لم يتجاهل وليد جنبلاط، يوما ملف اغتيال والده كمال، ولكنّ طريقة التعاطي معه كانت تختلف باختلاف المراحل السياسية.
قبل بدء المعركة السياسية لإخراج الجيش السوري من لبنان، كان جنبلاط يتجاهل القاتل المعلوم من الجميع: حافظ الأسد وأركان نظامه الأمني- الإستخباراتي.
بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقد كان وليد رأس حربة في “ثورة 14 آذار”، وجه اتهامات مباشرة الى النظام السوري بالإغتيال، وأعرب، عن “راحة ضميره” لإعلانه هذا وسعيه الى تدفيع النظام السوري الثمن، بالمساهمة في إخراجه نهائيا من المعادلة اللبنانية.
وفي العام 2010، وقد بدأت الأوضاع الدولية والإقليمية والمحلية تنقلب لمصلحة النظام السوري، أعلن جنبلاط، في سياق مساعيه لمصالحة بشار الأسد، أنه قرر طي صفحة اغتيال والده الى الأبد. يومها، أراد أن يسبق الرئيس سعد الحريري الى سوريا، بعدما تدخل الإقليم في تطبيع العلاقة بين “القاتل والضحية”.
في 16 آذار 2025، وبعد 48 سنة على الجريمة، وبعد هروب الأسد من سوريا وانهيار نظامه واعتقال أحد أبرز منفذي الجريمة ( ابراهيم حويجي) قرر وليد جنبلاط أن يُعيد الزمن الى الوراء ويُحيي ذكرى اغتيال والده، كما لو كان التشييع الحقيقي الأوّل له.
راهنا، وصلت جثث القتلة الى الضفة التي أطال وليد جنبلاط الإنتظار عليها.
لا يهم ما ينطق به لسان جنبلاط، في هذه المناسبة، لأنّ الرسالة تكتمل بدعوة دروز لبنان وجميع حلفائهم الى رفع الصوت عاليا ضد قتلة “المعلم” وتحديدهم بالإسم والتعهد بالعمل على سحق أسمائهم ورميها في خانة “الملعونين”.
التشييع “المتأخر” لكمال جنبلاط فيه الكثر من المعاني، فهي لن تساهم في تكريس النهاية المعنوية لحكم آل الأسد فحسب، بل ستؤكد أيضا أنّ القاتل، وإن ربح جولة، إلّا أنه بالنتيجة خاسر!
في هذا الزمن، تصلح دماء كمال جنبلاط لترسيخ العلاقة بين قوة رائدة في لبنان بالقوة التي سيطرت على النظام بعد الإطاحة ببشار الأسد.
وليد جنبلاط يريدها لترسيخ عروبة الطائفة الدرزية، ودورها الرائد في الوقوف الى جانب القضية الفلسطينية، في ظل مساعي إسرائيل لفصل هذا المكون عن مداه العربي، إنطلاقا من مقولة “الحماية”.
ومهما كان عليه الحال، فالإبن يستعيد والده، بعدما أعانه القدر على أن يعيش طويلا ليرى القتلة في قفص اللعنة!