"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

الطريق الى 7 تشرين ( الجزء الأخير) .. طموحات وانقلابات ونتنياهو وحماس

ابراهيم ناصر
الاثنين، 7 أكتوبر 2024

الطريق الى 7 تشرين ( الجزء الأخير) .. طموحات وانقلابات ونتنياهو وحماس

مع مرور سنة على زلزال ٧ تشرين نضع بين ايدي قرّائنا هذه الدراسة الشاملة للباحث إبراهيم ناصر.دراسة تتناول الظروف التي أنتجت، وفق ما يورده من معطيات، هذا الانفجار الكبير.

الطريق الى ٧ تشرين.. من وعود أوسلو الى يأس الطوفان ( الجزء الأوّل)

الطريق الى 7 تشرين ( الجزء الثاني)..أعداء أوسلو ينظمون صفوفهم ويوجهون الضربات الأولى

الطريق الى 7 تشرين ( الجزء الثالث)..تناغم “التطرفَين” وتضييع فرصة الحل الدائم

الطريق الى 7 تشرين (الجزء الرابع)…شارون يقمع الانتفاضة الثانية ويزيح عرفات

محمد دحلان وأولمرت

وصلت حكومة حماس سريعا الى الحائط المسدود، فحلّت مكانها حكومة وحدة وطنية بدت أكثر مقبولية عربيا ودوليا، وتمّ تكليف محمد دحلان الذي كان الرئيس الأميركي في حينها جورج بوش يصفه ب”رجلنا” تأسيس قوة عسكرية خاصة بالسلطة الفلسطينية ومنفصلة تمام الإنفصال عن “حماس”. لهذه الغاية تمّ تأمين موارد مالية قدّرت بعشرات ملايين الدولارات مصدرها بعض الدول الخليجية لتجهيز آلاف من عناصر الشرطة الفلسطينية في غزة. وأشرف على تدريب هؤلاء ضباط اميركيون وتم تجهيزهم بعتاد وعربات حديثة وافقت إسرائيل على إدخالها الى غزة. لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر. تنبهت حماس لما كان يحاك ضدها وقامت بين ١٢ و١٤ حزيران ٢٠٠٧ بتنفيذ عملية امنية استباقية مستغلّة غياب دحلان عن غزّة لدواع صحية وأحكمت سيطرتها بالقوة على قطاع غزّة بعد قتلها العديد من قادة فتح وطرد من تبقى الى الضفة.

هذا هو الحل الذي عرضه أولمرت على عبّاس واقترح أن يحملاه معًا الى الأمم المتحدة واعلانه امام زعماء دول العالم لإعطائه غطاء دوليا شاملا

اولمرت وعباس

على الرغم مما أضافته احداث غزة من تعقيدات على الساحة الفلسطينية قرّر رئيس الحكومة الإسرائيلية أولمرت تكثيف مفاوضات الحل النهائي مع محمود عباس بتشجيع من الرئيس بوش الذي استضاف انطلاق المحادثات في قمة جمعته في أنابوليس مع الزعيمين الإسرائيلي والفلسطيني أواخر تشرين ثاني ٢٠٠٧. عهدت إدارة المفاوضات عن الجانب الفلسطيني للقياديين احمد قريع وصائب عريقات وعن الجانب الإسرائيلي لوزيرة الخارجية تسيبي ليفني فيما احتفظ أولمرت وعباس لنفسيهما بالبت بالمسائل الشائكة والحساسة مثل وضع القدس الشرقية وحدود الدولة الفلسطينية واللاجئين بحيث توالت اللقاءات بينهما في هذا الخصوص. خلال زيارة لها الى إسرائيل في أيار ٢٠٠٨ دعا أولمرت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس لعشاء منفرد في مقر اقامته الرسمي في القدس عرض عليها تصوره لتفاصيل الحل النهائي والذي يمكن اختصاره بالنقاط التالية: تقوم على الضفة الغربية وقطاع غزة دولة فلسطينية منزوعة السلاح. يحصل الفلسطينيون على ٩٤ بالمئة من مساحة الضفة فيما تضم إسرائيل التجمعات الاستيطانية الكبيرة المحاذية للخط الأخضر اليها ويتم تعويضها بمساحات موازية من أراضي إسرائيل محاذية لقطاع غزة وفي شمال وجنوب الضفة. يحصل الفلسطينيون على الاحياء العربية التي ضمت الى بلدية القدس بعد عام ١٩٦٧ ليقيموا فيها عاصمتهم وتضم إسرائيل اليها الاحياء اليهودية في القدس الشرقية. يوضع ما يعرف بالحوض المقدس والذي يشمل الحرم القدسي وحائط المبكى وكنيسة القيامة لإدارة جماعية مشكلة من السعودية والأردن وفلسطين والولايات المتحدة وإسرائيل على ان يصار الى استصدار قرار من مجلس الامن الدولي يحدد تفاصيل نظام مثل هذه الإدارة. يتم تأمين الاتصال بين قطاع غزة والضفة الغربية عبر نفق او طريق سريع علوي. تضمن عرض أولمرت أيضا انشاء صندوق دولي لتمويل تعويض اللاجئين الفلسطينيين الذين لن يعود منهم الى إسرائيل سوى عدد رمزي لا يتجاوز بضعة آلاف على مدى خمسة سنوات ولأسباب إنسانية. تكون من مهمات الصندوق أيضا تعويض اليهود الذين نزحوا الى إسرائيل من الدول العربية.

مقاتلون من حماس الجواب لم يأتِ أبدًا!

سارعت رايس التي اعتبرت عرض أولمرت غير مسبوق ويشكل فرصة ذهبية للحل الى رام الله لنقل المقترح الى الجانب الفلسطيني. بحسب مل جاء في مذكراتها فقد جاءت ردة فعل محمود عباس باردة حيث ركّز الرئيس الفلسطيني في معرض تعليقه على بنود الحل المقترح على مسألة اللاجئين بالتحديد. أولمرت كان يعلم مسبقا بإمكانية تجاوز تحفظات عباس وخاصة في موضوع اللاجئين باعتبار انه قد تفاهم معه سابقا على هذا الموضوع. في منتصف أيلول دعا أولمرت عباس وفريقه المفاوض الى مقر اقامته الرسمي لكي يقدم له شخصيا مقترح الحل الدائم وهو نفس المقترح الذي عرضه على وزيرة الخارجية الأميركية بالإضافة الى خريطة مفصلة تبين حدود الدولة الفلسطينية العتيدة وخاصة بما يتعلق بموضوع تبادل الأراضي ومواقعها ومساحاتها. طلب أولمرت من عباس الموافقة على المقترح والذهاب به معا الى نيويورك خلال أيام وعرضه على الجمعية العامة للأمم المتحدة واعلانه امام زعماء دول العالم لإعطائه غطاء دوليا شاملا. مع علم عباس بأن ما عرضه أولمرت لم يسبق ان حصل الفلسطينيون على مثيله منذ انطلاق أوسلو الا ان الرئيس الفلسطيني طلب مهلة أيام قليلة لتقديم جوابه. غير ان الجواب لم يأت ابدا.

بعد تحوّل أولمرت الى جثة سياسية أعادت الانتخابات النيابية في إسرائيل عدو فكرة الدولة الفلسطينية بنيامين نتنياهو الى السلطة وليستمر فيها أطول مدة في تاريخ الدولة العبرية

في تلك الفترة كان أولمرت قد تحول الى ما يشبه الجثة السياسية. فبعد ان أضعفته حرب لبنان في تموز ٢٠٠٦ وما تلتها من نتائج لجان التحقيق، انفجرت في وجهه قضايا فساد ادّت نتائج التحقيق فيها الى صدور قرار اتهامي بحقّه أرغمه على تقديم استقالته من رئاسة الحكومة أواخر تموز ٢٠٠٨. في الوقت الذي تسلم فيه عباس عرض أولمرت للحل الدائم كانت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني غريمة رئيس الوزراء السياسية قد حلّت مكانه في زعامة حزب كاديما تمهيدا لتشكيل حكومة جديدة برئاستها. بطبيعة الحال كان عباس يتطلع لإهداء موافقته لرئيسة الوزراء الجديدة وذلك في غضون فترة أيام فقط حسبما كانت تدل عليه كافة المؤشرات. وبالفعل فقد كلف الرئيس الإسرائيلي في ذلك الوقت شيمون بيريز زعيمة كاديما بتشكيل الحكومة الجديدة الا انها لم تنجح في هذه المهمة فذهبت إسرائيل الى انتخابات مبكرّة جرت في أوائل شباط ٢٠٠٩ وأقفلت نهائيا آخر نافذة كانت قد فتحت لفترة وجيزة لفرصة حل دائم على أساس أوسلو. ذلك ان نتائج الانتخابات قد ادّت الى دخول إسرائيل في عصر العدو اللدود لفكرة قيام الدولة الفلسطينية بنيامين نتنياهو الذي سيتربّع على رأس السلطة لفترة هي الأطول بشكل متواصل في تاريخ الدولة العبرية.

توقيع اتفاقيات ابراهيم

__عصر نتنياهو

__ وصل نتنياهو الى السلطة في ظل أرضية جاهزة تسمح له بالمضي قدما في تنفيذ سياسته القائمة على عقيدة راسخة تقضي بمنع قيام أي نوع من الدولة الفلسطينية على أراضي ١٩٦٧ المحتلة. فمسار أوسلو لفظ أنفاسه الأخيرة بنظره وأصبح من الماضي فيما الفلسطينيون غارقون في انقسام عامودي. حركة حماس تسيطر بشكل كامل على قطاع غزّة وتركّز جهودها فيه على تعزيز قدراتها العسكرية فيما تعمل على تأكيد حضورها في الضفة الغربية وترفع بشكل عام أيديولوجيا الحرب الدائمة على إسرائيل حتى تحقيق هدف تدميرها. السلطة في الضفة غارقة من ناحيتها في ترهلها وفسادها وعجزها عن تقديم أي افق سياسي للشعب الفلسطيني. اما على المستوى العربي فقد تفككت المنظومة التي مثّلت لعقود السند الديبلوماسي والسياسي والمالي للقضية الفلسطينية. وغرقت دول عربية عدة في حروبها الاهلية واضطراباتها الداخلية فيما شهدت دول الخليج الغنية والمستقرة تبديلا في أولوياتها باتجاه تحصين نفسها من التهديد الإيراني والتركيز على نموها الاقتصادي وذلك في ظل مناخ عام من التململ من تعقيدات المسألة الفلسطينية واستعصائها وتراكم خيباتها.

استثمر نتنياهو في الانقسام الفلسطيني وعمل على تعميقه وتأبيده

استثمر نتنياهو في الانقسام الفلسطيني وعمل على تعميقه وتأبيده محاولا عرقلة كل محاولات توحيد طرفيه. هذا الانقسام كان حجته الدائمة لمقاومة أي محاولة ولو خجولة للبحت في معاودة التفاوض مع الفلسطينيين. ” لا اعلم مع أي قيادة أتحدث. فليتفقوا في ما بينهم أولا”، كان يردّد على الدوام. وعندما كانت السلطة تقترب للاتفاق مع حماس كان يسارع الى التهديد بأنّ أي حكومة وحدة تتمثل فيها حركة حماس هي حكومة إرهابية لا يمكن التعامل معها. تجاه السلطة اتبع سياسة تبقيها على قيد الحياة لتتحمّل عبء إدارة شؤون الفلسطينيين المحلية في مدن وقرى الضفة، وحرص في الوقت نفسه على اضعافها والانتقاص من شرعيتها السياسية داخليا وخارجيا. اما لناحية حماس فبين سياسة الترغيب والترهيب لم ييأس نتنياهو يوما من إمكانية تدجين الحركة. خاض معها معارك عسكرية شرسة واغتالت اجهزته العديد من قادتها وكوادرها من دون الوصول معها الى كسر العظم. في الوقت نفسه حاول اغراءها بتسهيل وصول مئات ملايين الدولارات الى خزائنها وبتخفيف القيود الاقتصادية على قطاع غزة. أوحى لها برفع المزيد من القيود إذا ما انصرفت لحكم القطاع وتطوير اقتصاده وتجنبت تهديد امن إسرائيل. حتى فجر السابع من تشرين ٢٠٢٣ كان نتنياهو ما زال مقتنعا بأن سياسته تجاه حماس سوف تؤدي الى تدجينها واكتفائها بحكم قطاع غزة.

حتى فجر السابع من تشرين ٢٠٢٣ كان نتنياهو ما زال مقتنعا بأنّ سياسته تجاه حماس سوف تؤدي الى تدجينها واكتفائها بحكم قطاع غزة

اطمئن نتنياهو لنجاحه في إنزال المسألة الفلسطينية عن سلّم الاهتمام الدولي وبنوع خاص الأميركي وأبعد عن اجندته كل احتمال لأي نوع من الحلول السياسية التي يمكن ان تؤدي الى قيام دولة فلسطينية. حينئذ انتقلت أولويات رئيس الحكومة الاسرائيلية، بغية تثبيت هذا الواقع، الى اتباع سياسة اسماها “من الخارج الى الداخل” تعطى فيها الأولوية لتطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية والدول الإسلامية مع عدم الالتفات الى الموضوع الفلسطيني قبل تحقيق هذا الهدف أي بعد ان يكون قد تم سحب احدى اهم الاوراق التفاوضية من يد الفلسطينيين. باكورة هذه السياسية أتت في آب ٢٠٢٠غداة توقيع الاتفاقيات الابراهيمية في واشنطن برعاية الرئيس دونالد ترامب بين دولة الامارات ومملكة البحرين من جهة وإسرائيل من جهة ثانية وفي نهاية السنة أعلن عن تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية تلا ذلك اتفاق مشابه مع السودان.

كان وقع الإعلان عن الاتفاقيات الابراهيمية على الفلسطينيين ومن كل اطيافهم السياسية شديد القساوة دلّت عليه بشكل خاص ردة فعل السلطة التي عادة ما تعبّر بدبلوماسية عن امتعاضها السياسي وخاصة عندما يتعلّق الامر بعلاقاتها بالدول العربية المساندة لها تاريخيا

نصرالله ووفد حماس

هذه الاتفاقيات على أهميتها اعتبرت تمهيدا لتتويجها جميعها بانضمام المملكة العربية السعودية لاحقا الى هذه العملية وفتح الباب تاليا لغالبية الدول العربية والإسلامية المتبقية للاعتراف بإسرائيل. كان وقع الإعلان عن الاتفاقيات الابراهيمية على الفلسطينيين ومن كل اطيافهم السياسية شديد القساوة دلّت عليه بشكل خاص ردة فعل السلطة التي عادة ما تعبّر بدبلوماسية عن امتعاضها السياسي وخاصة عندما يتعلّق الامر بعلاقاتها بالدول العربية المساندة لها تاريخيا. لقد شعر الفلسطينيون بإحباط شديد وبان الخناق يشتد عليهم. لم يشأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بين سلمان اهداء اتفاق سلام مع إسرائيل للرئيس الأميركي ترامب المنتهية ولايته مفضلا انتظار هوية الرئيس المقبل. مع وصول الرئيس بايدن الى البيت الأبيض بقي ملف التطبيع السعودي الإسرائيلي طويلا في غرفة الانتظار الى ان عادت الحرارة الى العلاقات السعودية الأميركية بعدما مرّت في بداية عهد الرئيس الجديد بفترة من التوتر وعدم الثقة. تابع الفلسطينيون محادثات التطبيع السعودي الإسرائيلي بقلق شديد وتوجّسوا من إمكانية الوصول الى اتفاق لا حيلة لهم في منعه او الوقوف في وجهه مع علمهم المسبق بانه سيكون بمثابة الحكم بالإعدام على قضيتهم.

تابع الفلسطينيون محادثات التطبيع السعودي الإسرائيلي بقلق شديد وتوجّسوا من إمكانية الوصول الى اتفاق لا حيلة لهم في منعه او الوقوف في وجهه مع علمهم المسبق بانه سيكون بمثابة الحكم بالإعدام على قضيتهم

خلال عهوده المتتالية نجح نتنياهو في ايهام الراي العام الإسرائيلي بأن سياسته المتشددة تجاه الفلسطينيين والمنفتحة على الدول العربية قد حققت له الاطمئنان الوجودي وجلبت له الامن اليومي وهيأت له بيئة مثالية للازدهار الاقتصادي والرخاء المادي. لسان حاله كان يقول “أوسلو كانت خطأ تاريخيا وما نتج عنها كان كارثيا ولو كتب لها النجاح لكانت أدت الى نهاية إسرائيل. كان يجب وقف هذا المسار بأي ثمن ومنع قيام دولة فلسطينية على حدودنا وقد نجحت بتحقيق ذلك وها هي النتائج تتحدث عن نفسها”.

عندما تأكدت حركة حماس من ان تطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية بات وشيكا، تكفلّت الحركة، وبنفس شمشوني من جهة وبدعم إيراني كان قد جرى التحضير له، من جهة أخرى، بحمل كل اثقال اليأس الفلسطيني من إمكانية الحصول على حقوقه الوطنية وفجرتها فجر السابع من تشرين ٢٠٢٣ في وجه كل ما سوّقه نتنياهو لشعبه من إنجازات: امن المجتمع الإسرائيلي والاطمئنان الوجودي لدولة إسرائيل، وأعادت الصراع الى نقطة البداية ومعها …النكبة!

المقال السابق
المحلل السياسي كظاهرة كوميدية!

ابراهيم ناصر

باحث سياسي واجتماعي

مقالات ذات صلة

سكان الشريط الحدودي الشمالي في إسرائيل يرفضون أي حل يعيد اللبنانيين الى الشريط الحدودي: لا بد من منطقة عازلة داخل لبنان

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية