ظهورعلم أبيض مكتوب عليه الشهادتان إلى جانب العلم الذي ترفعه المعارضة، في سيناريو مشابه لذلك الذي ظهرت به حكومة طالبان بعد استعادة الحكم بعد نحو 20 عاما من اطاحة نظامها من قبل تحالف دولي قادته الولايات المتحدة
الراية التي وضعها رئيس الحكومة السورية الإنتقالية في خلفية صورته مماثلة لعلم “الإمارة الإسلامية” الذي اعتمدته طالبان بعد 8 أشهر من عودتها الى السلطة في أفغانستان
تسود مخاوف لدى السوريين والمجتمع الدولي من أن تنحرف هيئة تحرير الشام الفصيل الأقوى الذي يمسك حاليا بزمام الأمور ويدير العملية السياسية ويحضر لعملية انتقالية، عن الوعود التي قطعتها بعد الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد.
وثمة مؤشرات قوية تجعل من هذه المخاوف مشروعة بداية بظهور لافت للهيئة وقادتها على الساحة وغياب رموز باقي فصائل المعارضة السياسية وصولا إلى ظهور علم أبيض مكتوب عليه الشهادتان إلى جانب العلم الذي ترفعه المعارضة، في سيناريو مشابه لذلك الذي ظهرت به حكوم ة طالبان بعد استعادة الحكم بعد نحو 20 عاما من اطاحة نظامها من قبل تحالف دولي قادته الولايات المتحدة.
وتفرض إدارة العمليات العسكرية في سوريا بقيادة أحمد الشرع سلطتها على الدولة السورية بنفس السرعة الخاطفة التي سيطرت بها على البلاد، ففي غضون أيام قليلة نشرت شرطة وسلمت السلطة لحكومة مؤقتة وعقدت اجتماعات مع مبعوثين أجانب، مما يثير مخاوف بشأن ما إذا كان حكام دمشق الجدد سيلتزمون بعدم إقصاء أحد.
ومنذ أطاحت هيئة تحرير الشام تحت قيادة الشرع وبدعم تحالف من قوات معارضة ببشار الأسد من السلطة يوم الأحد، انتقل موظفوها الذين كانوا حتى الأسبوع الماضي يديرون إدارة إسلامية في زاوية نائية من شمال غرب سوريا إلى مقر الحكومة في دمشق.
وكان تعيين محمد البشير رئيس حكومة هيئة تحرير الشام في إدلب رئيسا للحكومة السورية المؤقتة يوم الاثنين بمثابة تأكيد على مكانة الهيئة باعتبارها الأقوى بين الفصائل المسلحة التي حاربت لأكثر من 13 عاما لإنهاء عهد الأسد الذي حكم بقبضة من حديد.
ورغم أن الهيئة كانت تابعة لتنظيم القاعدة قبل فك الارتباط معها عام 2016، فقد نجحت في طمأنة زعماء العشائر والمسؤولين المحليين والسوريين عموما خلال زحفها إلى دمشق بأنها ستحمي الأقليات وقد حظيت بدعم واسع النطاق. وساعدت هذه الرسالة في تسهيل تقدم مقاتلي المعارضة. ويكرر الشرع، المعروف بأبو محمد الجولاني، الرسالة نفسها منذ الإطاحة بالأسد.
وفي مكتب محافظ دمشق، حيث الجدران المزينة بالخشب المطعم والزجاج الملون، قلل مسؤول تم جلبه من إدلب لتولي المسؤولية من شأن المخاوف من أن سوريا تتجه نحو حكم إسلامي.
وقال محمد غزال وهو مهندس مدني يبلغ من العمر 36 عاما ويرتدي نظارة طبية ولديه لحية كثيفة ونشأ في الإمارات ويتحدث الإنكليزية بطلاقة “لا يوجد شيء اسمه الحكم الإسلامي. في النهاية، نحن مسلمون ومؤسساتنا أو وزاراتنا مدنية”، مضيفا “ليس لدينا أي مشكلة مع أي عرق أو دين. ومن صَنع المشكلة هو النظام (السابق بقيادة الأسد)“.
ورغم ذلك، فقد ساور البعض القلق من الطريقة التي اتبعتها هيئة تحرير الشام في تشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة، من خلال استقدام كبار الإداريين من إدلب. وقالت أربعة مصادر من المعارضة وثلاثة دبلوماسيين لرويترز إن لديهم مخاوف إزاء شمول العملية حتى الآن.
وقال البشير إن حكومته ستبقى في السلطة حتى مارس/آذار فقط، إلا أن هيئة تحرير الشام التي لا تزال مصنفة جماعة إرهابية لدى الولايات المتحدة وتركيا وحكومات أخرى لم تفصح بعد عن التفاصيل الرئيسية للعملية الانتقالية.
وقال الشرع في تصريح لرويترز أمس الأربعاء إنه سيحل قوات أمن النظام المخلوع ويغلق سجونه ويلاحق أي شخص متورط في تعذيب أو قتل معتقلين.
وبينما يحتفل السوريون بسقوط دولة الأسد البوليسية الوحشية، أعرب البعض عن مخاوفهم بشأن المستقبل.
وأعرب وسام بشير (28 عاما)، متحدثا في مقهى بدمشق، عن قلقه “بسبب الأشياء التي أراها… مثل الحكومة الجديدة وانتشار أعلام إسلامية”.
وعندما تولى منصبه هذا الأسبوع، ظهر وراء البشير علمان، العلم الأخضر والأسود والأبيض الذي رفعه معارضو الأسد طوال الحرب الأهلية، وعلم أبيض مكتوب عليه الشهادتين باللون الأسود، وهو عادة ما يرفعه المقاتلون الإسلاميون السُنة في سوريا.
وظهر العلم الوطني السوري فقط خلفه في مقابلة أجرتها معه قناة الجزيرة أمس الأربعاء.
وقال زكريا ملاحفجي أمين عام الحركة الوطنية السورية والذي عمل في الماضي مستشارا سياسيا للمعارضة في حلب “أنت عم بتجيب من لون واحد، مفروض يكون في تشارك مع الآخرين… هذه الطريقة ليست صحيحة، يعني المفروض القوى السياسية العسكرية والسياسية أن تأتي كلها إلى الطاولة وترتب وتوضع حكومة انتقالية بالتشاور مع الآخرين، هذا يعطي دعم للحكومة”، مضيفا “المجتمع السوري مجتمع متعدد الثقافات، فبصراحة هيك مقلق”.
شأنه شأن آخرين من مسؤولي حكومة الإنقاذ التي كانت تابعة لهيئة تحرير الشام في إدلب وجرى نقلهم إلى دمشق لإدارة هيئات حكومية، قال غزال إنه قدم تطمينات للموظفين وحثهم على العودة للعمل. وقال غزال “إنها دولة منهارة. خراب، خراب، خراب”.
وتتركز أولوياته للأشهر الثلاثة المقبلة في تشغيل الخدمات الأساسية والتقليل من الإجراءات البيروقراطية. كما ستتم زيادة الرواتب، التي يقدَر متوسطها بنحو 25 دولارا في الشهر لتتماشى مع أجور حكومة الإنقاذ الذي يبلغ الحد الأدنى لأجورها 100 دولار في الشهر.
وردا على سؤال حول كيفية تمويل هذا، قال “سوريا دولة غنية للغاية، لكن النظام اعتاد على سرقة الأموال”.
كما يتولى رجال شرطة قدموا من إدلب تنظيم حركة المرور في دمشق، في محاولة لاستعادة الوضع الطبيعي بعد أن أمرت هيئة تحرير الشام الفصائل المسلحة بالخروج من المدينة. وقال أحد المسؤولين الأمنيين الذي لم يذكر اسمه، إن العبء أصبح كبيرا للغاية، مشيرا إلى أنهم كانوا في السابق يقومون بمهامهم في إدلب فقط.
ورغم أن هيئة تحرير الشام هي الأبرز بين الفصائل التي حاربت الأسد، فإن فصائل أخرى لا تزال مسلحة خاصة في المناطق الواقعة على الحدود مع الأردن وتركيا.
وخلال سنوات الحرب، كانت تقع في الكثير من الأحيان صدامات بين فصائل المعارضة مما يترك إرثا من التنافسية والعداء يُنظر إليه على أنه أحد المخاطر العديدة التي تهدد الاستقرار في سوريا ما بعد الأسد.
وقال يزيد صايغ، وهو زميل أول بمركز كارنيجي للشرق الأوسط، إن هيئة تحرير الشام “تسعى بوضوح إلى الحفاظ على الزخم على جميع المستويات”، مضيفا أن أي مجموعة في موقفها، تتولى السلطة من نظام منهار في بلد منهك، ستتصرف بشكل عام بنفس الطريقة.
وأضاف “هناك مخاطر متعددة تكمن في تحديد هيئة تحرير الشام للأولويات ووتيرة ما سيأتي بعد ذلك. أحد هذه المخاطر هو إنشاء شكل جديد من الحكم الاستبدادي، هذه المرة في ثوب إسلامي”.
لكنه ذكر أن تقديراته تشير إلى أن تنوع المعارضة والمجتمع في سوريا من شأنه أن يجعل من الصعب على مجموعة واحدة احتكار النفوذ. وقال إن تركيا، الداعم المؤثر للمعارضة، حريصة أيضا على أن تكون هناك حكومة قادرة على الفوز بالدعم الدولي.
قال مصدر من المعارضة مطلع على مشاورات هيئة تحرير الشام إن جميع الطوائف السورية سيكون لها تمثيل في حكومة تصريف أعمال، موضحا أن من الأمور التي سيتم تحديدها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة ما إذا كان ينبغي أن يكون نظام الحكم في سوريا رئاسيا أم برلمانيا.
واندلعت الثورة السورية ضمن ما يعرف بانتفاضات الربيع العربي عام 2011 التي أطاحت بالحكام المستبدين في مصر وتونس وليبيا واليمن وأعقبتها فترات انتقالية مضطربة وعنيفة في كثير من الأحيان.
وفي مقابلة مع صحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية نُشرت أمس الأربعاء قال رئيس الوزراء البشير “سنبقى حتى مارس 2025 فقط”، موضحا أن الأولويات هي استعادة الأمن وسلطة الدولة وإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى ديارهم وتوفير الخدمات الأساسية.
وعندما سُئل عما إذا كان الدستور السوري الجديد سيكون إسلاميا، قال إن “هذه التفاصيل” سيتم توضيحها خلال عملية صياغة الدستور وذلك قبل أن تعلن غرفة العمليات التابعة للجولاني عزمها تجميد الدستور وحل البرلمان.
وقال محمد علاء غانم وهو ناشط سوري بارز مقيم في واشنطن وعلى اتصال بشخصيات بارزة من المعارضة، إن هيئة تحرير الشام مطالَبة بأن “تتحلى بالذكاء وأن تنفذ الانتقال بشكل صحيح، لا أن يتملكها الغرور وتهيمن بشكل كامل على الحكومة الجديدة”.
وحثت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن هيئة تحرير الشام على عدم تولي القيادة بشكل تلقائي في سوريا، وإنما تبني عملية لا تقصي أحدا لتشكيل حكومة انتقالية، وفقا لمسؤولين أميركيين ومساعد في الكونغرس مطلعين على الاتصالات الأميركية الأولى مع الهيئة.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن الانتقال في سوريا يجب أن يؤدي إلى “حكم موثوق وشامل وغير طائفي” بما يتفق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254.
ويدعو هذا القرار الذي تمت الموافقة عليه في عام 2015، إلى عملية بقيادة سورية تتولى الأمم المتحدة تسهيلها، والتأسيس لحكم غير طائفي في غضون ستة أشهر وتحديد جدول زمني لعملية صياغة دستور جديد. كما يدعو إلى انتخابات حرة ونزيهة.
وقال دبلوماسي في دمشق إن هيئة تحرير الشام هي الفصيل الوحيد الذي يجتمع مع البعثات الأجنبية، مضيفا “نحن قلقون، أين كل قادة المعارضة السياسية؟ سيكون وجودهم هنا بمثابة إشارة رئيسية، لكنهم ليسوا هنا”.
وذكر دبلوماسي ثان أن هيئة تحرير الشام نقلت رسائل جيدة إلى الجمهور، لكن النطاق الذي كشفته الأيام الماضية لمدى تضمين الجميع في هذه المرحلة جاء مثيرا للانزعاج. ويجب أن يكون تعديل الدستور، على وجه الخصوص، عملية شاملة وسيكون اختبارا كبيرا حقا.
ولفت الدبلوماسي إلى أن وجود العديد من الفصائل الأخرى التي لم تتخل عن سلاحها أو تسرح عناصرها يمثل عاملا مزعزعا للاستقرار إذا لم تكن العملية شاملة.
وقال جوشوا لانديس الخبير في الشؤون السورية ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما إن الشرع “يجب أن يرسخ سلطته بسرعة لمنع الانزلاق إلى فوضى… لكن عليه أيضا أن يسعى لتدعيم قدرته الإدارية من خلال إشراك تكنوقراط وممثلين من مختلف الأطياف”.
ميدل ايست أونلاين