"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

الثنائي الرابح: الأب والابنة

كريستين نمر
الجمعة، 23 يونيو 2023

الثنائي الرابح: الأب والابنة

أكدت الدراسات الحديثة أنّ تعزيز العلاقة الإيجابية بين الأب وابنته يمكن أن يؤثر على توجّهها المهني وذلك من خلال الصورة التي يقدّمها لها، فالعلاقة الجيدة قد تعزّز من تقديرها لنفسها وتزيد من عزيمتها وطموحها وتقوّي ثقتها بنفسها، كما قد تساهم في زيادة فرص نجاحاتها في حياتها المهنية والشخصية.

هذا الاستنتاج توصل إليه فريق من جامعة كولومبيا البريطانية برئاسة الدكتورة أليسا كروفت التي أجرت دراسة على أكثر من ٣٠٠ طفل تتراوح أعمارهم بين ٧ و١٣ عامًا اتضح من خلالها أنه عندما يشارك الآباء في الأعمال المنزلية، يظهر اهتمام أكبر لدى بناتهم، على وجه الخصوص، بالأنشطة والمهن التي لا تتّبع النمطية الأنثوية التقليدية، فتساعد الأب على بناء علاقة ثقة معهن، وتجعلهنّ يحققن المزيد من النجاحات في حياتهن المهنية”.

فالفكرة التقليدية التي كانت سائدة لدور الأهل حتى ثمانينات القرن الماضي افترضت، ولفترة طويلة، أنّ المرأة هي المسؤولة عن الأعمال المنزلية وتربية الأطفال، بينما يضمن الرجل دخل الأسرة، من هنا ركّزت غالبية الدراسات على العلاقة بين الأم والطفل باعتبارها الأهم من الناحية النفسية في ظلّ الغياب شبه الكامل للأب، ليبدأ بعدها العلماء بتطوير أساليب البحث في علم النفس الأسري بحيث بدأوا بإيلاء اهتمام أكبر للدور الأبوي، الذي لم يعد محصورًا فقط بتأمين الاحتياجات إنما تعداها ليصل إلى التربية.

ومن أهم هذه الدراسات تلك التي آجراها بين عامي ١٩٨٥ و٢٠١٠، المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية في فرنسا، فأظهرت أنّ الآباء قد اجتهدوا أكثر في المشاركة في المهام المنزلية وإن بقي ذلك محدودًا لفترة طويلة، وقد ترافق هذا التطور مع رفع إجازة الأبوة من ٩ إلى ٢٨ يومًا في العام ٢٠٢١ في فرنسا.

كذلك كشف تقرير في العام ٢٠١٨ حمل اسم “تقرير الآباء” الصادر عن الحكومة الاتحادية الألمانية أن ثلثي الآباء الحاليين يقولون إنهم يشاركون بشكل أكبر في تربية ورعاية أطفالهم ويرغبون في قضاء أكبر قدر ممكن من الوقت معهم.

__العلاقة الناجحة بين الأب وابنته تؤسس لعلاقة ناجحة مع شريكها في المستقبل

__

il-vient-de-feter-son-centenaire-duo-pere-fille-a-quatre-mains-au-vivarais-a-lyon

واستنتجت إيريني فلوري من جامعة كلية لندن، من بيانات تتعلق بـ ١٣ألف طفل تمّت متابعتهم في الولايات المتحدة منذ ولادتهم وحتى عامهم الثالث والثلاثين، أن حياة المرأة المهنية تعتمد على علاقتها بوالدها بشكل أكبر من حياة الرجل، ففي حين أنّ جودة العلاقة مع الأم تؤثر بشكل إيجابي على تقدير الذات للأولاد سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، فإنّ العلاقة مع الأب يأتي تأثيرها أكبر على الفتاة من حيث ثقتها بذاتها وإحساسها بالأمان.

وهذا ما أكدته عالمة النفس الألمانية إنجي سيفغه كرينكي وفريقها بعدما قامت بمتابعة مراهقات تتراوح أعمارهن بين ١٤ و ٢١ عامًا في إطار دراسة طويلة المدى بدأت في التسعينات، إذ تبيّن أنه “عندما يشجع الأب ويدعم تطوّر ابنته الجسدي بلطف عن طريق شراء الملابس لها، وتقدير نموّها في مرحلة المراهقة مثلًا، ينعكس إيجابًا على علاقتها بشريكها في ما بعد بحيث يجعلها تشعر برضا وسعادة أكبر”.

ولأنّ مستوى التوتر غالبًا ما يكون أعلى لدى الفتيات مقارنة بالفتيان في فترة البلوغ، فإنّ الأب في هذه الحالة يساهم في تخفيفه بشكل أفضل خصوصًا في الحالات التي تشكّل تحديًا لهنّ بحيث يكون فعالًا في تهدئتها وإعطائها الثقة في قدراتها على النجاح، فبمجرّد أن يقول لها مثلًا “أنت قادرة على ذلك!”، حتى تشعر بالراحة والطمأنينة، وتقول كرينكي:” يعتبر الأب وسيلة فعّالة لتخفيف التوتر لديها، وهو أيضًا الشخص الذي يستطيع أن يعطيها الثقة في قدراتها”.

وتتحفّظ كرينكي تجاه دور الأم في هذا النوع من الحالات إذ تعتبر “أنه على الرغم من أنّ الحوار قد يسير بشكل جيد بين الأمهات والبنات، ألا أنه يبقى بعيدًا عن إيجاد الحلول”.

طبعًا هي لا تستخف بمناقشة مشكلات الأمهات مع بناتهن والذي تعتبره دعمًا مهمًا لهنّ إنما تقول إنه قد “يؤدي بشكل متناقض إلى تكبير التوتر لديهن وتشويهه”.

اللهو والجد

“حتى إنّه خلال اللعب يكون أسلوب الآباء أكثر تحفيزًا من الأمهات” تقول بترا كلومب من جامعة فرايبورغ في سويسرا وتضيف: “يتشاجرون بشكل أكبر مع بناتهم، ويرمونهن في الهواء، ويتحدونهن في العادة أكثر”.

image

وفي دراسة أقامتها كلومب حول “تأثير عمل الآباء اليومي على الحياة العائلية”، قام فريقها باستجواب ٧٥ أبًا حيث طلب منهم تسجيل الأحداث المختلفة التي وقعت خلال الأيام العشرة الأخيرة ووصف حالتهم النفسية خلال تلك الفترة، فتبيّن أنّ ما عاشه هؤلاء الرجال مع أطفالهم خلال هذه الفترة كان له تأثيرات كبيرة وفعّالة على حياتهم المهنية”، وتوضح كلومب مثلًا، “إن لعبة مثيرة في المساء تعطي الأب طاقة إيجابية في العمل قد تجعله ينظر في اليوم التالي إلى زملائه ورؤسائه ومرؤوسيه بشكل أكثر إيجابية”.

كما لاحظ مايكل دال من جامعة أولبورغ في الدنمارك وزملاؤه أن الرجال الذين لديهم بنات يتصرفون بشكل أكثر سخاءً تجاه النساء في سياق العمل ويقول: “عندما يكون لدى الرؤساء الذكور ابنة لأول مرة، يزيدون متوسط رواتب النساء بنسبة ٣،٢٪، وتقول الدراسة إنّ الأبوة تجعل الأشخاص أكثر سخاء بشكل عام.

إلا أنّ ثمة نقطة تبقى بحاجة إلى توضيح: ما الذي يجعل الأب يستثمر بشكل إيجابي في تربية ابنته؟

استجوب واسيليوس فثيناكيس، الرئيس السابق للمعهد الوطني للتربية المبكرة في ميونخ، حوالي ألف زوج في ألمانيا حول حياتهم الأسرية، وقد تبيّن أنّ للعلاقة مع الأم دورًا بارزًا، فرضا الآباء عن علاقاتهم الزوجية ومشاركاتهم في التربية، يولّد توافقًا وتعاضدًا في الأسرة على صعيد الشراكة وتوزيع المهام وفهم الأدوار ويرى “في إيجاد التوازن المناسب مع الشريك، أمرًا ضروريًا لضمان التأثير الإيجابي لتفاعل الأب مع بناته في المستقبل.

ومع انعدام الأدوار النمطيّة المعروفة للآباء أي السلطة والعمل المهني، وللأمهات أي الرقّة والحنان والأعمال المنزليّة، بات للجنسين القدرات نفسها، باستثناء الولادة والرضاعة طبعًا، فلم يعد مهمًا للطفل من يعتني به أو يرعاه أو يلعب معه، أو يقرأ له، أو يأخذه إلى المدرسة أو يمارس معه النشاطات الرياضية وطبعًا قد لا يهمه بالتالي من سيكسب المال ومن سيقوم بالطهي.

المقال السابق
إنجاز في علاج سرطان الأمعاء مع فك لغز جهاز المناعة
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"مفترس في هارودز" وثائقي يتهم محمد الفايد باغتصاب موظفات وابتزازهن

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية