قالت مصادر مطلعة إن السعودية والإمارات تضغطان على حلفائهما في أوروبا لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة السورية وتخفيف العقوبات.
ونقلت وكالة “بلومبرغ” عن المصادر القول إن “المسؤولين السعوديين والإماراتيين مارسوا ضغوطا على نظرائهم في الاتحاد الأوروبي وعلى مستويات مختلفة لعدة أشهر”.
وأضافت الوكالة أن المسؤولين في البلدين “أشاروا إلى أن التحركات الدبلوماسية لإنهاء الصراع المستمر في سوريا منذ 12 عاما لم تعد مجدية ما لم يتم تخفيف العقوبات للمساعدة في إنعاش الاقتصاد السوري المنهار”.
وأكد المسؤولون أيضا أن “التعافي الاقتصادي قد يجذب ملايين اللاجئين السوريين إلى وطنهم، مما يخفف الضغط على الدول المجاورة التي تستضيفهم مثل لبنان والأردن”.
الوكالة ذكرت أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان موجود حاليا في فرنسا ومن المقرر أن يلتقي بالرئيس إيمانويل ماكرون يوم الجمعة.
وبينت أنه “في حين من غير الواضح ما إذا كان الملف السوري سيكون جزءا من مناقشاتهما، إلا أن الرئاسة الفرنسية أعلنت أن المباحثات ستشمل ملفات شرق أوسطية ودولية”.
وأشارت “بلومبرغ” إلى أن م تحدثين رسميين باسم الحكومتين السعودية والإماراتية لم يردوا على الفور على طلبات التعليق.
بالمقابل استبعدت دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية بما في ذلك فرنسا وألمانيا إعادة العلاقات مع سوريا، قائلة إنها لن تكافئ نظاما متهما بقتل شعبه.
وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في تصريحات له خلال مؤتمر للمانحين في سوريا عقد في بروكسل الخميس إن “الظروف غير مواتية ليغيّر الاتحاد الأوروبي سياسته بشأن سوريا” في ظل غياب “إصلاحات سياسية حقيقية” في البلد.
وأوضح أن الاتحاد الأوروبي سيُبقي على عقوباته على نظام الأسد ولن يدعم عودة السوريين إلى بلدهم ما لم تكن عودة “طوعية” وآمنة وخاضعة لمراقبة مجموعات دولية.
في هذا الوقت، تحت عنوان “إعادة إعمار سوريا موضوع ابتزاز جديد لبشار الأسد”، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن “الديكتاتور” السوري، العائد إلى اللعبة الدبلوماسية الإقليمية، يحاول استغلال رغبة جيرانه في إعادة إعمار البلاد لصالحه، لا سيما من خلال استغلال مسألة عودة اللاجئين.
وأضافت الصحيفة القول إن الرئيس بشار الأسد يسعى الآن، بعد خروجه من عزلته الإقليمية بفضل إعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية في مايو، إلى جني ثمار إعادة تأهي له، موضحة أن الأخير يمتلك مصدرين رئيسيين: تهريب الكبتاغون، الأمفيتامين الذي تغرق سوريا به المنطقة؛ وعودة اللاجئين، الأمر الذي يؤثر سلباً على اقتصاد جيران سوريا. ويعد الأسد ببادرة بشأن هذه الملفات، التي تعد أولويات القادة العرب، مقابل دعم ممالك النفط في الخليج لإعادة إعمار سوريا، الذي شدد رئيس الدبلوماسية فيصل المقداد عشية قمة جدة في 18 مايو على أنه بدونه فإن عودة اللاجئين غير ممكنة.
واعتبرت “لوموند” أن تبادل الأخذ والعطاء هذا من نظام هو المهندس الرئيسي للدمار الذي خلفته اثني عشر عامًا من الحرب – حوالي واحد من كل خمسة منازل دمّرت، والنقل والصناعة والكهرباء والصحة اهتزت، أكثر من 90 في المئة من السكان تحت خط الفقر، وفقًا للأمم المتحدة، يبدو مثل الابتزاز.
تراهن دمشق على مصلحة السعودية في استقرار سوريا في خطتها لإعادة رسم التوازن الإقليمي. لكن العراب السعودي مقيّد بالعقوبات الغربية، لا سيما تلك التي فرضتها الولايات المتحدة منذ عام 2020 وفقًا لقانون “سيزار” الذي يمنع تمويل إعادة الإعمار، مقابل سماحه فقط بالمساعدات الإنسانية و”مشاريع الإنعاش المبكر”. أشار رئيس الدبلوماسية السعودية، الأمير فيصل بن فرحان، في جدة يوم 19 من شهر مايو الماضي، إلى أن الرياض تريد الدخول في حوار مع شركائها الغربيين بشأن خفض العقوبات أو حتى رفعها.
وأوضحت “لوموند” أنه في واشنطن كما في بروكسل، لم يتغير الموقف: لن يكون هناك تطبيع مع دمشق ولا رفع للعقوبات ولا إعادة إعمار بدون حل سياسي للصراع، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254. يبدو أن الكونغرس الأمريكي ملتزم بتجديد قانون “سيزار” في عام 2024. تم تقديم مشروع قانون من الحزبين في مايو لتعزيز نظام العقوبات هذا. يريد الموقعون عليها التأكد من أن إدارة بايدن، التي تبدو راضية عن الشروط التي وضعتها جامعة الدول العربية على دمشق مقابل التطبيع، لا تقدم أي تنازلات بشأن هذه النقطة لحلفائها الخليجيين، مقابل ضمانات بشأن ملفات إقليمية أخرى.
القلق من “التعافي المبكر” وتابعت “لوموند” القول إنه في المستقبل القريب، وبدون رفع العقوبات، سيتعين على السعوديين أن يفعلوا مثل الإماراتيين: إحضار حقائب نقدية. كما سنشهد تدفقاً للمساعدات الإنسانية و”مشاريع الإنعاش المبكر”.
وتنقل الصحيفة عن دبلوماسي أوروبي، قوله: “إنهم يريدون أن يأخذوا المفهوم إلى أقصى حد ممكن”. وأكد رئيس الدبلوماسية السعودية عزم الرياض دعم هذا النوع من المشاريع. تمت الموافقة على هذه البرامج بقرار من الأمم المتحدة في يوليو عام 2021 بعد ضغوط مكثفة من قبل روسيا، حليف النظام السوري.
في هذا ا لسياق، مولت الإمارات، التي أعادت العلاقات الدبلوماسية مع دمشق عام 2018، إعادة إعمار المستشفيات في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري وتخطط لبناء محطة للطاقة الكهروضوئية بالقرب من العاصمة.
هذه المشاريع، إذا تجاوزت نطاق الطوارئ، فهي بعيدة كل البعد عن تلبية احتياجات إعادة الإعمار في سوريا، والتي قد تصل إلى أكثر من 400 مليار دولار، بحسب الخبير الاقتصادي السوري المقيم في تركيا سمير سيفان، نقلاً عن صحيفة “الغارديان” البريطانية ووكالة الأنباء الأمريكية “أسوشيتد برس”. لكن هناك مخاوف من أن يتحول “التعافي المبكر” إلى صيغة لإعادة الإعمار بشكل مقنع لصالح دمشق.
يتنامى حماس المانحين الدوليين الغربيين لهذه المشاريع، مما يؤجج القلق من استغلالها من قبل النظام السوري. وهم يحتلون مكانة جيدة في المناقشات التي تجري على هامش مؤتمر المانحين في بروكسل يوم الخميس 15 يونيو. منذ زلزال 6 فبراير، أبدت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي استعدادًا أكبر للتدخل في المشاريع الإنسانية ومشاريع “التعافي المبكر”. وما يزال مجال عملهم محدودًا بسبب العقوبات التي تمنع أي تعاون مع الوزارات السورية.
إحجام الأمم المتحدة
ومضت “لوموند” موضحة أنه منذ ربيع عام 2022، أثار برنامج طورته الأمم المت حدة في دمشق، تحت اسم دعم العودة على أساس المناطق، الجدل. ووعد بتمويل هذا النوع من المشاريع مقابل إجراءات تشجع على عودة اللاجئين. وبصرف النظر عن البرنامج الذي تموله إيطاليا، فقد لاقى نجاحًا ضئيلًا. وقد تعرقل تنفيذ المشاريع بسبب بعض التردد من الأمم المتحدة، وكذلك من جانب المانحين الغربيين القلقين من القمع ضد الأشخاص الذين عادوا إلى سوريا والإملاءات التي يفرضها النظام في اختيار المناطق التجريبية. ويمكن للضغط الذي تمارسه الدول العربية من أجل عودة اللاجئين أن يزيل هذا التردد تدريجياً.
ومع ذلك، بين “التعافي المبكر” وإعادة الإعمار الهائل، هناك فجوة قد لا تكون حتى الرياض مستعدة لتجاوزها. السعوديون حذرون ويبحثون عن عائد على الاستثمار. حتى في الدول الحليفة مثل مصر لا يستثمرون بشكل كبير، فلماذا يفعلون ذلك في سوريا؟ يسأل جهاد يازجي، مدير النشرة الاقتصادية سيريا ريبورت.
فبين العقوبات والوجود الإيراني والبيروقراطية والفساد ونقص البنية التحتية والعمالة الماهرة: ما تزال العديد من العقبات أمام الاستثمار في سوريا الأسد، تختتم “لوموند”.