كثيرة هي الصّفات المشتركة بين الأمهات، مثل الخوف والقلق والشعور ا لمستمر بالذنب تجاه أطفالهن… فهن كأمهات ومربيّات، يحاولن بذل كل ما في وسعهن لضمان سعادة أبنائهن وأمانهم ومستقبلهم، إلا أنّ مع الأم “الهليكوبتر” والأم “النمرة” (مصطلحان ظهرا في تسعينات القرن الماضي)، تتضاعف تلك المشاعر لتصل إلى حدّ الذروة.
من هنّ هؤلاء الأمهات؟ وما هي صفاتهنّ؟
الأم “الهليكوبتر”
الأم “الهليكوبتر”، هي تلك التي تتدخل بشدّة في حياة أبنائها وتحاول حمايتهم من كل شيء، بطريقة “تطفيشيّة”،(إلى حدّ جعلهم يهربون منها)، فهي لا تدع شيئًا للصدفة، تدخّلها في حياتهم لا ينتهي مع انتهاء مرحلة طفولتهم، لا بل يبقى ويستمر حتى مع دخولهم إلى الجامعة ومجال العمل، فهي لا تتوانى عن التدخّل في امتحاناتهم، وعلاقاتهم، وحواراتهم مع أساتذتهم وأرباب عملهم وزملائهم وأصدقائهم، وأزواجهم، تنتفض وتحتج عند عدم تحقيق ما تعتبره لصالحهم، وقد يصل بها الأمر في كثير من الأحيان إلى انتقاد اختياراتهم الهرميّة والدفاع عن مهاراتهم ومؤهلاتهم والتي هي -بنظرها- دائمًا استثنائية.
نادرًا ما يشعر أبناء “الأم الهليكوبتر” بالاكتفاء على صعيد علاقاتهم الرومانسية
وبيّنت الدراسات أن هذا النمط التربوي غير فعّال، لما يسبّبه للأبناء من اضطرابات، خصوصًا في مرحلة الاستقلال العاطفي، كالاكتئاب والقلق وشعور بعدم الاهتمام والأمان، فعلى الرغم من استعجالهم للاستقلال عن أمهاتهم إلا أنهم ما يلبثون أنّ يفتقدوا إلى “فِرْدَوسِهم المفقود”، فبعدهم عنها لا يمكن أبدًا أن يشعرهم بالاكتفاء العاطفي.
ويروي فادي أنّه على الرغم من بلوغه الواحدة والثلاثين، إلا أن أمّه هي من تقرر عنه، فقد اعتاد منذ أن كان طفلًا، على أن تختار له الرياضة التي عليه ممارستها وألوان ملابسه ويقول: ” أعتقد أن لوني المفضّل هو الأخضر لأنه اللون المفضّل لدى أمي أيضًا، كما أنني لا أحب الاستماع إلى الموسيقى العربية لأنني عندما كنت صغيرًا كانت تمنعني من سماعها.
وتقول كوليت: “على الرغم من أنني متزوجة وأم لطفلين لكنني لا اتخذ أي قرار من دون الرجوع لأمي، ما يسبّب لي الكثير من المشاكل مع زوجي لكنني على يقين بأنها أدرى بمصلحتي”
الأم النمرة والنجاح المتناقض:
إنها اسم على مسمّى، أي تلك التي تشبه أنثى النمر التي لا تعطي صغارها “نَفَسًا”، قبل أن يتعلموا فنون الصّيد والكرّ والفرّ، تضغط عليهم ليل نهار كي يتفوّقوا في دراستهم، فتحرمهم من اللعب والترفيه والخروج من البيت، فوقتهم مكرّس فقط للدراسة والعلم واكتساب المعرفة.
ونجد هذا النوع من الأمهات في مناطق شرق آسيا، مع كل ما تفرضه من تقاليد تربوية خاصة وصارمة، فوفقًا لدراسة أجريت على عيّنة واسعة من الأمهات الصينيّات، تبيّن أنّ هذا النمط التربوي قد يؤدي بالفعل إلى “نتائج”، ولكنه محصور جدًا في المجالات التي يتم التدريب عليها، فلهذا النوع من التربية سلبيات كثيرة، كون النتائج الجيّدة تأتي على حساب رفاهية الأطفال مما يسبّب لهم في كثير من الأحيان الاكتئاب ونقص في الثقة بالنفس.
وتروي آمي تشوا، أم ذات أصول صينية وأستاذة للقانون في جامعة يال في الولايات المتحدة الأميركية، أنها لم تتردّد بوصف ابنتها ب”القمامة” عندما فشلت في العزف على آلة الكمان، وكيف أجبرت أولادها على إعادة عمل بطاقات التهنئة المصنوعة يدويًا لها، لأنها لم تجدها على المستوى المطلوب!
فآمي تشوا على الرغم من “استعدادها للتضحية بكل شيء من أجل نجاح أولادها” كما تقول إلا أنها لا تدعمهم أبدًا لا بل على العكس، وتضيف: “غالبًا ما ألومهم ولا أتوانى عن إظهار خيبة أملي بهم كلما سنحت الفرصة لذلك”!
يقول Sebastian Dieguez الدكتور في علم الأعصاب والمؤلف والباحث في جامعة فريبورغ في سويسرا “إنّ النتائج المترتبة عن هذين النمطين يشوبها الكثير من السلبيات لما تتركه من شعور لدى الأبناء بأنهم سطحيون وتافهون وليسوا على قدر المسؤولية، فيتسبّب بإحباطاتهم”.
قد نضيع نحن كأمهات بين تيار ينادي بالحماية المفرطة لأبنائنا، وآخر مؤيّد للاستقلالية، وغالبًا ما نجد أنفسنا بين “مأزق” مطرقة الحماية المطلقة، التي قد تصل إلى حدّ السيطرة عليهم، وسندان منحهم الحرية الكاملة، لما توفّره الأولى (حسب اعتقادنا) من بيئة آمنة ومستقرة لهم، وتؤمنه الثانية من نمو وابداع للخيال، إلا أنّ علم النفس الحديث بات شبه جازم، بأنّ الأسلوب الأكثر فعالية في التربية، هو الذي يقوم على مزيج من الصرامة والاستماع، أو ما يعرف ب”الأسلوب التعليمي الديمقراطي” والذي يسمّى بالإنكليزية “السلطوي المؤثّر”، ويقوم على التوازن بين تشجيع الطفل على الاستقلالية، ودعمه في خياراته، وتنمية ثقته بنفسه والقدرة على مواجهته لتحدّيات, قد تساهم في تنميته وصقل شخصيته في المستقبل.
فهذا التوازن يساهم في زخرفة حياة أبنائنا وبناتنا بالرومانسية، كما قد يغذّي بعض الجوانب المظلمة في شخصيتهم، فيستمدون من قوّة توازننا وإرادتنا وشجاعتنا، قدرة را ئعة قد تساعدهم على مواجهة تحدّيات الحياة.