"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

التربية الحديثة "تقدّس" الأخطاء: انحراف أو مبالغة أو ثورة في التنمية الذاتية؟

كريستين نمر
الأحد، 8 سبتمبر 2024

التربية الحديثة "تقدّس" الأخطاء: انحراف أو مبالغة أو ثورة في التنمية الذاتية؟

“لا تبكِ على شيء مضى بل اجعله درسًا لك”. “قرار خاطئ قد يعلّمك ما لم تتعلّمه من مئة قرار صحيح”.

إنّهما نموذجان من مقولات كثيرة تتمحور كلها حول التنمية الذاتية. عند هذا الحد تبدو الدعوة الى التعاطي مع الخطأ “إيجابية” وهدفها عدم الإفراط في لوم الذات بحيث يتحوّل هذا اللوم الى عائق يحول دون النهوض والتصحيح وتحقيق نتائج إيجابية. لكن، بعض المعلمين و”المرشدين الروحيين” ذهبوا إلى أبعد من ذلك بكثير، إلى درجة يريدون فيها الإحتفاء بالخطأ، على اعتبار أنّ ذلك وحده كفيل بتجنّب تكراره في المستقبل. فهل هذا يعني أنه علينا إغداق المديح لأولادنا عندما يرسبون ولزملائنا عندما يخطئون، ولشركائنا بالحياة عندما يخونون؟ وهل علينا النزول إلى الشارع للتظاهر ضدّ قرار توقيف رياض سلامة وتقديم أسمى آيات التبريك والاحترام لسياسيينا على ما اقترفوه…؟

قانون التأثير

على الرغم من تبني منهجية التربية الحديثة لـ”سياسة التسامح مع الأخطاء”، فإنّه من وجهة النظر النفسية والعصبية يعد الاحتفاء بالخطأ من الأمور البعيدة عن العقل والمنطق، فالهدف من التركيز على الأخطاء التي يرتكبها طلاب المدارس مثلًا، يكون، بالعادة، لضمان عدم تكرارها وفي حال حصل التكرار فيكون بأقل قدر ممكن، وهذا ما يسمّى بالخطأ الجيّد الذي تطرّق إليه قبل أكثر من نصف قرن تقريبًا عالم النفس الأمريكي إدوارد ثورندايك عندما تحدث عن “قانون التأثير”، إذ رأى أنّ أيّ سلوك ينتج عنه تأثير إيجابي أو ممتع تزداد احتمالية تكراره، وقد تمّ التعمّق به من قبل خليفته بوروس سكينر وأصبح أساسًا لتيار واسع في علم النفس عرف تحت اسم “السلوكية”، وقد استند الى القصة الشهيرة حول قرار حاكم بومباي بدفع أموال مقابل جلود الثعابين التي يجلبها له السكان لتحفيزهم على اصطياد الكوبرا التي كانت تغزو المدينة، فبدأ البعض في تربية الكوبرا لكسب المال.

فما المانع إذن، في حال قمنا بالاحتفاء بالأخطاء، أن نرتكبها عمدًا للوصول إلى المجد؟

يقول سكينر في هذا الإطار “إن الأخطاء والإخفاقات إذا لم تتسبّب بشعور بالقلق وعدم الراحة لا يمكن تجنّب تكرار حصولها في المستقبل، لأن النفور من الخطأ هو إرث تطوري يعود بشكل كبير إلى مجموعة من الاتصالات العصبية والهرمونية في جسم الإنسان، يعرف بـ “محور التوتّر”، وتحتل اللوزة الدماغية مكانة بارزة في هذا المحور، فهي مركز الخوف والمشاعر السلبية، فقد كان الإنسان منذ مئات الاف السنين، إذا أخطأ هدفه أثناء الصيد، يعود إلى المنزل خاوي اليدين والمعدة، هذا إذا عاد أساسًا”.

“من وجهة نظر نفسية وعصبية بحتة، فإنّ الاحتفاء بالأخطاء أمر غير منطقي”

الخطأ ليكون ذي قيمة يجب أن تتم مشاركته!

في سلسلة دراسات قامت بها كل من لورين إسكريس-وينكلر وأيليت فيشباخ، من جامعة شيكاغو طلبت من المشاركين بعد أن عرضتا عليهم رموزًا هيروغليفية، التركيز على تلك التي تمثل حيوانات وتخمين معناها، مع إعطاء بعض الإشارات للمشاركين للدلالة على خطأ أو صواب إجاباتهم، وخلصت العالمتان إلى أن المشاركين الذين تمت الإشادة بإجاباتهم الصحيحة حصلوا على نتائج أفضل من أولئك الذين تمّ التركيز على أخطائهم، وأعادتا سبب ذلك إلى ما يعرف بظاهرة “تهديد الأنا”، إذ يواجه المشاركون الذين يتم إبلاغهم بخطئهم تزعزعًا في تقديرهم لذواتهم، فبدل تركيزهم على الملاحظات التي أعطيت لهم يخصصون قسمًا كبيرًا من مواردهم المعرفية وطاقتهم لحماية صورتهم الشخصية وتبرير خطئهم، من هنا عندما قامتا بوضع المشاركين في موقع المراقبة لأشخاص يتم تقييمهم من قبل رؤسائهم، تمكّنوا من التعلّم من نجاحات واخفاقات هؤلاء الأشخاص بشكل متساوٍ، وخلصتا الى أنه “عندما لا نكون نحن من يرتكب الأخطاء بل الآخرين، يكون تقديرنا لذواتنا غير مهدد، فنتعلّم بشكل فعال، وهذا ما يُسمى التعلّم بالنيابة”.

“الأنا” عدو التعلّم

ولكن يبقى السؤال الأساسي هل ممكن التعلّم من أخطائنا؟

كثيرًا ما يقلّص الاعتراف بالخطأ من الثقة بالنفس ويشوّه صورة الفرد لذاته فيبدأ بالشك بقدراته. وتقول إيمي إدموندسون الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال والمتخصصة المعترف بها في معالجة الأخطاء: “تبقى الأنا هي عدو الإنسان الأول”، وتضيف: لا تدع غرورك يعوق تعلّمك” وتنصح بوضع مسافة ذهنية بين الشخص ذاته وبين الخطأ الذي يسعى إلى التعلّم منه، وذلك من خلال التفكير في تجربته الشخصية من منظور خارجي كأنه طرف ثالث محايد، وصياغة السؤال بهذه الطريقة: لماذا فشل زميلي؟ بدلًا من لماذا فشلت أنا؟… قد يبدو ذلك سخيفًا لكنها طريقة أثبتت فعاليتها على أرض الواقع.

وتشجّع إدموندسون على التحدث بصراحة عن الأخطاء والإخفاقات من خلال إنشاء مناخ من الأمان النفسي، سواء في العائلة أو في المدرسة أو في مكان العمل، تحت هذه الظروف، سيتمكن الجميع من الاستفادة من هذه الدروس دون أن يعتقد أن الفشل أمر مرغوب فيه.

المقال السابق
الراعي يهاجم "أمراء الحرب" الحاليين
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

بسبب علاقة زوجته بتايلور سويفت.. رئيس وزراء البريطاني في ورطة

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية