كثيرة هي الجرائم ضد الإنسانيّة التي يتم ارتكابها، أثناء الحروب، ولكن تبقى أقساها، كما بيّنت التجارب الكثيرة، هي جرائم إخفاء الناس وتقييدهم في خانة “مفقود”!
وأعطى النظام السوري، منذ كان مهيمنًا على لبنان، أدلّة كافية على أنّه “استاذ كبير في مادة الإخفاء”، فهو يخطف ويعتقل ويُخفي ويصمت ولا يُبالي، موزّعًا بذلك عذابات المفقود لتشمل عائلته وذويه وأحباءه فتحوّل حياتهم جحيمًا دائمًا!
ولا قيمة لأيّ كلمة تدين موقف الحكومة اللبنانية التي وقفت في الجمعية العمومية للأمم المتحدة الى جانب النظام السوري، أثناء التصويت على قرار يقضي بإنشاء مؤسسة أمميّة مستقلة مهمتها السعي الى الكشف عن عشرات آلاف المفقودين في سور يا، لأنّ الضرب بالميت، أخلاقيًا قبل أن يكون كذلك دستوريًّا، حرام، فهذه الحكومة تسترشد في كل ما تقدم عليه بقرار يصدر عن “حزب الله”، شريك النظام السوري في كل جرائمه ضد شعبه!
المهم أنّ الجميعة العامة للأمم المتحدة نجحت في تخطي الحواجز، وقررت إنشاء هذه المؤسسة حتى تكون لضحايا “الإخفاء الممنهج” في سوريا مرجعية يعودون إليها وتقف الى جانبهم، أقلّه من أجل تثبيت الحقيقة هنا وتبديد الشائعة هناك.
لقد دفعت المصالح الجيو سياسية بعدد من الدول الى التطبيع مع النظام السوري. هي حرّة في أن تقدم على ما تراه مناسبًا، لكنّ “الواقعية السياسيّة” لا تعني أن ندوس على “الأخلاقية الإنسانية” وأن نعفو عن جرائم، مثل الإخفاء، لأنّ آثارها وتداعياتها وكوارثها لا يطويها الزمن بل يعمّق جراجها!
يستطيع من شاء أن يحاول تعويم النظام السوري وأن يأخذ صورًا مع بشار الأسد “المبتسم” ولكن لا يستطيع أن يعفيه من اللعنة التي جرّها على نفسه، فجرائمه أكثر من أن تنتسى وأكبر من أن يُعفى عنها!