تفرض فترة الحمل على بعض النساء سلوكات متغيرة من ضمنها اشتهاء أكلات غريبة في ما يسمّى بـ “الوحام”، إذ تلهف أ نفسهن إلى ما لم يكن يتناولنه من قبل على والعكس صحيح.
ومن الوحام أيضاً، وفق ما يسرده عدد من النساء خصوصاً في بداية فترة حملهن، ألا تطيق الزوجة رائحة زوجها فلا تقربه ولا يقربها، وبالعودة للطعام فلا تتردد كثير من النساء الحوامل في أكل الفحم أو الطين أو الثلج أو التهام الورق أو رقاقات الطلاء، أو حتى سف الرماد ومواد أخرى غريبة لا يأكلها الإنسان في العادة، بشهية مفتوحة خلال مرحلة الوحام، ولا سيما في شهور الحمل الأولى.
وفي وقت تؤكد كثيرات أنهن يقمن بهذه التصرفات الغريبة من دون رغبة منهن وأنهن مرغمات لا بطلات، يحاول فهم هذه الظاهرة بترجيح تفسيرات علمية، بينما هناك من يرى في مثل هذه السلوكات مبالغات ترمي منها بعض النساء إلى تجريب أزواجهن أو التدلل أمامهم أو حتى بسط سيطرتهن عليهم.
فحم وثلج وطباشير
بعد أن كانت مونية، وهي في بداية عقدها الثالث، تصحو على إفطار مكون من المربى والزبدة وفنجان من القهوة المحلاة، صارت منذ أشهر قليلة في حملها الأول تطلب الفحم في كل صباح واستبدلت به المربى والزبدة بسبب الوحام، وفق روايتها.
وتقول مونية إنها تطلب من زوجها شراء الفحم أو “الفاخْر” باللهجة المغربية، وبأنها تجد لذة غريبة في قضمه حتى إنها لا تشعر بنفسها إلا وقد تحول لسانها وفمها ويداها إلى اللون الأسود.
وتحكي الزوجة الشابة أنها وجدت في البداية صعوبة بالغة في إقناع زوجها بطبقها المفضل، لكنها تمكنت من ذلك مع الوقت مؤكدة له أن ذلك الشعور بالرغبة في التهام “الفاخر” أقوى منها، وبأنها إذا لم تتناوله ستتحول إلى إنسان عصبي لا يطاق.
أما سعيدة فيأتيها الوحام مختلفاً في كل مرة، فخلال مرحلة الحمل بطفلها الأول كانت تشتهي أكل الثلج، وفي المرة الثانية فضلت تناول طباشير بيضاء اللون، وفي حملها الثالث كانت تزدرد الطين الأصفر.
وتقول سعيدة إنها لم تكن تتحكم في ما تشتهيه وفي ما لا تشتهيه، بل كان يسيطر عليها الشعور بضرورة التهام قطع الثلج أو تناول الطين المبلل، فلا تشعر بالراحة إلا بعد تحقيق رغبتها تلك.
طلبات فوق الطاقة
وفيما تشتهي نساء حوامل الطين والتراب والرماد والورق والجبس أيضاً، ولا يجدن في ذلك أدنى غضاضة أو مشكلة، فإن أخريات يشتهين أكلات كن يمتنعن من تناولها قبل الوحام أو يكرهن أكلات كانت من قبل بمثابة أطباقهن المفضلة.
أما عن طلب أصناف الفواكه في غير موسمها فهو من أشهر سلوكات بعض “المتوحّمات”، فهي تطالب زوجها مثلاً بالتين الشوكي في الشتاء بينما هذه الفاكهة لا تنمو سوى في الصيف.
والمشكلة الأكبر، تقول وسيلة الأم لأربعة أطفال، أن هناك نساء متوحّمات يهددن بحك جلدهن إذا لم ينلن ما يطلبنه من طعام أو شراب، وإن قمن بذلك يرتسم ذلك الشيء المرغوب على جسد المولود عند ولادته.
وأردفت المتحدثة بأن هذا الاعتقاد الشائع ليس خرافياً تماماً، لأنها شاهدت بأم عينها كيف أن جارتها كانت تطلب البطيخ الأحمر في غير وقته، وكثيراً ما كانت تحك جلدها من دون شعور منها فارتسمت بطيخة كبيرة على فخذ مولودتها.
تغيّرات نفسية وفيزيولوجية
ويعلق المعالج النفسي محمد قجدار على الموضوع بقوله إن هناك من النساء من يجدن في فترة الوحام هذه مناسبة للتدلل على الزوج، بخاصة إذا كانت صغيرة السن في أول زواجها، فتكلفه ما لا يتحمله مادياً أو ترهقه بطلباتها.
وهناك من المتوحمات، وفق المعالج، من تنغمس خلال مرحلة الوحام في حال من الكآبة والعصبية المفرطة التي تحول البيت إلى جحيم، مردفاً أن “هناك بالفعل تغيرات نفسية وفيزيولوجية تطرأ على المرأة الحامل، لكن ليس إلى درجة تلك التصرفات والمطالب التي تحاول بعض الحوامل فرضها داخل بيت الزوجية”.
وذهب قجدار إلى أن هناك رغبة في لاوعي المرأة، خصوصاً تلك التي تكون قد عانت في كنف أسرتها أو حتى في زواجها، في الانتقام أو رد الفعل، فيأتي الحمل بتلك المتغيرات ف تتصرف من دون وعي منها بطريقة تحاول من خلالها إفراغ شحناتها العاطفية.
وخلص المعالج النفسي إلى أنه “يجب إمساك العصا من وسطها في هذا الموضوع، إذ لا يمكن إنكار بعض الرغبات التي تبدو غريبة أو شاذة خلال فترة حمل المرأة، لكن أيضاً لا يجب أن يتم استغلال هذه التغيرات وهذه المرحلة لإظهار دلال مفرط أو عصبية شديدة أو نفور من الزوج، لأن ذلك قد يفضي إلى مشكلات أسرية تصل إلى الطلاق، وهو ما يستوجب من الزوج تحمل هذه الفترة بصدر رحب”.
أسباب الوحام
وللطب كلمة في موضوع الوحام والطلبات الغريبة، ويقول في هذا الصدد الطبيب والباحث في السياسات الصحية الطيب حمضي إنه “يجب التفريق بين الوحام العادي مثل اشتهاء أكلات مرفوضة سابقاً، وبين الوحام المرفوق برغبات غريبة”.
وشدد حمضي على أنه لا يوجد سبب علمي جازم يحسم جدل الوحام، لكن هناك ترجيحات خبراء تفيد بأن هناك أسباباً للإفراط في أكل شيء أو لفقدان الرغبة في تناول أكلة ما بخلاف المعتاد، السبب الأول يتعلق بالتغيرات الهرمونية التي تترك تأثيرات على جسد الحامل، ومن ذلك التأثير على حاستي الذوق والشم”.
أما العامل الثاني، وفق حمضي، فيتمثل في “نقص بعض المعادن والفيتامينات في جسم المرأة الحامل، فيصدر عنه رد فعل تلقائي يجعله يبحث عن مواد ترمم هذا النقص بتناول أكلات معينة، وعن السبب الثالث فإنه يتجسد في مسائل نفسية تعتري المرأة التي تحمل حياة داخل حياتها وجسداً داخل جسدها، وتواجه مشكلات عدة تجعلها تختار اللجوء العاطفي من خلال تناول أكلات ومواد معينة دون أخرى”.
متلازمة “بيكا”
أما الوحام المصحوب برغبات غريبة فقد أورد حمضي بأن “الأمر يتعلق أكثر بما يسمى متلازمة ’بيكا‘ أو ما يسمى شهوة الغرائب، وهي وفق التعريف المتداول اضطراب في الأكل، إذ يأكل المصاب به أشياء غريبة ليست طعاماً، من قبيل التراب أو الورق أو الصلصال.”
ولفت الباحث الصحي إلى أن هذه المتلازمة تكون عادة عند الأشخاص الذين يعانون اضطراب التوحد أو “الشيزوفرانيا” أو مشكلات النمو العقلي، وأيضا النساء الحوامل اللواتي يقبلن على تناول أشياء غريبة لا يأكلها الإنسان في العادة.
واسترسل حمضي قائلاً إن “المرأة الحامل عادة عندما ينتهي حملها تتوقف عن أكل هذه الأشياء الغريبة، بعكس الحالات الأخرى التي ذكرناها مسبقاً، فالذين يعانون دائماً من هذه المتلازمة يحتاجون إلى علاج طويل”.
وحول تأثيرات أكل هذه الأطعمة الغريبة أورد حمضي أنها قد تسبب للمرأة المتوحمة أمراضاً وتعفنات في الجهاز الهضمي وتسممات أيضاً، كما قد تؤدي إلى نقص في الحديد والأملاح المعدنية في الجسم وبالتالي نقص في التغذية، ليخلص إلى أن “المرأة الحامل تقف على مفترق الطرق، فهي تحت رحمة الوحام والتغيرات الهرمونية واللجوء العاطفي والنفسي، وبين معاناتها من متلازمة ’بيكا‘ التي تختفي بعد إنجاب المولود”.
(إندبندنت)