"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

الطريق الى 7 تشرين ( الجزء الثالث)..تناغم "التطرفَين" وتضييع فرصة الحل الدائم

ابراهيم ناصر
الأحد، 6 أكتوبر 2024

الطريق الى 7 تشرين ( الجزء الثالث)..تناغم "التطرفَين" وتضييع فرصة الحل الدائم

مع مرور سنة على زلزال ٧ تشرين نضع بين ايدي قرّائنا هذه الدراسة الشاملة للباحث إبراهيم ناصر.دراسة تتناول الظروف التي أنتجت، وفق ما يورده من معطيات، هذا الانفجار الكبير.

الطريق الى ٧ تشرين.. من وعود أوسلو الى يأس الطوفان ( الجزء الأوّل)

الطريق الى 7 تشرين ( الجزء الثاني)..أعداء أوسلو ينظمون صفوفهم ويوجهون الضربات الأولى

مثّل اغتيال اسحق رابين ضربة قاسية لمسار أوسلو لكن ذلك لم يمنع شريكه شيمون بيريز من استلام القيادة والإصرار على متابعة العملية السلمية وتطبيق مقررات طابا. ومتسلحا باستطلاعات للرأي العام تظهر تفوقا واضحا لجبهة السلام بزعامته بمواجهة اليمين بقيادة نتنياهو، دعا بيريز في ١١ شباط ١٩٩٦ الى انتخابات عامة مبكرة تجري أواخر أيار سعيا وراء تفويض شعبي. لم يخطر ببال بيريز أنّ حركة حماس ستلعب دور الناخب الأساسي في هذه المنافسة، في تلاقي مصالح جديد بينها وبين اليمين الإسرائيلي.

على إيقاع عمليات انتحارية قادتها “حماس” فاز نتنياهو وبفارق ضئيل على منافسه بيريز بمنصب رئيس الوزراء وخرج “معسكر” السلام من موقع القرار في إسرائيل

يحيى عياش

كانت إسرائيل قد تمكنت، في بداية تلك السنة، وبعد مطاردته لأشهر عدّة، من اغتيال “المهندس” يحيى عياش الذي كان متهمًا بالوقوف وراء سلسلة طويلة من العمليات المؤلمة داخل إسرائيل. بعد الإعلان عن اجراء الانتخابات المبكرة في إسرائيل وبهدف التأثير في نتائجها قرّرت قيادة حماس تعليق هدنة كانت ملتزمة بها منذ سبعة أشهر بحجة الانتقام لاغتيال عيّاش. في ٢٥ شباط نفّذت حماس عمليتين انتحاريتين في عسقلان والقدس اسفرتا عن وقوع ٢٨ قتيلا وعشرات الجرحى. في مقابلة لبيريز لاحقا تحدّث فيها عن هذه الفترة قال: “هذه العمليات الانتحارية كلفتنا خسارة عشرين في المئة في الاستطلاعات. تفجير مماثل آخر وينقضي الامر”. وهذا ما حدث. في الثالث من آذار نفدّت حماس عملية انتحارية في القدس واعقبتها الجهاد بعملية ثانية في اليوم التالي في تل ابيب. حصيلة العمليتين ٣٩ قتيلا وعشرات الجرحى. في التاسع والعشرين من أيار فاز نتنياهو وبفارق ضئيل على منافسه بيريز بمنصب رئيس الوزراء. وللمفارقة أتى فوز نتنياهو في الوقت الذي حل فيه موعد المباشرة بمفاوضات الحل النهائي، موعد لم يكن له مكان في قاموس رئيس الوزراء الجديد. مع استلام اليمين الإسرائيلي دفة الحكم دخلت العملية السلمية في متاهات المماطلة والمراوحة أفقدها الكثير من زحمها وأبقاها في مربع المرحلة الانتقالية القاتلة.

بقي نتنياهو على رأس حكومة إسرائيلية مدة ثلاث سنوات حتى حزيران ١٩٩٩. فترة أمضاها، بما يتعلّق بالملف الفلسطيني، وهو يبتدع الأساليب التي تخوّله التهرب من موجبات التقدّم على مسار أوسلو وبشكل خاص من الشروع في مفاوضات الحل النهائي

عرفات ونتنياهو في وايت ريفر

بقي نتنياهو على رأس حكومة إسرائيلية مدة ثلاث سنوات حتى حزيران ١٩٩٩. فترة أمضاها، بما يتعلّق بالملف الفلسطيني، وهو يبتدع الأساليب التي تخوّله التهرب من موجبات التقدّم على مسار أوسلو وبشكل خاص من الشروع في مفاوضات الحل النهائي. ارضاء لإدارة كلينتون وتحت إلحاحها وفي حين انه لم يكن قادرا على العودة عن التزامات أسلافه، ذهب الى المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. كان في ذهن نتنياهو الاستفادة القصوى من المرحلة الانتقالية وربط أي تنازل مهما تواضع حجمه، لهذه السلطة، بإثقال الأخيرة بالتزامات امنية تحولها تدريجيا الى مقاول لمصلحة أمن إسرائيل، وباشتراط أي تنازل جديد بنجاح السلطة في التزاماتها الأمنية شبه المستحيلة. في مثل هذا الجو وبدل الدخول في مفاوضات الحل النهائي تمثّل اقصى ما كان نتنياهو مستعدا للذهاب اليه عبارة عن اتفاقية مرحلية محدودة الأهداف ومثقلة بالشروط شبه التعجيزية عرفت باتفاقية واي ريفر وقعها الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني في ٢٣ تشرين اول ١٩٩٨.

رحّل مضمون تلك الاتفاقية موعد الشروع في المفاوضات النهائية الى ربيع ١٩٩٩ أي بتأخير ثلاث سنوات عن الموعد الأصلي ونصّ على نقل نسبة قليلة من أراضي الضفة ضمن “الفئة ث” الى “الفئة ب” ونسبة اقل بكثير الى “الفئة أ”، فيما عجّت بنود الاتفاقية بالتزامات امنية للسلطة الفلسطينية تجاه إسرائيل وربطت أي تقدّم لاحق بنجاح السلطة بمنع الهجمات المسلّحة على الإسرائيليين والمنطلقة من الأراضي التي تسيطر عليها السلطة. وبالرغم من تواضع الأهداف وكثرة القيود، سرعان ما تراجع نتنياهو عن معظم الالتزامات الإسرائيلية الواردة في الاتفاقية عندما حان وقت تطبيقها. في وصف لمزاج اليمين الإسرائيلي في ذلك الوقت يقول يوسي بيلين نائب وزير خارجية إسرائيل في عهد رابين وأحد كبار مهندسي اتفاق أوسلو:” لسان حال اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو كان يقول: ان هذا الاتفاق هو بمثابة الخبز المبارك. فلنفعل كل ما بوسعنا للإبقاء عليه. المجتمع الدولي يوفر كامل تمويل حياة الفلسطينيين ونحن من جهتنا نستفيد من احتلال مجّاني. ما الداعي لأي تغيير؟ ويختم بيلين: “ومطلوب في الوقت نفسه ان نتوقع من الشعب الفلسطيني الذي يئس من إمكانية إحلال السلام ان يتصرّف كما لو انه حصل على كامل حقوقه”.

باراك وعرفات

عندما يئِس من إمكانية ابرام اتفاق سلام مع الرئيس السوري حافظ الأسد، أجرى ايهودا باراك انسحابا أحاديا لقوات بلاده من جنوب لبنان مقرّرا تركيز جهوده على مفاوضات الحل الدائم مع الفلسطينيين

إثر سقوط حكومة نتنياهو وصل زعيم حزب العمل الجديد ايهود باراك الى منصب رئاسة الوزراء في الانتخابات العامة التي أجريت في حزيران ١٩٩٩ وهي كانت الثانية والأخيرة التي ينص قانونها على الاقتراع المباشر لاختيار رئيس الحكومة. غير ان الائتلاف الحكومي الذي شكله رئيس الوزراء الجديد جاء هشّا. لكن ذلك لم ينفي ما دلّت اليه نتائج الاقتراع من استمرار الدعم الشعبي للمسار السلمي وضرورة إعطاء الحل مع الفلسطينيين فرصة جديدة. في بداية عهده تأرجح ايهودا باراك في المفاضلة بين السلام مع سوريا ومواجهة تعقيدات الحل الدائم مع الفلسطينيين. في هذا الوقت نفّذ ما تمنّع عنه نتنياهو من التزامات واي ريفر وعندما يئِس من إمكانية ابرام اتفاق سلام مع الرئيس السوري حافظ الأسد، أجرى ايهودا باراك انسحابا أحاديا لقوات بلاده من جنوب لبنان مقرّرا تركيز جهوده على مفاوضات الحل الدائم مع الفلسطينيين.

تضمن العرض الإسرائيلي في كامب دايفيد استعادة الفلسطينيين لما يقارب ٩٢ بالمئة من مساحة الضفة (مع تعويض بضم مساحة مماثلة من صحراء النقب الى الضفة) بالإضافة الى السيادة الفلسطينية، ولكن المشروطة، على الاحياء العربية في القدس الشرقية والاكتفاء بالوصاية الفلسطينية على بيت المقدس وعودة لعدد محدود من اللاجئين الى إسرائيل لأسباب إنسانية ما اعتبره ياسر عرفات عرضا غير كافيا

في البداية انطلقت المفاوضات بين الجانبين بشكل سرّي في عاصمة النروج، أوسلو. اتسمت تلك المفاوضات بالإيجابية وان بقي التقدّم على وتيرة بطيئة. كانت ولاية الرئيس كلينتون الثانية تقترب من نهايتها فيما الرئيس شديد الرغبة في قطف فرصة انهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي برعايته قبل خروجه من البيت الأبيض. ولهذه الغاية وفي نوع من السباق مع الزمن قرّر ان يرفع التفاوض الى مستوى قادة الصف الأول علّه بذلك يسرّع في تجاوز العقبات الكثيرة ومواجهة العديد من العقد التي كانت ما تزال عصية عن الحل. بعد لقاءات واتصالات تمهيدية، وضع الرئيس الأميركي هيبته على المحك ودعا في تموز ٢٠٠٠ الزعيمين الإسرائيلي والفلسطيني ايهودا باراك وياسر عرفات مع فريقهما الى منتجع كامب دافيد لعقد جولات مفتوحة من المفاوضات برعايته لا تنتهي الّا باتفاق على الحل الدائم. على مدى أسبوعين من المفاوضات الصعبة، وصلت في أحيان كثيرة الى حدود الانهيار واستخدمت فيها كافة وسائل الضغط والتهويل وبنوع خاص على الجانب الفلسطيني، وضعت على الطاولة كل المسائل الشائكة والحسّاسة: التعديلات على الخط الأخضر (حدود ١٩٦٧) للضفة الغربية والترتيبات الأمنية على نهر الأردن ومسألة اللاجئين الفلسطينيين والاهم من كل ذلك موضوع القدس الشرقية والسيادة على الحرم القدسي.

كامب دايفيد

يومها التقط الفلسطينيون والإسرائيليون ومعهم شعوب المنطقة انفاسهم بانتظار ما ستسفر عنه تلك المحادثات التاريخية. لم تخل المفاوضات من طروحات جريئة وغير مسبوقة غير انها انتهت الى الفشل والى إضاعة فرصة نادرة وثمينة للحل الدائم. تضمن العرض الإسرائيلي في كامب دايفيد استعادة الفلسطينيين لما يقارب ٩٢ بالمئة من مساحة الضفة (مع تعويض بضم مساحة مماثلة من صحراء النقب الى الضفة) بالإضافة الى السيادة الفلسطينية، ولكن المشروطة، على الاحياء العربية في القدس الشرقية والاكتفاء بالوصاية الفلسطينية على بيت المقدس وعودة لعدد محدود من اللاجئين الى إسرائيل لأسباب إنسانية ما اعتبره ياسر عرفات عرضا غير كافيا. استكمالا لجولات كامب دافيد ولنتائجها وخلال مفاوضات طابا التي جرت في كانون ثاني ٢٠٠١ أدخل ايهودا باراك تحسينات على كافة النقاط المذكورة، ولكن ذلك جاء متأخرا. وعلى حد وصف نبيل شعت عضو الوفد الفلسطيني المفاوض: ” في كامب دايفيد جاء العرض غير كاف، في طابا جاء متأخرا”. أشهر قليلة فصلت بين كامب دافيد وطابا كانت كافية لقلب المزاج العام لدى الفلسطينيين كما الإسرائيليين.

(يتبع بجزء رابع: شارون يقمع الانتفاضة الثانية ويزيح عرفات)

المقال السابق
عملية إسرائيلية برية جديدة في جباليا في غزة

ابراهيم ناصر

باحث سياسي واجتماعي

مقالات ذات صلة

وعود حزب الله بإعادة الاعمار.. وهم جديد!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية