السائح...العنيد!

عندما يتابع المرء الأخبار السياسية والتوقعات الأمنية والإشتباكات “المخيّمية” في لبنان، يتراءى له أنّ المصطافين لن يبقوا في “بلاد الأرز” لحظة واحدة إضافيّة، لكن، سرعان ما يتبيّن وهم هذا التصوّر، إذ إنّ الجميع يلتزمون بجدول سياحتهم المقرّر سابقًا، فتبقى الزحمة على حالها في المناطق “الذهبية” وفي المهرجانات “الجبليّة” وفي المطاعم المخمليّة!

ما سرّ ذلك؟

إنّ قوّة لبنان تكمن في ضعفه، لأنّ من يقصدون لبنان للإصطياف فيه، يأخذون في الإعتبار أنّهم يختارون بلدًا يعيش في المشاكل، فهم، منذ تشكّل وعيهم، يعرفون أنّه لم يمرّ يوم واحد على خير، وتاليًا، فالشرور التي يحكى عنها ستمر، بالنسبة لهم، على خير!

ولذلك، فزوّار لبنان، سواء في الصيف أو في الأعياد، يبتعدون ما أمكن عن متابعة وسائل الإعلام ونشرات أخبارها، والمواقع الإلكترونية و”قلق خبرياتها” وتصريحات السياسيّين وصراعاتهم الأبدية!

وليس منّا من لم يسمع، أقلّه، مرّة واحدة في العمر مغتربًا يقول له: ” عندما أكون خارج لبنان أعرف كل شاردة وواردة فيه، ولكن عندما أكون فيه لا أعود أعرف شيئًا”.

إنّ السائح، بطبيعته، أنانيًّا، فهو لا يقصد بلدًا، من أجل إحداث تغيير فيه، ولا من أجل أن يندمج في مشاكله، ولا من أجل استشراف مستقبله، بل من أجل أن يروّح عن نفسه ما أمكن، قبل أن يعود الى روتينه المرهق.

ولبنان، مهما كانت مشاكله عميقه، ونظرًا لعمق خبرته في السياحة، يعرف أن يقدّم ما يلزم من خدمات مميّزة لفئة “الأنانيّين”، فإذا احتدمت جنوبًا يلفت انتباههم الى الشمال، وإذا اضطربت شرقًا يستميلهم إلى الغرب!

وما يصح على غالبية زوّار لبنان يصح على من زاروه من الدول الخليجية، حتى بعد صدور التعليمات والتحذيرات من دولهم، لأنّهم، من الأساس، عندما قصدوا لبنان كانوا قد تجاوزوا المنع والتحذير.

يمكننا أن نقول الكثير عمّا يحصل في لبنان، أمنيًا وسياسيًّا وسياديًّا، ولكنّ كل ذلك لن يؤثّر على صيفه، طالما بقيت بقعة واحدة فيه قادرة على استقطاب آمن للمصطافين!

في ظلّ اللعنات الساقطة على لبنان، فهذه الظاهرة هي …نعمة!