تتكرّر على مسامعنا عبارة “التوتر يضر بصحتنا”.. وهذا صحيح، إذ يسبب التوتر مجموعة كبيرة من الأمراض خصوصًا عندما يُصبح مزمنًا ومستمرًا.
لكن، اتّضح أنّ بعض أنواع التوتر قد يُتيح فرصًا للنمو، إذ قالت الدكتورة شارون بيرغكويست، وهي أستاذة مساعدة بكلية الطب في جامعة إيموري بأتلانتا، ومؤسسة ومديرة مركز إيموري لطب نمط الحياة والعافية، ومؤلفة كتاب “مفارقة التوتر: لماذا تحتاج إلى التوتر لتعيش حياة أطول وأكثر صحة وسعادة”، إنّ الكمّ المناسب منه قد يكون في الواقع ضروريًا لرفاهيتنا.
وأوضحت بيرغكويست في مقابلة مع “سي إن إن”، في إطار بودكاست “Chasing Life” أن “الإفراط في التوتر يضرّ بنا، لكن عدم كفاية هذا التوتر يُسبّب لنا الضرر ذاته”.
غرست تجارب بيرغكويست في طفولتها بذور اهتمامها بالتوتر، حيث عاشت الثورة الإيرانية، واضطرت عائلتها للفرار إلى انجلترا، واستقرت بنهاية المطاف في الولايات المتحدة.
لكن الحياة في الغرب لم تكن خالية من التوتر أيضًا، حيث أوضحت: “في الصف الثامن، لم أكن أستطيع كتابة فقرة واحدة باللغة الإنجليزية من دون عناء كبير. كان الأمر يستغرق مني الليل كله”.
مع ذلك، نجحت في الازدهار، وتخرجت كمتفوقة في مدرستها الثانوية، والتحقت بجامعة ييل كطالبة جامعية، ثم بكلية الطب بجامعة هارفارد.
وقالت بيرغكويست لغوبتا: “في النهاية، أثار الأمر لديّ هذا الهوس: لماذا ينمو ويزدهر بعض الناس وسط هذه التجارب، فيما لا ينسحب هذا الأمر على آخرين”؟ وأضافت أنها أصبحت مهتمة حقًا بسؤال ما إذا كان كل ذلك التوتر ضارًا.
واتضح لها من خلال أبحاثها أنّ الأمر يعتمد على نوع وكمية التوتر الذي يتعرّض له الشخص، لافتة إلى أنها تعمل مع العديد من المهنيين الذين يتمتعون بحماس كبير، مشيرةً إلى أنهم يعيشون أيضَا حياةً تُعتبر “مليئة بالتوتر”. وهي تعتبر نفسها من بين هؤلاء.
وأطلقت على هذا النوع من التوتر اسم “الإجهاد المفيد، الذي أعتقد أن له تأثيرًا مختلفًا تمامًا على أجسامنا بشكل مغاير للتوتر الضار الذي أصبح مرادفًا لما يصفه الناس بـ’الإجهاد‘. أعتقد أنني أستطيع الآن القول بثقة تامة إن هذا النوع من الإجهاد (الجيد) يُطلق مستويات كيميائية حيوية تُعزز الصحة: فنحن نُطلق، على سبيل المثال، الدوبامين، والسيروتونين، والأوكسيتوسين”.
ماذا يمكن فعله لإدخال ضغوط إيجابية إلى حياتك؟ لدى بيرغكويست خمس نصائح:
ابحث عن منطقة غولديلوكس
تحدي نفسك للخروج من منطقة راحتك من دون الشعور بالإرهاق”، موضحة أنّ “الضغوط الإيجابية دواء. وإسوة بأي دواء، تُحدد جرعة الاستجابة. ويحدث النمو الناتج عن التوتر عندما يكون التوتر في منطقة غولديلوكس، أي في حدودها المثالية، لا أكثر ولا أقل”.
بعبارة أخرى، ادفع نفسك للنزول إلى الماء والسباحة، لكن لا تدع نفسك تغرق.
ركّز على نزاهة الذات
تساءلت بيرغكويست: “هل تتحدى نفسك بطرق تتوافق مع معتقداتك؟ أم تتعارض معها”؟، وأوضحت أنّ “قلبك وعقلك يدركان الفرق. المثابرة في المواقف التي تشعر فيها بالجمود أو الانفصال عن قيمك قد تُصبح شكلاً ضارًا من التوتر”.
وتابعت: “التوتر الجيّد لا يقتصر على إعادة صياغة التوتر في حياتنا بشكل إيجابي، بل يشمل اتخاذ إجراءات مدروسة لمواجهة تحديات ملموسة، وهادفة كترياق للتوتر المزمن الذي لا يمكننا السيطرة عليه أو تجنّبه”.
وأعطت مثالًا يفيد بأنّ ذلك قد يشمل قبول أو صنع فرصة عمل تتوافق مع قيمك، أو تعلّم مهارة تجدها مُجزية.
كن استراتيجيًا بشأن التعافي
أشارت بيرغكويست إلى أنه “بهدف التخلص من التوتر، عليك تخصيص الوقت للراحة والتعافي”، مضيفة أنه “تحت الضغط، يتحوّل جسمك إلى وضع يحافظ فيه على طاقته، ويتولى مهامه الداخلية”.
وأو ضحت أنه عند التعافي، يتشكّل دماغك وجسدك مجددًا، ويُنشئان روابط جديدة تُهيئك بشكل أفضل لمواجهة تحديات المستقبل”.
ولفتت بيرغكويست إلى أنّ “التعافي لا يقل أهمية عن التوتر الجيّد لتحقيق الفوائد، وحتى التوتر الجيد قد يتراكم ليصبح ضارًا من دون أي تعافي”.
استوعب العلاقة بين عقلك وجسدك
رأت برغكويست أن “إجهاد نفسك جسديًا يمكن أن يساعد على بناء مرونتك العقلية، والعكس صحيح. إنها عملية رائعة تُسمى التكيف المتبادل”.
وأوضحت: “عندما تتعرض لإجهاد جسدي أو نفسي جيد، فإنك تُصلح خلاياك وتُجددها، ما يجعل كل جزء من جسمك أكثر صحة وقوة”، لافتة إلى أمثلة تتعلّق بـ”تناول أطعمة نباتية تحتوي على مواد كيميائية نباتية تُعزز مقاومة الإجهاد، وممارسة الرياضة بقوة، وتعريض نفسك للحرارة والبرد لفترات قصيرة، والصيام بشكل متقطع من خلال تقييد وقت تناول الطعام”.
ثق بأنك خُلقت لتتحمل بعض الضغوط
لا يُعتبر التعرض للضغوط عيبًا، بل سمة، حيث اعتبرت برغكويست أن “تاريخنا البشري حافل بالتغلب على الضغوط، واكتساب القوة بفضلها”.
وأضافت: “من خلال دورات متكررة من الضغوط والتعافي، نستعين بقدراتنا الفطرية. إنها هبة ورثناها في جيناتنا، حيث المرونة عضلة يمكننا جميعًا تقويتها، بصرف النظر عن مكان وجودنا، أو الظروف التي نواجهها. لا بأس أن تكون لدينا مخاوف، ولا بأس أن نرغب بتجنب التحديات. ثق وافعل ما تشاء. فالنتيجة قد تُغير حياتك”.