"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

السردية السورية والشهية اللبنانية!

رئيس التحرير: فارس خشّان
الأربعاء، 25 ديسمبر 2024

من المبكر الحكم على ما سوف يكون عليه مستقبل سوريا، فهي أطلقت ورشة ضخمة تبدأ بإعادة تأسيس الجيش وتمتد إلى إعادة النظر في الدستور، وسط تعقيدات ليست قليلة على الإطلاق، حيث تتفاعل العوامل الداخلية، في ظل التعددية الطائفية والعرقية والمناطقية مع العوامل الخارجية، حيث لسوريا تأثيرات على لبنان وإسرائيل والعراق وتركيا وايران والخليج والولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين!

ولكن، وبغض النظر عن النتائج التي سوف تُسفر عنها هذه الورشة الضخمة والمعقدة، فإنّ “الأدبيات” التي يستعملها “الحاكم الفعلي” ل”سوريا الجديدة” أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، تفتح شهية اللبنانيين الذين طالما خابت أمانيهم ببناء دولة معاصرة وطبيعية وقوية!

الشرع تحدث في الأيام القليلة الماضية عن جملة مواضيع تطرب آذان اللبنانيين، بما خص بلدهم هم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: حلّ جميع التنظيمات المسلّحة، وتأسيس جيش وطني يحتكر السلاح، وإعلان حياد الدولة عن صراعات المحاور وحروبها، ودعوة جميع السوريين أينما كانوا في العالم الى العودة للوطن من أجل المساهمة في إعادة إعمار سوريا، والتطلع الى دولة لا تتنازع فيها مكوناتها الطائفية وتقدم الكفاءات على المحاصصة!

لا يملك أحد القدرة على الحكم على جدية الشرع في ما يطرحه من مبادئ، منذ انتقاله من إدلب، حيث حكم لفترة طويلة، الى دمشق، حيث يتطلّع إلى أن يحكم لفترة طويلة، أيضًا، ولكن إدراكه الواضح لحاجة سوريا الى أن تكون دولة جاذبة للإستثمارات والمساعدات والهبات والقروض، باستقرارها وتفاهماتها وانفتاحها وحيادها، يُعطي ما يطلقه من مواقف الكثير من الجديّة، على اعتبار أنّ الكلمات لا يمكنها وحدها أن تُقنع أحدًا بإعطاء الشرع، الخارج من رحم تنظيمات إسلامية يُجمع العالم، بشرقة وغربه وبشماله وجنوبه، على وصفها بالإرهابية!

وخلال أوّل لقاء عقده الشرع مع طرف لبناني، هو زعيم دروز لبنان وليد جنبلاط، لم يقل “حاكم سوريا الفعلي” كلمة واحدة أثارت الغضب أو الريبة، لا بل هو ذهب في مواقفه الى حيث يتمنى غالبية اللبنانيين، أي فتح صفحة جديدة بين البلدين لا تقوم على معادلات الأدبيات الدبلوماسية، بل على أساس فهم الدور السوري الخبيث في لبنان، على مدى عشرات السنوات، حيث أمعن اغتيالًا وقمعًا واعتقالًا ودعمًا لفريق مسلّح ليستقوي على سائر اللبنانيين ويحوّل لبنان متراسًا إقليميًّا جابًا للويلات والكوارث!

إذًا، أقلّه على مستوى “السردية” التي تقدمها “سوريا الجديدة”، فهي تثير “شهية” اللبنانيّين الذين يجدون أنفسهم يعانون من محاولات تثبيت معادلات الماضي التي يتمنون الخروج منها، لمرة واحدة وأخيرة!

وفي هذا المجال، يبرز المتحدثون باسم “حزب الله” الذين يسوّقون لتأبيد سلاح ما يطلقون عليه تسمية “المقاومة”، بحيث يستمر في خلق ازدواجية خطرة مانعة لقيام الدولة اللبنانية، وذهب نائب رئيس المجلس السياسي في الحزب محمود قماطي الى أبعد من ذلك، إذ طالب بإقامة “شراكة بين الجيش والمقاومة”، وكل ذلك بحجة أنّ “المقاومة وحدها قادرة على حماية لبنان” ودليله على ذلك “الخروقات الإسرائيلية المستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار”.

عمليًا يريد “حزب الله” إرساء معادلات النظام الإيراني حيث “الحرس الثوري” بحجة الشراكة مع الجيش الإيراني يأكل عافية البلاد وثرواتها ومستقبل أبنائها. معادلات يسعى العراق جاهدًا لإخراج نفسه منها، بعدما اكتشف تأثيراتها الكارثية على مفهوم الدولة.

ويدرك اللبنانيون أنّ هذه المحاولة التي يبذلها “حزب الله”، بغض النظر عن الموقف السياسي منها، سوف تؤدي، في حال نجاحها، الى سقوط نهائي للدولة اللبنانية، ففيما تعاني إيران ممّا سمّاه رئيسها مسعود بزشكيان “الإفلاس العملي”، لن يدخل قرش واحد الى خزينة الدولة من أجل إعادة ما دمرته الحرب، في حال أسقط لبنان نفسه في معادلات الماضي.

والأخطر من ذلك، أنّ عموم اللبنانيين يعرفون أنّ سلاح “حزب الله” لا يحمي أحدًا، بل يعرض الجميع للمخاطر، وهو سيكون بخدمة مشروع “خاص جدًا”، وليس بخدمة مشروع تحريري، ثبت، بالوجه القاطع، أنّه بدل أن يكون طاردًا للإحتلال فهو جاذب له!

ويفضل العالم، بكل تلويناته، استثمار “المال الشحيح المتوافر”، في ظل هذه الأزمة العالمية، في سوريا، إذا كانت نيات حكامها الجدد تتطابق مع مواقفهم، على صرف، ولو قرش واحد في لبنان، إذا كانت قواه السياسية والشعبية، عاجزة عن وضع حد لانحرافات “حزب الله” المانعة ل”حياد الإيجابي” والمتورطة ب”أجندات خارجية” والمسقطة لمفهوم الدولة الخالية من الميليشيات والتنظيمات المسلحة.

صحيح أنّ “حزب الله” يترك استياء في الداخل اللبناني، ولكن الصحيح أيضًا أنّ مشروع إحياء الماضي ليس قدرًا، بل يمكن إسقاطه، شيئًا فشيئًا، ليس لأنّ هزيمته أمام إسرائيل كانت مدوية وكبيرة، فحسب بل لأنّ المعطيات الإستراتيجية انقلبت رأسًا على عقب، أيضًا، فإيران التي كانت تسيطر على كوريدور يربط طهران ببيروت، أصبحت محاصرة، وتواجه مخاطر ضربة قاسية من الداخل والخارج في آن، فيما انتهى مشروع “وحدة الساحات” الى حال من “وحدة الكوارث”، وسقط نظام الأسد الذي كان قد سلّم أرضه وحدوده لإيران وميليشياتها، ولن تكون هناك أي قدرة للتعويض بواسطة البحر أو الجو، على انتقال سوريا من “محور الممانعة” الى ” الحياد”!

المقال السابق
اسرائيل تطلق النار على مظاهرة في القنيطرة وتجرح ثلاثة على الأقل
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

"حزب الله" والإمعان في النفاق

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية