يتفاعل الرأي العام العالمي، ولو بنسب متفاوتة، مع ما يتعرض له قطاع غزة، وتُثير الإجراءات التوسعية والقمعية في الضفة الغربية غضبا، في كثير من مراكز القرار في العالم، وذهب رئيس “الحرس الثوري الإيراني” حسين سلامي في مبالغاته غير العلمية وغير الدقيقة الى مستوى اعتبار أنّ العدوان الإسرائيلي على غزة أسقط الحزب الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية.
وتشكل نسبة من العرب والمسلمين بمؤازرة مجموعات يسارية، حالة من القلق للحكومات الغربية، بسبب التعبير، في كل مناسبة، عن غضبهم مما يسمونه “إبادة الفلسطينيين”، حتى باتت مباراة لكرة القدم، تحتاج، في دولة مثل فرنسا، الى استنفار أربعة آلاف شرطي لتوفير الأمن في الملاعب والمطارات والقطارات، لئلا تتحوّل مباراة جمعت منتخبي فرنسا وإسرائيل الى “كارثة”!
وإذا كان التعاطف، في الحالة الفلسطينية، يستقطب الاهتمام، فإنّ ما يستقطب الإنتباه، بالقدر نفسه، هو غياب التعاطف شبه الكامل مع الحالة اللبنانية، حيث تشن إسرائيل حرب “ترميد” ضد “حزب الله” وجميع من لهم صلة به، حتى إن هناك بلدات بأكملها أزيلت عن الخارطة، بحيث لم يعد المواطنون فيها يعرفون لأي منزل يعود الدمار المتراكم فيها.
وإذا كانت بعض الحشود، قد نزلت، في مراحل معينة من الحرب التي تشنها إسرائيل، الى ساحات عدد قليل من المدن في الغرب، فهي، على الرغم من ضآلة عدد المشاركين فيها، لم تكن ترفع، في غالبيتها الساحقة رايات “حزب الله”، بل الأعلام اللبنانية، مطالبة بالضغط من أجل إحلال السلام في لبنان، بموجب ما تنص عليه القرارات الدولية، وفي مقدمها القرار 1701 بكل مضامينه، بما في ذلك تلك التي تطالب بنزع سلاح “حزب الله”!
ماذا يعني ذلك؟
على خلاف “حماس” التي تقف وراءها قضية فلسطينية عريقة، فإنّ “حزب الله” يفتقد، في نظر كثير من اللبنانيين كما بنظر الغالبية الساحقة من الرأي العام العالمي، الى “شرعية” الحرب، وهذا يعني في الوجدان العام، أنّ “حزب الله” على الرغم من الخسائر الضخمة التي يتعرض لها، على كل المستويات، بما في ذلك المستويين الاجتماعي والإنساني، ليس “مظلومًا” بل “ظالمًا”!
لم تعد الغالبية الكاسحة في العالم تتعاطى مع “حزب الله” على أساس أنه “مقاتل من أجل الحرية والحقوق”، بل على أساس أنّه “فصيل ينتمي الى المحور الإيراني، وأهدافه تحددها له الجمهورية الإسلامية في إيران”، وهو لم يدخل في حرب “طوفان الأقصى” لمعاضدة الفلسطينيين، بل لتنفيذ “أجندة” وضعها “الحرس الثوري الإيراني” نفسه، بدليل أنّه ثابر على حربه ضد إسرائيل، بعدما ثبت أنّ دوره أصبح بلا أي جدوى، بالنسبة لحماس، من جهة وأضحى مؤذيًا لغزة نفسها، بحيث تمّ تصويرها كما لز كانت مجرد امتداد لنفوذ إيران في الشرق الأوسط، من جهة أخرى!
وإذا كان الفلسطينيون يحملون شرعية البحث عن دولة مسروقة، فإنّ “حزب الله”، بنظر هذه الغالبية العالمية، مجرد “سارق” للدولة اللبنانية، ويحملونه مسؤولية كثير من المآسي التي حلت ببلاد الأرز وشعبها!
ولهذا السبب، وجدت دوائر القرار نفسها “مرتاحة” نسبيًا، في صمتها هنا وتواطؤها، هناك، على “حرب الترميد” التي تشنها إسرائيل ضد “حزب الله”.
وحاليًا، تتعاطف غالبية الدول مع كثير من الشروط الإسرائيلية التي وضعتها حكومة بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب على “حزب الله” في لبنان، لأنّها، في مكان ما، لا تتلاقى مع مندرجات القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان، فحسب، بل مع روحية الدستور اللبناني ومفاهيم قيام الدول، أيضًا.
البعض يحلو له أن يعيد هذه البرودة في تفاعل الرأي العام العالمي الى “مؤامرة كونية”، ولكنّ مثل هذه الحجة تمّ استعمالها بخصوص غزة أيضا، لكنّها، سواء كانت صحيحة أم خاطئة، لم تمنع الشوارع من أن تمتلئ بالمتعاطفين مع الفلسطينيين والغاضبين على الإسرائيليين!
وعليه، فإنّ “حزب الله” خسر، في حرب جرّها على نفسه وبلاده، تعاطف الغالبية الساحقة في العالم، ممّا يمكن أن يعين إسرائيل على مواصلة مخططاتها العسكرية، طالما تعينها قدراتها على ذلك.
وحتى تاريخه، لا يبدو أنّ إسرائيل تستعجل وقف إطلاق النار، بل تستعجل فرض شروطها، في سياق، محاولة تجديد “شرعية” حربها القاتلة والتدميرية!