"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

القلق والحزن والحرب... وقائمة الطعام!

كريستين نمر
الثلاثاء، 28 نوفمبر 2023

القلق والحزن والحرب... وقائمة الطعام!

نحزن.. نطلب وجبة سريعة ظنًّا منّا أنها قد تطفئ حرقتنا، نشعر بالملل.. فنكسره بوجبة أخرى، نتوتّر.. فنحاول تهدئة روعنا بلوح من الشوكولاته أو قطعة من الحلوى… إنّ شهيّتنا التي هي في الأساس رهن بإرادة مشاعرنا، باتت مفتوحة أكثر وأكثر، مع مشاهد آباء يكتمون غصّتهم على فقدان فلذات أكبادهم، وأمهات يثكلن أبناءً ربتهنّ ب”الشّبر والنِّدر”، وأرامل يكفكفن دموع أيتام حرموا المعيل والسند، وشباب تشوّهوا، وعائلات هُجّرت، وأرزاق تُركت!

إنه “الجوع العاطفي” أي الأكل بحسب الحالة المزاجية، بحيث يشعر المرء عندما يكون تحت تأثير ضغط ما، بارتفاع في معدّل ضربات القلب، وزيادة في سرعة التنفّس، وجفاف في الحلق، وارتفاع في نسبة السّكر في الدم، والغثيان، والاضطراب المعوي، وتقلّبات في الشهية… وقد يكون ذلك نتيجة زيادة في هرمونات الإجهاد المصمّمة أساسًا، لضمان بقاء جسم الإنسان واستمراريته واستخدام قدراته الكاملة، فتساعد على التخفيف من الشعور بالألم والتوتر وهذا ما يعرف علميًا باسم “استجابة القتال”.

وقد تظهر تأثيرات الإجهاد هذه على العقل أيضًا، بحيث يشهد المرء تقلّبات في مزاجه، وفقدان القدرة على التركيز والقلق الشديد، وإذا لم يتم إدارتها أو علاجها بفعالية، يمكن أن تصبح مزمنة وتؤدي إلى أمراض خطيرة.

ولكن ما الذي يحفّز الدماغ للوصول إلى الوجبات السريعة والفائقة المعالجة، على الرغم من معرفته بضررها وخطورتها؟

لقد أثبتت الدراسات ان زيادة معدّل الأكل عند الأشخاص القلقين، قد يشعرهم بالراحة ويحوّل انتباههم عن الوضع السّيء الذي يمرون به، فيختارون في الغالب، الأطعمة السكريّة والدهنية، وقد تبيّن، في دراسة نشرتها مجلة “ناتشور نوروساينس” انّ تناول مثل هذه الأطعمة يمكن أن يؤدي إلى فرز هرمون “الدوبامين” والذي يطلق عليه اسم الناقل العصبي “للشعور بالسعادة”، لذلك، كلما أسرف المرء في تناول هذه الأطعمة، أدمن دماغه عليها مما يجعله يتوق إلى المزيد منها كعلاج ذاتي، فتُجنّبه المشاعر السلبية، لكنها بالمقابل تؤدي إلى زيادة مفرطة في وزنه وتضرّ بصحته.

كيف يمكن للتغذية السليمة أن تحدّ من نسبة التوتّر؟ وهل من بدائل عن المأكولات السريعة وغير الصحيّة؟

إن من بين الاستراتيجيات التي قد تساعد على تعزيز المرونة أمام الإجهاد وتهدئة الجهاز العصبي، والتقليل من فرز هرمون القلق والإجهاد، “الكورتيزول”، اتباع نظام غذائي صحي يقوم على تناول كميات كبيرة من الفاكهة والخضار والحبوب الكاملة، إلى جانب استهلاك كميات معتدلة من مصادر البروتين الحيواني الصحية، بما في ذلك الأسماك والدواجن واللحوم الخالية من الدهون.

الفاكهة والخضار:

ينصح اختصاصيو التغذية بتناول الفاكهة والخضار التي تحتوي على كمية كبيرة من العناصر الغذائية والمعادن والفيتامينات من مجموعات “ب” و “ث” والمغنيسيوم الذي يساعد على الحدّ من التوتر واسترخاء العضلات ويعمل كمثبط في استجابة الجهاز العصبي للإجهاد بحيث أظهرت الدراسات وجود رابط بين الإجهاد العقلي، وانخفاض مستويات المغنيسيوم في الجسم.

__الكربوهيدرات:__ 

تناول الكربوهيدرات الكاملة وغير المعالجة مثل الخبز الكامل، والكينوا، والأرز البني يساعد في زيادة مستويات السيروتونين (الهرمون الذي يعزز المزاج)، مما يضاعف الشعور بالسعادة والاسترخاء. وقد بيّنت الدراسات أن انخفاض مستوياته في الجسم مرتبط بالقلق والاكتئاب، وقلّة النوم، من هنا فإنّ الحفاظ على توازن هذا الهرمون أمر أساسي للتعامل مع الإجهاد.

أما بالنسبة لمرضى السكري، فإن هذه التوصيات قد لا تكون مناسبة لهم، فعدم التحكّم بالكميّة قد تساهم في ارتفاع مستويات السكر في الدم بعد الوجبات.

__الأحماض الدهنية الأساسية:__

تساعد الأحماض الدهنية الأساسية التي هي مكوّنات غذائية حيويّة، على التصدّي لتأثيرات الضغط النفسي والجسدي، من خلال تقليل إفراز الغلوكوكورتيكويدز (هرمونات تفرزها الغدة الكظرية الموجودة فوق الكلى) في حالات الإجهاد، ويُنصح بتناول “أوميغا “٣ و”أوميغا ٦” من مصادرها مثل الأسماك، والمكسّرات مثل الجوز، والبذور مثل بذور الشيا والكتّان.

الأطعمة الغنية بالكالسيوم:

يساعد الكالسيوم على الحدّ من نسب التوتّر والقلق، لذلك، فإنّ الأطعمة الغنية بالكالسيوم مثل الألبان والأجبان، والطحينة، والسردين ينصح بها بشكل كبير جدًا.

البكتيريا النافعة:

تشير البيانات الحديثة من الدراسات إلى أن البكتيريا والأطعمة المحتوية على “بروبيوتيك” قد تساهم في تحسين مرونة الجسم تجاه الإجهاد، وتقليل القلق، وخفض مستويات هرمون الكورتيزول، وأظهرت الأبحاث أن إعطاء مكملات “بروبيوتيك” للبالغين يساعد على تدني مستويات الاكتئاب والقلق، ويحسّن من جودة النوم، كما أنه يساعد أيضا على الهضم السليم، وتتواجد هذه البكتيريا في الخضروات المخللة على أنواعها، واللبن الطبيعي غير المحلّى بسبب احتوائه على البكتيريا المفيدة والكالسيوم.

ويبقى اختيارنا للأطعمة المناسبة بمثابة حجر الزاوية الذي تقوم عليه سلامة الإنسان في زمن اللاسلم هذا، وأحد أهم العناصر الغذائية للعقل والجسم، ليقوما بوظائفهما على أكمل وجه.

المقال السابق
كيف تؤثر اللغة التي يسمعها الجنين على تطوره العقلي؟
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"مفترس في هارودز" وثائقي يتهم محمد الفايد باغتصاب موظفات وابتزازهن

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية