النميمة أو الثرثرة أو اللقلقة هي حديث بين شخصين على الأقل عن ثالث أو أكثر غائب، ويرى الباحثون أنها متواجدة في ثلثي محادثاتنا تقريبًا، إذ يقضي الفرد ما معدّله ساعة واحدة في اليوم بالتحدّث عن الآخرين، ما يستهلك الكثير من وقته وطاقاته ويومياته. هذه العادة تبدأ معه منذ سنّ الخامسة من خلال حبّ الاستماع إلى سرد القصص، ومن ثمّ تتطوّر وتنمو مع الوقت من خلال استراق أطراف أحاديث الكبار ومتابعة نشرات الأخبار والبرامج التلفزيونية… إلا أن الباحثين يعتبرون أنه على الرغم من صيتها السيء، فإنّ نسبة رداءتها قد لا تتجاوز أكثر من ٣ إلى ٤ ٪ وحتى هذه النسبة، قد لا تفرّق بين البشر…
كيف؟
لقد بيّنت أبحاث نظرية أُجريت في جامعتي ماريلاند وستانفورد في كاليفورنيا، أن الشائعات ليست كلها سيئة، لا بل هي في غالبيتها “جيدة على مستوى الدوائر الاجتماعية”.
وطرح الباحثون في الدراسة التي تم نشرها في مجلة “مجمع العلوم الوطنية” تحت عنوان “شرح تطوّر الشائعات”، [طرحوا] لمعضلة حلّ اللغز القديم في علم النفس الاجتماعي وهو: كيف تطوّرت الشائعات لتصبح هواية شعبية عابرة للجنس والعمر والثقافة والخلفية الاجتماعية والاقتصادية؟
وفقًا للدراسة، إنّ حب “القيل والقال” نشأ منذ العصور القديمة، وكان تناقل الأخبار سببًا لتماسك المجموعات البشرية وتطوّر اللغة. ويقول المؤلف المشارك في الدراسة والبروفيسور المتقاعد دانا ناو من قسم علوم الكومبيوتر في جام عة ماريلاند: ” إذا تشارك شخصان بمشاعر سيئة حول شخص ثالث فربما سيشعران بالتقارب تجاه بعضهما البعض وهو ما لا يحدث إذا كانا يكّنان المودّة لذلك الشخص مثلًا، مما يجعل من “اللقلقة” شيئًا مفيدًا لهما”.
وبحسب الدراسة، فعلى الرغم من دلالات النميمة السلبية، فإن المعلومات المنشورة، بغض النظر عن محتواها السلبي أو الإيجابي، يمكن أن تكون مفيدة لما تلعبه من دور مهم.
وتوضح الأستاذة المشاركة في الدراسة وأستاذة علم النفس ميشيل غلفاند في كلية الأعمال بجامعة ستانفورد: “بمجرد أن تنقل المعلومة وتشاع، يمكن للأشخاص المتعاونين أن يعثروا على أشخاص آخرين جيّدين للتعاون معهم، وهذا في الواقع مفيد للمجموعة، لذا فالشائعات ليست دائمًا شيئًا سيئًا لا بل على العكس يمكن أن تكون إيجابية”.
الهدف من “القيل والقال”
ويبقى اللغز الحقيقي هو ماذا يستفيد الأفراد الذين ينشرون الشائعات، هي التي تتطلْب منهم جهدًا ووقتًا وطاقة؟ ولماذا نرى هذا الاستعداد عند المتلقّي والتعاطف مع ما يسمع واستعداده للتسويق والنشر؟
تقول ميشيل غلفاند: “يكون الأشخاص عادة أكثر تعاونًا في نشر الأخبار لأنهم يرغبون في حماية سمعتهم الخاصة وخوفًا من أن يتحوّلوا بدورهم إلى ضحايا تحاك ح ولهم الشائعات، ويجد مطلقوها أن تعاون المتلقين وتفاعلهم قد تخدم مصلحتهم، فتتم مكافأتهم بالعفو عنهم”.
ويرى دانا ناو في انتشارها “ميزة تطوريّة” للمتلقي، تجعله أكثر تأملًا في ذاته وتتيح له إعادة النظر بتصرّفاته وتلهمه بالأمور الإيجابية، كما أنّ النميمة السلبية تجعله يقارن نفسه بالآخرين وتجعله أكثر فخرًا بذاته” ويقول: ” يقارن المتلقي نفسه بالشخص المستهدف فكلما سمع أمورًا سيئة زاد احتمال تعديله لسلوكه بهدف استعادة قبول الناس له وإنهاء حالة الإقصاء في حال كان مستبعدًا أو منبوذًا”.
إذن طالما أنّ الهدف من “النميمة” هو استخدمها كوسيلة للتقارب وتحسين السلوك وتقصّي المعلومات بهدف النشر والإفادة وتعزيز الأعراف السائدة لدى بعض المجموعات، تبقى حيوية وبنّاءة، أما إذا هبطت إلى مستوى الأذيّة كتلك التي يستخدمها بعض الرجال للانتقاص من أبناء جنسهم والنساء لدحر المنافسات لهنّ فهنا… تكمن الطامة.