والدينية السائدة. في 2002، عام نشر الرواية المنسوبة إليها (قصر الحلوى)، انضمت إلى حركة فتح الله غولن السياسية والدينية، التي اخترقت الدولة وسيطرت على النظام القضائي بالكامل. كتبت أليف شفق مقالات في وسائل الإعلام التابعة لهذه الحركة، وشاركت في الأنشطة التي نظمتها مؤسسات، مثل (توسكون) و(جمعية الكتاب والصحافيين) التابعة لهذه الحركة. كان مسؤولو هذه المؤسسات وكتابها يمدحون أليف شفق ورواياتها، وتضع شفق هذا الثناء في نهاية رواياتها، وما إلى ذلك”.
وتكمل حديثها عن شفق قائلة، “في عام 2005، تزوجت بأيوب جان ساغليك، الذي كان يلقب بـ(أمير فتح الله غولن)، وأطلق عليها الجمهور لقب (كالت فتح الله). وكان لهذا الدعم السياسي والقانوني، الذي حصلت عليه أليف شفق، أنه منحها الجرأة على استنساخ روايتي. كانت تعلم أن كل محاولاتي لمكافحة السرقة ستكون بلا جدوى. في عام 2015، قامت هذه المجموعة بمحاولة انقلاب في تركيا، لكنها فشلت في ذلك وطردت من البلاد كمنظمة إرهابية مسلحة. هرب زوج أليف شفق إلى لندن، مباشرة بعد محاولة الانقلاب، واتبعته هي إلى هناك”.
وتكشف ماين لنا عن مضمون فعل السرقة الأدبية، والشبهة بين روايتها ورواية شفق، فتقول “رواية (قصر الطيران) ليست روايتي الكبرى، لكنها الأجمل. تحوي 142 صفحة فقط. كتبتها في فترة صعبة جداً من حياتي، وصقلت كل جملة كما لو كانت جوهرة. أخذت أليف شفق نصي، الذي يضم 142 صفحة، وزادت إليه وأطالته إلى 379 صفحة، وسرقت كل فكرة من روايتي، وأخذت كل ما قمت به من إبداع في هذا النص، ثم وزعت سمات شخصياتي بين شخصياتها. ببساطة حاولت أن تلقي برميل السمك في الماء، أي أن تخفي السرقة في عدد أكبر من الصفحات والكلمات. وبغرض إثبات السرقة، قمت بقراءة متوازية للروايتين، ثم قام محاميَّ بالشيء نفسه. وقدمنا الأدلة إلى المحكمة، ولاحظ المجلس الاستشاري أدلة أخرى ”.
وعند سؤالها عن الأسباب التي دفعتها للانتظار كل هذه السنوات، قبل أن تقاضي الكاتبة التي اتهمت بسرقة فكرتها، أجابت، “بسبب اعتراضي الجوهري على طريقتها في السرقة والظهور والاستعراض، لم أقرأ أياً من رواياتها، أي أنني لم أعرف بالسرقة بعد صدور روايتها، ثم في عام 2002، أخبرني المخرج التركي ضياء أوزتان من أن أليف شفق قامت بسرقة روايتي. وكتب لي بعض القراء رسائل بريد إلكتروني عن ذلك. في تلك الفترة كنت مراسلة لـصحيفة (ميلييت) في باريس، وأعمل في قسم التحرير في صحيفة (راديكال). كان وقتاً عصيباً من حياتي، فقد تعرضت لعديد من القضايا، 34 قضية، وتهديد بالسجن لمدة 17 عاماً بسبب مقال واحد لي”. وتتابع، “قلت في نفسي إنها لن تستطيع أن تقوم بسرقة كبيرة بناءً على شهرتي حينها، وفي الوقت نفسه كنت مشغولة جداً بالقضايا آنذاك، لذلك نسيت موضوع سرقة شفق روايتي، لكن في عام 2021، عندما أخبرني اثنان من كبار الأطباء التركيين، وهما أيضاً من القراء الجيدين، عن السرقة، بدأت في التحرك، بخاصة أنه تمت إعادة طبع روايتين لي في عام 2020، وكان هذا هو الوقت المناسب لمطالبة العدالة بحسم الأمر. وكنت محظوظة لأنني واجهت محكمة نزيهة”. وتبدي رأيها الشخصي في أعمال أليف شفق، ومدى تأثير هذه الحادثة في تصورها عن رواياتها ككل، قائلة، “لقد قرأت رواية واحدة فقط من رواياتها، وهي التي سرقتها مني حتى الآن، لكن بعض القراء كتبوا لي أنها مع كل رواية جديدة لها يتغير أسلوبها، بمعنى آخر، ليس لديها أسلوب شخصي. إذا كانت تسرق بالقدر الذي تتهم به، فإنها ليست مبدعة، بل سارقة أفكار”.