اكتسبت الكلمة المسهبة التي القتها السفيرة الفرنسية آن غريو مساء امس في قصر الصنوبر لمناسبة العيد الوطني الفرنسي دلالات استثنائية اذ كانت الكلمة الأخيرة لغريو التي تنتهي مهمتها في لبنان في نهاية الشهر الحالي . وحرصت غريو على ان تاتي كلمتها بخلاصات لاذعة وصارمة وساخطة وصريحة في الكثير منها حول تداعيات جهود بلادها في لبنان كما عن الدعم الفرنسي والمساعدات الفرنسية للبنان ومن ثم حول نظرتها الى الوضع المقلق في لبنان . وإذ بدت في غاية الصراحة بقولها ” ان لبنان ليس على ما يرام وان الاستقرار الحالي استقرار خادع ” حذرت من ان “لبنان يخسر وكأنه يتعرض للبتر قواه الحية وشبابه “. واعتبرت ان “ما ينخر لبنان اليوم في الصميم هو الخوف من الاخر” ولكنها اكدت ان “العديد منكم يرفضون الاستسلام وفرنسا أيضا لن تستسلم “. ثم قدمت عرضا لافتا عكس الكثير من النبرة الساخطة وتضمن ما قام به الرئيس الفرنسي منذ ثلاث سنوات “لحشد الجهود وحمل قضية لبنان ودعمه ومن اجل شعب وقع ضحية تسويف حكامه ” واطلقت سلسلة تساؤلات عنوانها ” ما كان ليصبح عليه وضع لبنان اليوم لو ان فرنسا استسلمت ولو ان التزامها الى جانبكم بمساعدة دول صديقة تلاشى وتوقف ؟ ” ومن نماذج الأسئلة التي طرحتها “اين كنتم لو ان فرنسا لم تحتضن مع شركائها قواكم الأمنية وأين كنتم لو ان فرنسا لم تحشد جهود المجتمع الدولي ثلاث مرات متتالية لتجنبكم انهيارا عنيفا تحت وطأة الإفلاس المالي والانفجار في مرفأ بيروت .. ولو لم تهب لدعم مدارسكم كيلا تغلق أبوابها .. ولو ان الشركات الفرنسية قلصت اعمالها وتخلت عن فرق العمل المحلية فيها “.
ثم تناولت غريو مهمة لودريان وأعلنت ان وساطته “خطوة تهدف الى جمع بلدان المنطقة والمجتمع الدولي التي ما زالت تهتم بمستقبل لبنان وقد اصبح وجودها نادرا كما ترمي الى توفير الظروف الضرورية لاقامة حوار هادئ بين افرقاء لا يتحدثون مع بعضهم البعض علما انه يقع عليهم جميعا انتخاب رئيس للجمهورية …“. ( النص الحرفي لكلمة غريو=، في نهاية هذا المقال الإخباري)
لودريان
إلى ذلك، أفادت مصادر فرنسية رفيعة ان المبعوث الرئاسي جان ايف لودريان جاهز لتسهيل الحوار بين الاطراف اللبنانيين عبر ترتيب وتسهيل الحوار وانه مستعد لترتيب مثل هذا الحوار بعد الاستماع الى جميع القوى السياسية في لبنان . وهو قام بزيارة السعودية لاستشارة المسؤول عن الملف اللبناني المستشار نزار العلولا وطلب مساعدته ثم سيشارك في الاجتماع الخماسي في الدوحة الاثنين المقبل للاستماع الى اراء ممثلي الدول الخمس المشاركة وما اذا كانت تشجع اجراء حوار بين القوى اللبنانية . وقد عرض لودريان قبل سفره الى الرياض بعض افكاره على الفريق الرئاسي الفرنسي المتابع للملف اللبناني ولكن لم يتم حسم الموضوع بعد لان البعض يعتبر انه سبق لفرنسا ان نظمت حوارا للافرقاء اللبنانيين في سان كلو عندما كان الاتصال مقطوعا بين الاطراف اللبنانيين فيما اليوم الاتصال بين الاطراف ليس مقطوعا والبعض يشكك في نجاح مثل هذا الحوار وتبعا لذلك ينتظر لودريان نتائج اجتماعاته الاقليمية والدولية في قطر لحسم توصياته النهائية ورفعها الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون . وقالت المصادر الفرنسية نفسها ان ما تتمناه فرنسا للبنان هو انتخاب رئيس يلتزم ببرنامج واضح مع حكومة يمكنها السير في الاصلاحات ، وانه اصبح واضحا اليوم ان سليمان فرنجية رئيس تيار “المردة” ليس لديه اصوات الاغلبية كي يصبح رئيسا كما ان اي مرشح آخر لم يحصل على الاصوات لينتخب وينبغي على “حزب الله ” ان يستعيد هامش تحرك للانتقال والتحرك لاعادة فتح المسار . ولكن المصادر تساءلت هل تحل الامور اذا تحرك “حزب الله” ثم عارض رئيس “التيار الوطني الحر”جبران باسيل مثلا انتخاب قائد الجيش جوزف عون ؟ واستنتجت المصادر ان الانقسامات بين الاحزاب اللبنانية مخيبة لمن يريد مساعدة البلد على الخروج من ازمته .
من جانب آخر، ووفق “النهار” علقت المصادر الفرنسية الرفيعة على موضوع عودة النازحين السوريين في لبنان الى بلدهم فقالت ان الموقف الفرنسي هو ان عودتهم مرتبطة بحصولهم على ضمانات عبر الامم المتحدة وبعودة طوعية بشروط انسانية آمنة لكي لا يتعرضوا الى قمع او سجن من النظام .
كلمة غريو
جاء في نص كلمة السفيرة غريو الآتي: “في هذا اليوم، الرابع عشر من تموز 2023، الذي يصادف آخر إحتفال لي بالعيد الوطني الفرنسي كسفيرة لفرنسا في لبنان، ألمُس قوّة الرابط الذي يجمعنا. أشعر به في أعماقي، بعد ثلاث سنوات أمضيتها إلى جانبكم، والطريق الطويل الذي قطعناه سويّاً في ظروف إستثنائيةّ للغاية. ولكن يجب أن أقول لكم إنني ألمس أيضاً، وبكلّ رهبة، حجم التحديّات التي ما زال ينبغي تخطّيها لكي يستعيد لبنان المكانة التي يجدر به أن يشغلها في الشرق الأوسط وإزاء شركائه وأصدقائه .
أذكر وصولي، في الأيام الأولى من تشرين الأول 2020، إلى بيروت المدمَّرة، إلى لبنان الذي كان آنذاك طريح الأرض. إكتشفتُ حينئذ دولة غائبة، وهي كانت غائبة وما زالت. وفي الوقت نفسه، إكتشفتُ قدرة الشعب الهائلة على الصمود، وهي قدرة تميزّ بها اللبنانيون في المقام الأوّل ولكن أيضاً الفرنسيون الذين لم يتركوا هذا البلد أبداً وما زال قلبهم ينبض على وقع نبض قلوب اللبنانيين. إكتشفتُ كذلك تفاني الجيش وقوى الأمن الداخلي وفرق الإطفاء، والطاقة المذهلة التي يتمتعّ بها المجتمع المدني. وقد كانت طاقة مُعدِية…
إذ إنني أذكر أيضاً حشد جهود فرنسا والفرنسيين من أجل لبنان. ما زلت أرى قصر الصنوبر وميدان سباق الخيل وقد تكدسّت فيهما الحاويات والمعداّت والمواد الأساسيّة، التي تمّ شحنها عبر البحريّة الفرنسية وسُفننا التجاريّة. كما كانت الهبات تتدفقّ من كافة الشركات الفرنسية المتواجدة في لبنان.
هذه الإندفاعة ال تضامنيّة غير المعهودة -وأنا أشددّ على هذا التوّصيف- من شأنها أن تذكّر أولئك الذين ما زالت تراودهم الشكوك، بأنّ فرنسا تقف دوماً إلى جانب اللبنانيين عندما يحتاجون إليها .
أستطيع أن أشهد على أنّه لم يمضِ يوم واحد، منذ ثلاث سنوات، إلّّ وسُئلتُ فيه عن كيفيةّ مساعدتكم، وهذه الأسئلة كانت تطُرَح عليّ من قبل التجمّعات المحليّة في فرنسا والنوّاب والجمعيّات ووزيرة خارجيتّنا، لّ بل كافة الوزراء، ورئيس الجمهورية بالطبع.
لم يمضِ يوم واحد، منذ ثلاث سنوات، إلّّ وشعرت فيه بِوَقع كلمات الجنرال ديغول حين قال إنّ “مجرّد لفظ إسم لبنان يحرّك في قلب كلّ فرنسيّ جدير بهذا الإسم مشاعر مميزّة وفريدة”. و أنا أعرف اليوم ما يحرّكه فيّ إسم لبنان من مشاعر لّ سيمّا أنّ هذه الصوَر واللقاءات كلهّا لن تفارقني أبداً.
وما زلت أذكر رباطة جأش ورصانة عائلات ضحايا إنفجار الرابع من آب على الرغم من ألمها البالغ. وقد جاءت لمقابلتي كي تطالب بالعدالة لأحبّائها. أريد أن أقول لها إنّ فرنسا لّ تنسى .
كما أذكر، في خضمّ هذه الفوضى، أولى أحاديثي معكم. لقد شاركتموني تطلعّاتكم وشكوكم وإحباطكم وآمالكم، بما في ذلك مشاعركم وتوقعّاتكم هذه تجاه فرنسا. بإسم العلاقة التي نسجتهُا معكم، وهي علاقة صادقة وبسيطة وصريحة، أودّ مجددّاً أن أخاطبكم كصديقة. ولكنّني سأفعل ذلك بكلّ تواضع، بصفتي ديبلوماسيّة خدمت في جميع القارّات، وتعرف جيّداً أن ما من بلد -وفرنسا في ذلك شأنها شأن البلدان الأخرى- يمكنه أن يتجنّب معارضات و توترّات قد تكون عنيفة في بعض الأحيان إلى حدّ تهديد تماسكه .
إنطلاقاً من هذا الشعور، أقول لكم، يا أصدقائي الأعزّاء، إن لبنان ليس على ما يرام. يطيب للبعض أن يعتقدوا اليوم أنّه تمّ تجاوز الأزمة. غير أنّ الّستقرار الحالي إستقرار خادع. إذا ما وضعنا جانباً المساعدات الكبيرة التي تقدمّها الجالية اللبنانية والمجتمع الدولي، ما هو السبب الكامن وراء هذا الّستقرار الظاهري؟ السبب هو الّقتصاد غير الرسمي الذي يت مددّ ويتعمّم. والأمر المقلق هو أنّ هذا الّقتصاد يتغذىّ من الترسيخ المتزايد لعمليّات التبييض وللجريمة المنظّمة التي تنتشر في كافة أنحاء المشرق، بدفع من سوريا التي أصبحت “دولة مخدرّات”. ينبغي قول ذلك علانية ومحاربته. أمّا نموذجكم المالي والإقتصادي فقد بات مُنهَكاً .
وهذا ما يزيد التقدير والإعجاب بعمل الموظّفين المتفانين في الإدارات العامة -والعديد منكم حاضرون اليوم هنا - الذين يواصلون مزاولة عملهم لقاء أجر زهيد للغاية، وهم في ذلك أشبه بالدعائم التي تسند ما تبقّى من مؤسسات الدولة وترفض تحللّها. ولكن إلى أي حدّ ستصمدون ؟
إن لبنان يخسر، وكأنّه يتعرّض للبتر، قواه الحيّة وشبابه الذين يغادرونه بحثاً عن آفاق أكثر رأفة بهم لأنهم ضاقوا ذرعاً بأن تتمّ التضحية بهم على مذبح الإبقاء على نظام غير قادر على أن يتجددّ.
إذا ما وضعنا جانباً الإستخفاف والزبائنيّة والإتجار غير المشروع والفساد، ما الذي ينخر لبنان اليوم في الصميم؟ إنه الخوف. الخوف من الآخر، فهذه أشباح النزاعات التي ما زالت تطارد أولئك الذين خاضوا هذه النزاعات والذين قد تتملكّهم الرّغبة بأن يطلقوا شرارتها من جديد لتجتاح ألسنة اللهب المجتمع اللبناني. غير أنّ الخوف الذي ينتاب اللبنانيين الذين قابلتهم هو قبل كلّ شيء الخوف من عدم العثور على الدواء لفردٍ من العائلة مصاب بالسرطان والخوف من عدم التمكّن من تسديد قسط ولدٍ في المدرسة أو من تأمين القوت له.
أنا أصغي بالطبع إلى هذه المخاوف الوجوديّة التي تبوحون لي بها بثقة خلال لقاءاتنا. ولكن يجب التصديّ لها من خلال حلول مستدامة. يقول لي البعض إن الوقت قد حان لإعادة النظر بالتنظيم المناطقي للبنان، على سبيل ذكر مسألة يتمّ التداول بها اليوم. وأنا أجيبهم بأنّه ينبغي البدء بتطبيق اللامركزية التي نصّ عليها إتفاق الطائف !
وأودّ أن أذكّر بما أنتم تعرفونه حقّ المعرفة: ما من بلد يسَعهُ أن يهرب من جغرافيتّه الخارجيّة أو من خريطته الداخليّة. ورسالة لبنان منذ البدء تقضي بأن يكون بوّابة بين الشرق والغرب، تطلّ على البحر الأبيض المتوسط وعلى جبله، وبأن يكون مساحةً للتعايش بسلام بين جميع الذين وجدوا فيه ملجأ على مرّ تاريخه، ومن أجلهم جميعاً. وهي رسالة جميلة كما أنهّا ركيزة من ركائز هويّتكم. وهي ميزتكم الفريدة في المنطقة ومصدر قوّة هائلة كما أنها ضمانتكم الوحيدة للمستقبل.
هذه المخاوف والنزّعات المؤذية التي تتغذىّ منها تجد تربة خصبة في الأزمة الّقتصادية كما في توقفّ المؤسسات السياسية عن العمل، فما من رئيس للجمهورية منذ تسعة أشهر كي يسُمع صوت لبنان على الساحة الدول ية علماً أن بلدكم غاب عن الأجندة الدولية في حين أن الشرق الأوسط يشهد تطوّرات كبرى، والحكومة لّ تعُنى إلّّ بتصريف الأعمال، والبرلمان لم يعدُ يشرّع. إنّه شلل مميت بالنسبة إلى لبنان واللبنانيين .
ولكنني أعرف أنّ العديد منكم يرفضون الإستسلام. وأنا أقول لهم: فرنسا أيضاً لن تستلم.
منذ ثلاث سنوات، لم يكفّ رئيس الجمهوريّة عن حشد الجهود وحمل قضيّة لبنان ودعمه، وتجنيد طاقاته من أجل لبنان ومن أجل شعبٍ وقع ضحيّة تسويف حكّامه .
كنّا وما زلنا حاضرين على كافة الجبهات، على الرغم من كلّ شيء، ونحن نقوم بذلك بكلّ وعي وإدراك، ولكن أيضاً بكلّ نبُل، فاللبنانيّون يستحقوّن نبُل القلب. أنتم تستحقّونه فعلاً.
ما كان ليصُبح عليه وضع لبنان اليوم لو أنّ فرنسا إستسلمت، ولو أنّ إلتزامها إلى جانبكم، بمساعدة من دول صديقة، تلاشى وتوقفّ ؟
أين كنتم اليوم لو أنّ فرنسا لم تحتضن، مع شركائها، قواكم الأمنية؟ لو أنّ قوات اليونيفيل، التي تضمّ 700 عسكري فرنسي -وأنا أوجّه لهم تحيةّ تقدير وثناء- لم تكن تؤمّن الّستقرار في جنوب لبنان ؟
أين كنتم اليوم لو أنّ فرنسا لم تحشد جهود المجتمع الدولي ثلاث مرّات متتالية لتجنّبكم إنهياراً عنيفاً تحت وطأة الإفلاس المالي وتدهور الليرة والإنفجار في مرفأ بيروت؟
أين كنتم اليوم لو أنّ فرنسا لمّ تهبّ على وجه السرعة لدعم مدارسكم كَيلا تغلق أبوابها، لّ سيمّا المدارس الخاصّة، والمسيحيّة منها بشكل خاص، التي تستقبل حوالي ثلثي التلاميذ اللبنانيين ؟
أين كنتم اليوم لو لم تساهم فرنسا في تمويل عمل المستوصفات والمستشفيات وبرامج الأمن الغذائي كي يستمرّ اللبنانيّون الذين يعانون من الأزمة بالحصول على رعاية صحّيّة ذات جودة وتغذية صحيحة ؟
أين كنتم اليوم لو لم تحافظ فرنسا على مساحات لحريّة التعبير والإبتكار والنقاش واللقاء عبر إعادة إطلاق مهرجانات الكتاب والسينما والموسيقى في جميع أنحاء لبنان؟
أين كنتم اليوم لو أنّ الشركات الفرنسية قلّصت أعمالها وتخلّت عن فرَِق العمل المحليّة فيها؟ لو أنّ بعض الشركات الفرنسية العالمية لم تراهن على لبنان لكي يكون لكم على الأقلّ مرفأ يستأنف نشاطه وإمكانيّة الحصول يوماً على موارد غازيةّ، في حين لم يعدُ أيّ مستثمر دولي يؤمن بلبنان “كعلَامة فارقة” بالمعنى الإقتصادي للكلمة ؟
فرنسا لّ تؤمن بعلامة فارقة بل تؤمن بلبنان وباللبنانيين. وحتىّ لو بدا أنّ الوضع يدفع إلى اليأس، نحن مقتنعون بأنّه ليس ميؤوساً منه. فما من مسار لّ يمكن عكسه. وما من قدر محتوم. أقول لكم إنّ الأمر يتوقفّ الآن عليكم. إذ يمكنكم، في لحظة يقظة جماعيةّ، أن تطلقوا العنان للتغيير، كلّ في نطاق دوره ومجاله. وأنا أعرف ذلك لأنني تجوّلت في هذا البلد من أقصاه إلى أقصاه، وغالباً في مناطق لم يعد أحد يزورها، حيث رأيت العديد من النساء والرجال الذين يرفضون الإستسلام .
خلال كافّة زياراتي الشهريةّ إلى مناطقكم، من منجز إلى مرجعيون، من طرابلس إلى صور، من عرسال إلى تبنين، من بيروت إلى بعلبك، من القبيات إلى جزين، من الهرمل إ لى النبطية، من بشرّي إلى دير القمر، من زغرتا إلى زحلة، من القصر إلى راشيا، من جونية إلى صيدا، من حلبا إلى عنجر، من بسكنتا إلى حاصبيا، من الهرمل إلى الناقورة …في كافة المجتمعات، حيث ندعم مدرسة أو مركزاً للشباب أو مستشفى أو مطعماً تضامنيّاً أو تعاونية زراعية للنساء أو مركزاً ثقافياًّ، إلتقيت بلبنانيات ولبنانيين، مدنيين أو رجال دين، من روّاد الأعمال أو العسكريين أو المسؤولين المنتخَبين، وجميعهم يحملون مشاريع ومواهب ويتحلّون بالشجاعة. ورأيت أشخاصاً يتوقون إلى العيش بسلام في بلادهم، وقد عرفوا كيف يطوون صفحة الحرب. وهم يرفضون الخضوع مقابل حماية يتمّ التفاوض عليها، ويريدون فقط أن يحظوا بحماية دولة القانون والعدالة الحقّة وأن يعيشوا في جوّ من الإحترام لكرامتهم ومعتقداتهم، ويريدون تربية أولّدهم على الفكر الحرّ والتسامح والمعرفة، بعيداً عن التلقين والإيديولوجيّة. وصدقّوني إذ أقول لكم إنهم كثيرون للغاية وقد عقدوا العزم على تغيير الوضع.
واليوم، أودّ أن أتوجّه بتحيّة خاصّة إلى نساء هذا البلد. أنتنّ جميعكنّ بطلات الظلّ العزيزات، فأنتنّ تحملن الكتاب أو المِعوَل بينما يحمل آخرون السلاح، وأنا أقول لكُنّ إنّ التغيير سوف يمرّ عبركنّ. لذلك إنّ فرنسا والإتحاد الأوروبي سيواصلان دعمكنّ في هذا النضال الذي ما زال ينبغي عليكنّ خَوضه من أجل المساواة في الحقوق.
إنّ الخطوة التي قام بها رئيس الجمهورية عبر إقتراح وساطة جان-إيف لودريان، إنمّا تتوجّه إليكم، وإلى لبنان هذا بالذاّت. هي خطوة تهدف إلى جمع بلدان المنطقة والمجتمع الدولي التي ما زالت تهتمّ بمستقبل لبنان، وقد أصبح وجودها نادراً. كما ترمي إلى توفير الظروف الضرورية لإقامة حوار هادئ بين فرقاء لّ يتحدثّون مع بعضهم البعض علماً أنه يقع على عاتقهم جميعاً إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة ليعملا لمصلحة لبنان واللبنانيين. الهدف ليس الحلول مكانهم بل محاولة مواكبة إعادة إطلاق عجلة مؤسساتكم، فهذا شرط مسبق لّ بدّ من توافره لكبح إنهيار لبنان ودولته.
مواطنيّ الأعزّاء ،
منذ ثلاث سنوات، تضافرت جهودنا ضمن روحيّة العمل كفريق فرنسي واحد، التي أرسيناها بناءً على قناعة راسخة بأنّ وحدتنا تزيدنا قوّة، نحن جميعنا معاً، أي الشركات والجمعياّت والأساتذة والمتطوّعين، فقد وجدتكم إلى جانبي في كلّ حين، بسخائكم ومثابرتكم، في خدمة لبنان واللبنانيين وفي خدمة الفرنسيين في لبنان .
أقول ذلك على مسمع نائبتنا، السيدة أميليا لّكرافي، التي يشرّفنا حضورها معنا اليوم كعربون صداقة: كان العمل معكم مصدر فخر وإعتزاز عظيمين بالنسبة إليّ. إنكم ترفعون عالياً راية فرنسا والقِيَم الجمهوريّة أي الحرية والمساواة والأخوّة التي نحتفي بها اليوم. أتقدمّ منكم بتمنيّاتي الحارّة لمناسبة العيد الوطني، حيث نستقبل كذلك بيننا أربعين شخصاً حصلوا على الجنسية الفرنسية في العام 2023.
مع مستشاري الفرنسيين في الخارج، الذين أوجّه إليهم أحرّ التحيّات، ومع قنصلنا العام، وبفضل المساهمة الثابتة من قبل جمعيّاتنا، لّ سيمّا الجمعيّة الخيريةّ الفرنسية، من دون أن أنسى دعمكِ الكريم، يا سعادة النائبة، سوف نواصل العمل من أجلكم ومن أجل أحبّائكم.
ويبقى أمنكُم همّنا الدائم. وهذا أيضاً عمل جماعيّ مع المسؤولين عن المناطق حسب التوزيع الجغرافي، الذين أحيّي إلتزامهم، ولّ أنسى المساعدة الثمينة التي تقدمّها القوى الأمنيةّ اللبنانيةّ التي أشكرها جزيل الشكر .
مواطنيّ الأعزّاء، أصدقائي اللبنانيين، زملائي الأعزّاء ،
إنّه لفخر عظيم بالنسبة إليّ أنني مثلّت فرنسا وخدمته ا في لبنان خلال هذه السنوات الثلاثة الّستثنائية والحافلة بالتحديّات على مختلف الأصعدة. وأنا ممتنّة من أعماق القلب لرئيس الجمهورية ووزيرة الشؤون الخارجية وأوروبا على الثقة التي منحاني إيّاها. لقد عملتُ من دون كلل أو ملل مع حافز كبير قدمّه لي فريق العمل الّستثنائي في السفارة والقنصليّة وقصر الصنوبر، وأريد اليوم أن أوجّه إليه تحيّة من القلب. لقد قمت بذلك وأنا أفكّر بكم جميعكم وجميعكنّ.
ببالغ التأثرّ، أعرب لكم اليوم عن فائق الإمتنان والإحترام والشكر لكلّ ما عشناه وما فعلناه معاً من أجل لبنان واللبنانيين والفرنسيين في لبنان. سأحملكم في قلبي وسأواصل العمل، كلمّا إستطعت إلى ذلك سبيلاً، لإحياء هذا الرابط الفريد الذي لّ يتزعزع والذي يجمع بشغف ما بين بلدينا.
أيها الأصدقاء الأعزّاء، إلى اللقاء لكُنّ ولكم جميعاً .
عاشت فرنسا! عاش لبنان! عاشت الصداقة الفرنسية-اللبنانية!“.