لا يُصدّق العقل ما يحصل في هذه المنطقة. جميع الأطراف يتنافسون على لقب “شمشون” الذي تقول الرواية التوراتية إنّه لم يجد مخرجًا من مأزقه، بعدما فقأت دليلة بصره، سوى أن يدمّر الهيكل فوق رأسه ورؤوس أعدائه. جميعهم يتنافسون على نيل لقب شمشون مع أنّ أحدًا منهم ليس في وضعيته على الإطلاق، لأنّهم قد صنعوا بأنفسهم مآزقهم.
إسرائيل ترفض الاعتراف بحقوق ملايين الفلسطينيين في وطنهم، وشردت ملايين منهم الى مخيمات لاجئين تواطأت الأنظمة العربية ضد إنسانيّتها، باسم “حق العودة”. وفي ضوء إصرارها على المظلومية التاريخية، وجدت أن السلام مقابل السلام ليس أكثر من وهم!
“حركة حماس” التي توهمت بأنّ إيران والتنظيمات الموالية لها، سوف تنظم طوفانًا مليونيًّا، وتنضم إليها، لتحرير الأقصى، بعدما سهرت معها الليالي، لهندسة “وحدة الساحات”. حركة حماس هذه وجدت نفسها، بالنتيجة، وحيدة، وليس أمامها سوى النضال من أجل أن تحقق انتصارًا سلبيًّا، يقوم على إلزام إسرائيل بوقف إطلاق النار في قطاع غزة “الشهيد”.
“الجمهورية الإسلامية في إيران” ظنّت أنّها قادرة على أن تلعب بمصير الشعوب ودولهم، وتبقى فوق خط الأذية. اعتقدت بأنّها تستطيع، دائمًا، أن تُدفّع الآخرين فواتير صراعاتها وحروبها وطموحاتها. لم تعرف أنّ لهذه اللعبة حدودًا، سوف تنتهي، يومًا، بحرب لا تُبقي ولا تذر.
“حزب الله” الذي ظنّ أنّ قدرته على أذية الآخرين تعطيه تفوّقًا عليهم وتهبه السلطة لوضع قواعد الصراعات التي يفتعلها، لم يدفع بمئات من قياديّيه وعناصره الى القتل كما لو كانوا غزلانًا في ميدان صيد، فحسب، بل جرّ الدمار على البلدات والقرى الجنوبية القريبة من الحدود التي وعدها بالحماية والعمران، أيضًا، وها هو يجلب على لبنان المتهالك، أخطار حرب خطرة.
لن نكمل السرد ونصل الى سوريا التي باعها بشار الأسد ليبقى في السلطة، ولا الى العراق التي تتحكم بها ميليشيات إيرانية ولا اليمن اللاهث وراء الموت بدل “فرصة الحياة”.
ما الذي يتوخاه جميع هؤلاء من حر وبهم؟ ما الذي يوعدون به شعوبهم، مقابل تضحياتها؟ أيّ مستقبل يعدّون لهم على الأرض، وهم الذين لا يحدثونهم إلّا على أنها دنيا البلاء والعذاب؟
إنّ تدمير الهيكل، حتى لو سقط على رأس العدو، ومهما كثرت أناشيد المديح بشمشون، لا يعدو كونه …انتحار يائس وبائس ومخدوع !