ليس صحيحًا أنّ البرلمان الأوروبي، في قراره الصادر في الثاني عشر من تموز الجاري، قد طالب بإبقاء اللاجئين السوريّين في لبنان، كما قالت جهات لبنانية عدة متأثّرة بتفسير قدّمه النائب الفرنسي تييري مارياني، المنتمي الى اليمين المتطرّف، والمعروف بمساندة كل الأنظمة ” المارقة ” في المنطقة يتقدمها بطبيعة الحال النظام السوري.
في الواقع، لم يلتزم القرار الأوروبي بالمعايير الدولية المعتمدة في التعاطي مع هذا الملف الشائك، فحسب بل ذهب إلى أبعد من ذلك، بحيث تبنّى وجهة نظر لبنانيّة طالما أصرّت على توفير التمويل اللازم والمستدام من أجل توفير الحد الأدنى من الضروريات ليس للاجئين في لبنان فقط بل للشعب اللبناني أيضًا.
صحيح أنّ القرار الأوروبي تمسّك بوجوب أن تكون عودة اللاجئين السوريّين الى بلادهم “طوعية، آمنة، كريمة”، وهذا ما يثير غضب الجهات اللبنانية الموالية للأسد، ولكنّ الصحيح أكثر أنّ هذا القرار حضّ المفوّضية الأوروبية، أي السلطة التنفيذية في الإتحاد الأوروبي، على “إنشاء قوة تنفيذية دولية بمشاركة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والسلطات اللبنانية لحل قضية اللاجئين(…) والعمل على توفير حل سلمي وكريم للعودة الطوعية والمستدامة إلى وطنهم في سوريا.
وهذا يعني، بغض النظر عن توجيه لوم الى “الأدبيات العنصرية” التي تستعملها أطراف لبنانيّة ضد اللاجئين السوريّين أنّ البرلمان الأوروبي، في قراره، لم يطلب لا بديمومة بقاء اللاجئين السوريّين في لبنان ولا ب”تجنيسهم” بل بمراعاة وضعيّتهم المادية والمعنوية، ريثما تنجح المساعي لإيجاد حلّ يعيدهم الى بلدهم.
وقد تكون عوامل الغضب من القرار تتخطّى مضمونه لتصل الى أسبابه الموجبة التي جرى التعتيم عليها، بحيث تمّ التركيز على الأدوار التي لعبها “حزب الله” و”الحرس الثوري السوري” إلى جانب نظام الأسد، وأدّت إلى مأساة إنسانية كبرى أنتجت نزوح 13 مليون سوري: 7 ملايين في الداخل و6 ملايين في الخارج.
ولو كنتُ “ممانعًا” لأغضبني قرار البرلمان الأوروبي من ألفه إلى يائه، فهو في كل ما يعاني لبنان منه حمّل فريق “حزب الله” المسؤولية ومعه في بعض الأمور “التيار الوطني الحر”، ففي الملف الرئاسي سلّط الضوء على دور هذا الفريق في تعطيل الإنتخابات الرئاسيّة، وفي موضوع التحقيق بانفجار المرفأ فعل ذلك أيضًا، وكذلك الحال في موضوع إرجاء الإنتخابات البلدية والإختيارية، من دون أن ينسى عند إثارته لملف الفساد في لبنان التوقف عند التحقيق الذي يتولّاه المدّعي العام في موناكو حاليًا في جرائم غسيل الأموال المنسوبة الى رئيس حكومة تصريف الأعمال ميقاتي، الذي تم ذكره سابقًا في وثائق باندورا.
من حق فئات واسعة من الطبقة السياسيّة اللبنانية أن تغضب من القرار الأوروبي، وتحاول تغطية السموات بالقبوات، خصوصًا، وهي تطلع على أن هذا البرلمان الذي يمثل الغالبية الشعبية في كافة دول الإتحاد الاوربي يطالب بإنزال عقوبات بحقها، وذلك دفاعًا عن الشعب اللبناني المنهوب والمرمي في الجيحم.