"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

الوسواس القهري: شيطان يستعبد الإنسان.. فيدمّره

كريستين نمر
الاثنين، 6 مارس 2023

إهانة المدير في العمل، ضرب المعلّمة، خنق شخص ما، القفز في الفراغ، تقبيل شخص غريب … أفكار متناقضة، تهيّؤات وهلوسات تنبت في رأس المرء، تفقده السيطرة على نفسه وتجعله يظنّ بأنه ارتكب أفعالًا مشينة ضد نفسه وضد الآخرين، ثمّ، لا يلبث بعد فترة أن يأخذها على محمل الجدّ، فيغرق بسببها في خوف وعزلة لا قعر لهما.

إنه “رهاب الاندفاع” أو اضطراب الوسواس القهري trouble obsessionnel compulsif (TOC)، واحد من أكثر الحالات تأثيرًا على نفسية الإنسان وخطورة على الآخرين، إذ تُغرق حاملها بحالة من الضياع، فيخال أنه يرتكب الموبقات بسبب ما يُطلق عليه علماء النفس “الثرثارات العقلية”، فيصعب عليه التمييز بين الواقع و.. الخيال.

وتقول عالمة النفس ألكسندرا أوزوريو: “إنّ رهاب الاندفاع غالبًا ما يكون له علاقة بجميع الأمور الحساسة والخاضعة للرقابة من قبل المجتمع، كالجنس والصحة والدين والأخلاق، وتضيف: “إنه أكثر انتشارًا مما نتخيّل، لا يفرّق بين كبير وصغير أو بين ذكر أو أنثى، إلا أنه يطال بشكل خاص بعض الأمهات الشابات، اللواتي تجتاحهنّ أفكار غريبة خلال فترة ما بعد الولادة، فتجعلهن يعِشن حالة من الهلع منهن شخصيًا.. على أطفالهن.

Alexandra-Osorio

     ألكستدرا أوزوريو

وتروي مورغان روزا في كتابها vivons heureux même sous la pluie : “كنت مراهقة، عندما بدأت بعض الأفكار الغريبة تراودني، لقد لامست حدّ الهوس، بدأت أتخيّل أنني أطعن والدي وأخي، ثمّ بدأت أصدّق ما يتراءى لي، وفي ما بعد بدأت أقتنع بضرورة الإقدام على قتلهما ، طبعًا لم أتجرأ على إخبار أحد خوفًا من أن يساء فهمي، أو أن اتهم بالهلوسة أو الجنون، وبدأت أتساءل هل أنا مريضة نفسيًا ؟ هل أنا الشخص الوحيد الذي يعاني ما أعانيه؟ ثمّ توالت السيناريوهات العنيفة.. لأغرق بعدها في عزلة كبيرة”!

وتضيف روزا: “عندما ظهرت هذه الأفكار، استجاب جسدي على الفور (تعرق بارد، خفقان في القلب…)، مما رفع منسوب الخوف إلى ذروته… فأصبحت على يقين أنّ الانتقال إلى الفعل بات وشيكًا”.

إلا أنّ ما هو مثير للقلق في “رهاب الاندفاع” أو اضطراب الوسواس القهري trouble obsessionnel compulsif (TOC)، هو أن المريض ليطرد الأفكار يقوم باستبدالها بأخرى من دون أن يدرك أنه بذلك قد يسقط في دوامة مفرغة من الاجترار العقلي، فيأتي السيناريو الجديد ليكون بمثابة مخرج لسابقه وليس حلًا.

وتروي أوزوريو نقلًا عن إحدى المريضات قائلة: “عندما تخّيلت التقاط السكين ومهاجمة ابني، شعرت بالرعب، فجأة اجتاحتني موجة عارمة من العواطف والأحاسيس، وبدأت أقتنع بأنّ ما نسمعه من روايات عن إقدام أمّ على قتل ابنها وابنتها، ليس من وحي خيال كاتب أو مخرج.. فلم أستطع ان أتحمّل حتى تخيّل فكرة هذا السيناريو… فهربت”.

وتضيف أوزوريو: “طبعًا كل هذا كان مجرّد أفكار، وقد كانت المريضة على علم بذلك، لكن نحن كمعالجين، دورنا يقوم إضافة إلى علاج المريض، على مساعدته على تطوير طقوس وأساليب واستراتيجيات مطمئنة ليتمكّن من مواجهة المواقف المثيرة للقلق”.

وتنصح أوزوريو ، في حال الشعور بالهواجس العدوانية، ب”اللجوء فورًا إلى شخص قريب وإخباره بما يحصل”.

b75156f9253ddda4507f4d45d4df101b-plui-2016

وهذا ما حصل بالفعل مع روزا التي روت قائلة: “كان مساعدي (كما أحب أن أسميه) زوجي.. اقتربت من النافذة معه… ابننا بين ذراعيّ… لبضع ثوان… ثم لبضع دقائق… فقد حاول أن يفهمني أنّ ثقته بيَ كبيرة، وبأنني أم مثاليّة وبالتالي لن أفقد السيطرة وألقي بطفلي من النافذة”!

وتضيف روزا: “قد يكون المشهد مرعبًا في البداية… لكن خوفي ومستوى قلقي بدآ يخفّان تدريجياً، وهذا ما ساعدني على التحكّم بأفكاري السلبيّة”.

التأمل للتخلّص من رهاب الاندفاع

يقول علماء النفس إنّ أحلام اليقظة التي تساهم في تدفّق الأفكار، قد تساعد في كثير من الأحيان على إيجاد الحلول خاصة إذا رُبطت بالأحاسيس، إضافة إلى أنها حافز لنزع فتيل الخوف والسيطرة على الذات، فإطلاق العنان لأفكار وعواطف من خلال التأملّ لبضع دقائق يوميًا ثم تركها تختفي من تلقاء نفسها قد تجنّب المرء التورّط في أشياء خطرة لا تعكس نيته الحقيقية.

وتشبّه ألكسندرا أوزوريو التأمّل بلعبة “الجمباز” الذي يتطلّب اتقانها مثابرة ومهارة عالية، وتقول: “من خلال التأمل نعاود الاتصال باللحظة الحالية، ومتى أدركنا خلوها من الخطر يمكننا المضي قدمًا باتخاذ الإجراءات اللازمة”!

إلا أنها تضيف: يجب أنْ لا ننسى أنّ رهاب الاندفاع هو مشكلة نفسية، وكلما أسرعنا في اكتشافه وتحديده، كانت نسبة التخلّص منه أكبر.. فحتى لو كان هناك مناهج نفسية مختلفة لعلاجه كالاستراتيجيات السلوكية المعرفية، والعلاج المعرفي السلوكي (CBT)، يبقى علماء النفس والأطباء النفسيين أفضل الحلفاء، ففي حالة القلق شديد جدًا، غالبًا ما يكون وصف الدواء ضروريًا، طبعًا على أن يترافق مع العلاج الموجّه”.

وتختم قائلة: “متى شككت بشيء ما.. إياك والمماطلة”.

المقال السابق
محمد صلاح يحطم الرقم القياسي لأسطورة ليفربول
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

لقاح جديد للأنفلونزا يمكن للفرد أخذه بنفسه

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية