في لبنان، لا يمكن أن تكون الأمور كما تظهر عليه. هذه خلاصة لا يجادل أحد بصحّتها، فهي، ولو كانت في بعض الأحيان خاطئة، إلّا أنّ أحدًا لا يريد أن يُصدّق غيرها. وهذا تحديدًا ما ينطبق على بيانات التحذير التي اصدرتها دول مجلس التعاون الخليجي، تباعًا، وكانت أكثرها قوة دعوة المملكة العربية السعودية رعاياها إلى مغادرة لبنان، فورًا!
من حق متابعي الشأن اللبناني أن يطرحوا أسئلة كثيرة عن “الأبعاد الحقيقية” لهذا “الإنذار” السعودي، إذ لم يتزامن فقط مع الإشتباكات الخطرة التي حصلت بين الفصائل الفلسطينية في مخيّم “عين الحلوة”، بل جاء، أيضًا في ضوء إعادة “حزب الله”، خلال “عاشوراء”، إثارة ملفات “إشكالية” تتعلّق بعدد من الدول تتقدّمها اليمن والبحرين، الأمر الذي يعطي لمحة بسيطة عن “عراقيل” تواجه تنفيذ “اتفاق بكين” الذي سبق أن وقعته السعودية وإيران في الصين، في ظل خلاف “مستجد” على ملكية حقل الدرّة الغازي بين الكويت والرياض، من جهة وطهران، من جهة أخرى.
ولم يخلُ التوضيح الذي قدّمه السفير السعودي في لبنان، بعد أيّام من القلق اللبناني الذي تسبب به تحذير بلاده لرعاياها المطلوب منهم أصلًا ، وتحديدًا منذ العام 2012، عدم التوجه الى لبنان، من تعميق هذه الشكوك، إذ إنّ وليد البخاري في موقفه الصادر أمس لم يغيّب في إطار ذكر اشتباكات مخيّم عين الحلوة اجتماعين مهمين ركزا على وجوب تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان، وهما: “خماسية الدوحة”، حيث أصدرت، في 17 تموز/ يوليو الماضي كلّ الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر بيانًا، ولقاء جدة الذي كان قد جمع، في 4 كانون الأول/ ديسمبر 2021، الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وانتهى الى إعلان لمصلحة سيادة الدولة اللبنانية ونزع سلاح الميليشيات وفق مقتضيات القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في العام 2004.
وعليه، فإنّ التحذير السعودي يذهب فعلًا إلى ما هو أبعد من اعتبار اشتباكات مخيم “عين الحلوة” مجرّد مشكلة فلسطينية- فلسطينية أو فلسطينية- إسلامية إذ ترتدي، من وجهة نظر الرياض مشكلة لبنانية سيادية، حيث لا يمكن الركون الى دولة تكتفي بالتعاطي مع أحداث خطرة على أراضيها، من موقع المراقب تاركة المعالجات ليس لدول إقليمية فقط بل أيضًا لمنظمات مسلّحة مشكوك بها وبأدوارها كما هي عليه الحال بالنسبة ل”حزب الله” الذي تحوّل أمينه العام حسن نصرالله إلى مرجعية لكل الأطراف المعنية بإطفاء الإشتباكات العنيفة في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
في زمن سابق كانت كلّ هذه التوجهات الإقليمية “بسيطة”، بسبب قدرة لبنان على الإستدانة، وتاليًا على إرجاء الإنهيار المالي والإقتصادي، ولكن “زمن أوّل تحوّل” إذ أصبحت حاجة لبنان، وفق التقديرات العالمية، ماسة إلى مجلس التعاون الخليجي عمومًا وإلى المملكة العربية السعودية خصوصًا، إذا شاء الخروج من كوارثه الوجودية.
ويبدو واضحًا أنّ المجتمع الدولي لا يبدي أيّ استعداد للوقوف الى جانب لبنان، إن لم يحزم أمره ويسعى، بالفعل( وهذا غائب) لا بالشعارات( وهذه وفيرة) ، إلى استعادة سيادته المهدورة بسلاح فلسطيني هنا وبسلاح إيراني في كل مكان.
وسوف يب قى لبنان، عرضة لصدمات كثيرة، إذا لم تجتمع المنظومة السياسية فيه على هدف واحد: إحتكار السلاح !
التحذير السعودي بهذا المعنى يتمحور فعلًا حول اشتباكات مخيم “عين الحلوة”، وهنا يكمن خطره، لأنّه يقول للبنانيّين: نحن لا نضع أمن رعايانا في عهدة دولة عاجزة عن وضع اليد على جوهر وجودها: السيادة!