المعركة التي يخوضها هذه الأيام وزير الخارجية اللبناني عبدالله أبو جبيب في نيويورك بشأن مضمون تجديد ولاية قوات “اليونيفيل” السنوي هي على مستويين : الأول ، اجهاض محاولة الدول الغربية التي تلوح بنقل صلاحيات الدولية في الجنوب اللبناني من تحت الفصل السادس ، الى الفصل السابع المتضمن مبدأ استخدام القوة لفرض القرار الدولي و مندرجاته الأمنية . و الثاني، الغاء البند ١٦ الذي ورد في قرار التجديد الاخير عام ٢٠٢٢ ، ومنح “اليونيفيل ” صلاحية التحرك في منطقة عملياتها من دون الحاجة الى طلب اذن او التنسيق مع الجيش اللبناني . هكذا سافر ابوحبيب الى نيويورك من اجل سحب البند ١٦ الذي يرفضه “حزب الله” ، واستطرادا حكومة تصريف الاعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي ومعها الجيش اللبناني .
هذه الأطراف الرسمية لا تملل ترف التفرد بالقرار في الجنوب او ربما في أي موضوع آخر خارج ما يريده “حزب الله” المهمين على الحياة السياسية و الأمنية اللبنانية بلا منازع. من هنا كانت مهمة وزير الخارجية من الناحية العملية الدفاع عن موقف الحزب المذكور ، لا سيما ان قوى دولية تصر على الإبقاء على البند ١٦ في قرار التجديد ، حتى لو لم تسارع “اليونيفيل” الى تطبيقه على الأرض. فالاهم الآن هو تثيبت مبدأ صلاحية أوسع لتحرك القوات الدولية في الجنوب الذي يقال ان الجيش يسيطر عليه ، فيما الحقيقة ان “حزب الله” هو المسيطر الفعلي الوحيد . هذه حقيقة يعرفها اللبنانيون و العرب و الأجانب . وعليه من المتوقع ان تستمر المناورات حول البند ١٦ ، و هو المقصود من طرح فكرة نقل صلاحيات القوات الدولية من الفصل السادس الى الفصل السابع كي تصبح مادة تفاوضية لفرض البند ١٦ . هنا بيت القصيد.
وسط هذه المعمعة تجدر الإشارة الى ان “حزب الله” سبق ان رد في ١٥ كانون الأول ٢٠٢٢ بالدم على البند ١٦ الذي ورد في قرار التجديد السنوي في العام الماضي ، عندما جرى اعدام جندي من قوات “اليونيفيل ” تحت عنوان تصدي “الأهالي ” للاستفزاز !
و معروف تماما ان من يسمون “الأهالي” هم فصيل من فصائل “حزب الله” على ارض الجنوب ، و مهمتهم عرقلة عمل “اليونيفيل” بإستخدام العنف الأهلي انما بإنضباط . لكن هذا يعني ان لبنان سيتمكن في الايام القليلة المقبلة من تغيير البوصلة في نيويورك لجهة فرض سحب البند ١٦ من التداول. وربما سنصل الى موعد التجديد في ٣١ آب ، أي الخميس المقبل من دون اتفاق . و بالتالي نكون امام خيارات حساسة. اما القبول بالبند ١٦ لقاء سحب موضوع الفصل السابع من على الطاولة ، او نتجاوز موعد التجديد الأخيرة في ٣١ آب . هذا احتمال وارد. وفي هذا الصدد فإن الحكومة اللبنانية بموقفها المتماهي على الدوام مع “حزب الله” تفتقد الى الصدقية في المجتمع الدولي ، و خصوصا انها تصرف الاعمال ،والادهى انها منبثقة عن مجلس نواب ٢٠١٨ الذي انتهت ولايته ، وانتخب مكانه مجلس آخر عام ٢٠٢٢ بتوازنات مختلفة. وبالتالي فإن الحكومة الحالية تديرها توازنات مختلفة الى حد كبير، بعدما فقد “حزب الله” وحلفاؤه الغالبية في مجلس النواب الجديد، مما افقده القدرة على فرض رئيس بالوسائل الديموقراطية، فعاد الى سياسة التعطيل لفرض مرشحه على اللبنانيين .