بعد استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة اللّبنانية تحت وطأة المطالب الشعبيّة التي سعت للإطاحة بالنّظام السياسي المتجذّر، وما أعقبها من مغامرته المثيرة في السعودية، بدا المشهد السّياسي السنّي وكأنه إعادة لسقوط القسطنطينيّة عام 1453، حيث تحوّلت السّاحة إلى أطلال مهجورة، وتاه أبناؤها في غياهب التّيه السياسي.
ورغم المحاولات المتعدّدة التي بذلها نجيب ميقاتي، وأشرف ريفي، ونجل أحمد فتفت لسدّ الفراغ وقيادة الشّارع السنّي، فإنّ أيًّا منهم لم يتمكّن من استعادة البوصلة، وظلّت تلك السّاحة في حالة من الضياع والارتباك، تبحث عمّن يعيد إليها وحدتها ومجدها المفقود.
مع تصاعد وتيرة الأحداث في سوريا، وسقوط النّظام السّوري وحلفائه، يغدو اليقين بأنّ سوريا توشك على ارتداء وجه جديد، وجه تُخفيه غيوم اللّحظة الرّاهنة وستُميط الأيام اللّثام عنه. هذا الوجه سيُعيد رسم العلاقات بين دمشق وبيروت، ستُبنى اتفاقيّات على أسس جديدة تُلائم المتغيّرات الإقليميّة، وتحفظ معادلات الحدود البريّة بما يضمن التوازن والسّيادة بين البلدين.
وفي خضمّ هذا المخاض العسير، ومع انطلاق مشاورات عهدٍ مختلف يلوح في أفق الإقليم، يبرز العامل السنّي اللّبناني كضرورة تاريخيّة، لتجاوز ظلال التّغييب، واحتلال موقعه الطبيعي في صياغة المسارات الجديدة التي ستعيد تشكيل المشهد السّياسي بين لبنان وسوريا، وترسّخ ملامح المستقبل.
وتتوالى التّساؤلات المشروعة عن مدى ا لجهوزيّة لمواجهة هذا التحوّل، وعن الأسماء التي ستقوده، كما عن طبيعة العلاقة التي ستجمع تلك الأسماء بالنّظام السوري الجديد: أستكون نسخةً مستحدثة من علاقة جميل السيّد بنظام الأسد؟ أم ستُبنى وفق اعتباراتٍ أعمق تُلبّي تطلّعات اللّبنانيين كافّة، وترسّخ أولويّة المصلحة الوطنيّة ومؤسّساتها؟ وهل سترتقي هذه الأسماء لتغدو رقمًا فاعلًا في معادلة المرحلة المقبلة، على نهج رياض الصلح؟