"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

النظام الإيراني يسقط في امتحان المواجهة المباشرة مع إسرائيل

ابراهيم ناصر
السبت، 24 أغسطس 2024

النظام الإيراني يسقط في امتحان المواجهة المباشرة مع إسرائيل

باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب طهران وهو بضيافة قيادة الجمهورية الإسلامية أوقعت إسرائيل قائدة “محور المقاومة” في مأزق صعب فيما يتعلّق بالردّ وطبيعته. كانت القيادة الإسرائيلية قد وضعت قادة حماس ومن ضمنهم هنية على لائحة الاغتيال وكلفّت علنا أجهزتها بمباشرة التنفيذ. مع ان كل الأصابع الاتهام اشارت اليها لم تتبنّ إسرائيل عملية الاغتيال فيما سارع قادة ايران لتحميلها المسؤولية. التخبّط الإيراني في الإعلان عن كيفية طريقة الاغتيال أبقى هذه المسألة في دائرة الغموض فيما اكدّ الجيش الإسرائيلي ان سلاح الجو لم يقم باي نشاط جوّي خارج إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط خلال فترة تنفيذ العملية مسقطا بذلك فرضية الاغتيال بواسطة إطلاق صاروخ جوــ أرض. واستقرّ الخبراء بناء على المعلومات المتداولة على وجود اختراق أمنى واسع وعن فشل استخباري يرقى لمستوى الفضيحة سمح بتنفيذ الاغتيال من الداخل الإيراني.

سارع المرشد الإيراني لرفع السقف متوعدا إسرائيل بانتقام مدوّ يرقى الى مستوى الإهانة التي لحقت بالنظام. “بهذا العمل جرّ النظام الصهيوني المجرم والارهابي على نفسه اشدّ العقاب … ونعتبر انّه من واجبنا الثأر لدماء هنية التي سفكت على أراضي الجمهورية الإسلامية”. هذا ما جاء على لسان خامنئي في أول بيان عن المرشد بعد عملية الاغتيال. وفي رسالة التعزية بهنية التي صدرت عنه يوم الاغتيال قال خامنئي ” … لكننا نعتبر الثأر لدمه في هذه الحادثة المريرة والصعبة، التي وقعت في حرم الجمهورية الإسلامية، واجبًا علينا”. ثم ما لبث ان لحق بالمرشد كبار القادة الإيرانيين من الرئيس الذي تسلّم سلطاته الدستورية صبيحة يوم الاغتيال الى المسؤولين الكبار السياسيين والعسكريين والامنيين مطلقين التهديدات بالردّ الحتمي وبالانتقام العظيم وصولا الى امين عام حزب الله حسن نصر الله في ضاحية بيروت والذي خلال حفل تأبين إسماعيل هنية والقائد العسكري في الحزب فؤاد شكر ذهب بعيدا في توقعاته لحتمية ونوعية الردّ الإيراني المباشر على إسرائيل عندما وضع عملية اغتيال هنية في طهران في مستوى المسّ بشرف الجمهورية الإسلامية الذي لا يمكن السكوت عنه عندما قال “لم يتم المسّ فقط بسيادة ايران مثلما حدث غداة قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق والتي اسفرت عن مقتل ضباط كبار من الحرس الثوري، لم يتم المسّ فقط بالأمن القومي الايران وبهيبة ايران، باغتيال هنية في طهران وهو ضيف الجمهورية الاسلامية، لقد تم المسّ بالشرف الإيراني ونحن قوم نعلم ماذا يعني المس بالشرف”.

وعلى ضوء هذه التهديدات حبست منطقة الشرق الأوسط أنفاسها خلال الأيام القليلة التي تلت عملية الاغتيال فأُغلقت المجالات الجوية في العديد من دول المنطقة وتوقفت العديد من شركة الطيران عن تسيير رحلاتها اليها فيما أُتخِمت وسائل الاعلام بمختلف سيناريوهات الحرب الوشيكة وتسابقت المصادر المنقولة عن أجهزة المخابرات المختلفة بضرب المواعيد المحددة للهجوم الإيراني على إسرائيل. لكن أيام قليلة كانت كافية لتنفيس العنتريات الإيرانية لتحلّ مكانها التصريحات والبيانات الخشبية والتي بالكاد تخفي خلف غشاوة رقيقة الاعتراف الإيراني بالعجز عن الردّ (المواجهة المباشرة). كان امين عام حزب الله اول من فتح باب هذا الانعطاف. فقبل ان يخفت صدى خطاب الردّ المؤكّد على المسّ الإسرائيلي بشرف الجمهورية الإسلامية كان نصر الله يعلن في خطابه التالي عن اعفاء اسياده من هذا الواجب وعن دعوته إيران لعدم الدخول المباشر في الحرب. ومن الرد الذي “سوف يكون محسوبا للغاية” كما قال النائب السابق للحرس الى ان “إيران ستحدد زمن وكيفية معاقبة إسرائيل على اغتيال هنية” كما جاء على لسان نائب قائد الحرس الى غيرها من التصريحات المشابهة تنوعت التبريرات الإيرانية التي كشفت عن تخبط القيادة الإيرانية امام التحدّي الإسرائيلي. ومرة جديدة استعانت القيادة الإيرانية بمأساة الشعب الفلسطيني لتحوير النظر عن مأزقها. وسرعان ما وجدت ضالتها بالاختباء خلف إعلان الوسطاء عن استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة لتبرير تلاشي فكرة الانتقام. ” أولويتنا هي التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم في غزة… لدينا الحق المشروع في الدفاع عن النفس، وهي مسألة لا علاقة لها على الإطلاق بوقف إطلاق النار في غزة. ومع ذلك، نأمل أن يكون ردنا محدد التوقيت، وأن يتم تنفيذه على نحو لا يضر”. بوقف إطلاق النار المحتمل”. بهذا المقتطف من البيان الصحفي لبعثة إيران لدى الأمم المتحدة أدخلت الجمهورية الإسلامية مسألة انتقامها لاغتيال هنية في تعقيدات. وفي ما يشبه الدفن النهائي لمسألة الرد الإيراني أعلن مستشار قائد الحرس الثوري منذ يومين بأن “فترة انتظار رد ايران على اغتيال هنية قد تكون طويلة”.

في تفسير لهذا لارتباك الإيراني يقول المعارض الإيراني محسن سازكارا، أحد مؤسسي الحرس الثوري والذي تقلّد مناصب عليا عديدة في ايران الإسلامية قبل ان ان ينتقل الى منفاه الأميركي منذ حوالي العقدين، في مقابلة مطولة له مع صحيفة جيروزالم بوست الإسرائيلية إن إيران ليست في وضع يسمح لها بخوض حرب طويلة الأمد مع إسرائيل، بل إنها طلبت من الولايات المتحدة التدخل لمنع أي رد إسرائيلي واسع النطاق محتمل على أي هجوم إيراني. ويضيف سازكارا في نفس المقابلة: “ما فعلته إسرائيل، أعني إسماعيل هنية، في قلب طهران، كان إذلالاً لأجهزة الاستخبارات الإيرانية… لقد خلق هذا مشكلة لخامنئي داخل قاعدته الرئيسية للسلطة أي أجهزة الاستخبارات”. وبحسب سازكارا فأنه ليس لدى إيران أي توازن استراتيجي مع إسرائيل ويكمل “رد القادة الإيرانيون على خامنئي عندما طلب منهم وضع خيارات الردّ بإن إيران ليست في وضع يسمح لها بمحاربة إسرائيل. يمكنهم إرسال صواريخ نحو إسرائيل، وخاصة الصواريخ الأسرع من الصوت التي يمكن أن تصل إلى إسرائيل في غضون ست إلى ثماني دقائق. “لكن عندما ترد إسرائيل، فلن نتمكن من الدفاع عن البلاد، وخاصة في مجال الدفاع الجوي”، كما قال اركان خامنئي لقائدهم. ويرى سازكارا أن خامنئي يواجه تحديات متعددة في التفكير في أي عمل عسكري ضد إسرائيل. أولاً، قد يؤدي الهجوم المحدود إلى استفزاز رد إسرائيلي كبير، مما قد يؤدي إلى هزيمة القوات المسلحة الإيرانية. وقد تهدد مثل هذه الهزيمة سلطة خامنئي، حيث يمكن للقوات المسلحة المهانة، كما علّمنا التاريخ، أن تعض اليد التي تطعمها.

حقيقة البهلونيات الإيرانية في تبرير تراجعها المهين عن الرّد العسكري المباشر على إسرائيل لا تعكس كما يردّد الكثيرون الحذاقة السياسية الايرانية التقليدية و حكمتها في عدم الوقوع في الفخ الاسرائيلي. امام صلف رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي لم يعد له رادع في الاستخدام اللامحدود لتفوقه بلاده العسكري وامام النكبة الكبرى التي حلّت بقطاع غزة وأهله وامام الثمن غير المبرّر لما يدفعه لبنان ومن إمكانية تدمير هذا البلد على رؤوس اهله ، لم تعد الانتصارات الوهمية والكلامية تنطلي على أحد. التراجع هذا يعبّر بوضوح عن خلل عميق في إدارة الصراع المزمن مع الدولة العبرية قد يكلفّها هيبتها التي بنتها على مدى العقود امام اصدقائها قبل اعدائها وقد يعيد النظر في دورها الإقليمي وفي توازن القوى بينها وبين خصومها الإقليميين والدوليين.

فبهدف توسيع نفوذها الإقليمي وإدارة صراعها مع إسرائيل قامت العقيدة الإيرانية وترسّخت على “دفع التوتر وانعدام الأمن بعيدًا عن حدودها، والسعي إلى احتواء العنف، واستنزاف خصومها مع تجنب الحرب الشاملة ” بحسب الباحث والمتخصص في الشؤون الإيرانية والمحاضر في جامعة أوتاوا “مايكل نايتس” في مقابلة له مع صحيفة وول ستريت جورنال، وقد لاقت هذه العقيدة الى اليوم نجاحا لافتا. فلقد خاضت إيران مواجهاتها حتى الآن بشكل رئيسي عبر الوكلاء بدلاً من الانخراط المباشر في الصراع.

لقد وضعت حرب غزة وشظاياها الإقليمية إيران للمرة الأولى وجها لوجه مع إسرائيل التي نجحت في رفع التحدّي في وجه الجمهورية الإسلامية عدة مرات هذا الصيف وكان آخرها اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران. وقد اظهرت إسرائيل تفوقها في لعبة التصعيد وفي قدرتها على التهديد الجدي لإيران وبينت حدود السياسة الايرانية في الصبر الاستراتيجي واخضعت عقيدتها الثابتة القائمة على خوض صراعاتها الإقليمية عبر الوكلاء لامتحان عسير.

هل تبلع إيران كبريائها وترضى بكسر هيبتها وتعود لاستخدام وكلائها انتقاما لشرفها؟ هؤلاء على الأقل لا تعنيهم حكمة عدم الوقوع في الفخ الإسرائيلي.

المقال السابق
"الحرس الثوري" الإيراني بدل "الحرس الجمهوري" السوري في البوكمال

ابراهيم ناصر

باحث سياسي واجتماعي

مقالات ذات صلة

وعود حزب الله بإعادة الاعمار.. وهم جديد!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية