يحق ل”حزب الله” أن يقسو في تعليقه على القرار 2695 الذي كرّس، خلافًا لإرادته، استقلالية حركة “اليونيفيل”، لأنّ دلالاته ليست بسيطة، حيث ظهر بوضوح تصميم عربي على الدفاع عن مصالح لبنان، بدولته وشعبه وأرضه، في وجه “حزب الله” وسلاحه و”اجندته”!
وفي التمهيدات التي قادت الى إصدار القرار 2695 كان الصراع واضحًا بين براغماتيّة قوى ترتضي بالخضوع للترهيب الذي يحترفه “حزب الله” تحقيقًا لمصالحها، من جهة وبين عقلانيّة قوى أخرى تعتبر أنّ هذه البراغماتية طالما تحكّمت بالمعادلة اللبنانية وأسفرت عن نتائج كارثية توضحت معالمها، بألم عسير، منذ وقع الإنهيارين المالي والإقتصادي في العام 2019، من جهة أخرى.
إنّ أكثر ما يثير قلق “حزب الله”، في تمهيدات صدور القرار 2695، يتمثّل في الدور الريادي الذي لعبته دبلوماسية دولة الإمارات العربيّة المتحدة، بحيث قادت، بصفتها ممثلة نفسها والمجموعة العربية في آن، عملية التصدي لمطالب “حزب الله” التي اضطرت الدبلوماسية اللبنانية تجنّبًا لغضب “الآمر الناهي” في لبنان أن تحملها الى نيويورك.
ويعرف “حزب الله” أنّ التغيير في المعادلات اللبنانية لا يصنعه الغرب، مهما تشدّد، لأنّ هذا الغرب، سواء كان أميركيًّا او فرنسيًّا، تقوده مصالحه، وبالتالي يتفاعل سلبًا أو إيجابًا، وفق النهج الذي يوفّر له هذه المصالح.
وفي تجربة الخروج السوري من لبنان في نيسان/ أبريل 2005 كان الدور الرائد في صناعة هذا الحدث الكبير عربيًّا بقيادة المملكة العربيّة ا لسعوديّة وبمؤازرة مصريّة. ولو تُرك الأمر، في حينه لواشنطن أو فرنسا، من دون الدخول العربي الفاعل على الخط، لكانت الوصاية السوريّة لا تزال، على الأرجح، جاثمة فوق صدر لبنان مقابل خدمة من هنا ومكسب من هناك.
وهذه المعادلة العربية التي صنعت حدث العام 2005، أعيدت إلى أذهان صنّاع القرار في “حزب الله”، وهم يتابعون عن كثب الإصرار الإماراتي على أن يكون قرار التمديد لليونيفيل مضبوطًا على ساعة إفشال الخطط التي يرسمها “حزب الله” للحدود اللبنانيّة، بحيث يُبقيها ساحة مقايضات في سوق صراع النفوذ الإقليمي.
وهذا يعني، بالنسبة الى “حزب الله” أنّ القرار العربي الذي تكوّن شيئًا فشيئًا، على امتداد العقد الأخير، قد انتقل، بفضل دولة الإمارات العربيّة المتحدة، في أهم مركز قرار دولي، أي مجلس الأمن، إلى حيّز التنفيذ.
وما يلفت انتباه صنّاع القرار في “حزب الله” أنّ دولة الإمارات تفصل علاقاتها الممتازة مع النظام السوري وتواصلها الدائم مع “الجمهورية الإسلامية في إيران” عن نظرتها السلبية جدًّا الى دوره العسكري في لبنان ومن خلال لبنان.
والأهم في كل ذلك، بالنسبة ل”حزب الله”، أنّ “محور الممانعة”، عند دخول الإمارات على خط “حزب الله” ظهر مضعضًا، فلا دمشق تفاعلت ولا طهران انفعلت.
وأبو ظبي ليست “حبّة” في علاقاتها الدوليّة، فهي تقيم صلات مميّزة مع أبرز أعضاء مجلس الأمن الدولي، سواء كانوا في الصف الغربي أو في التكتل الشرقي، وتربطها بها مصالح استراتيجيّة حيوية وضخمة، وهذا يعني في قاموس السياسة الدوليّة أنّ للإمارات كلمة وازنة، خصوصًا متى كانت تتعلّق بدولة عربيّة ومتى كانت منسّقة مع كبريات الدول العربية عمومًا والخليجيّة خصوصًا.
وللإمارات العربية المتحدة وجهة نظر قاسية من دور “حزب الله” في لبنان، وتتماهى تنفيذيًّا مع تصنيفه، في مجلس التعاون الخليجي، تنظيمًا إرهابيًّا.
وخلافًا للملكة العربية السعوديّة، لم تُعد أبو ظبي فتح سفارتها في لبنان، منذ أغلقتها، على إثر الأزمة الخليجية- اللبنانية التي أوصلها الى قعرها تموضع وزير الإعلام في حينه جورج قرداحي ضد التحالف العربي في اليمن.
قد يكون من المبكر الذهاب بعيدًا في تفسير سلوك الدبلوماسيّة الإماراتية ضد “حزب الله”- الحدودي في مجلس الأمن الدولي، ولكنّ قلقِي “حزب الله” يخشون من أن يكون هذا التوجّه الإماراتي بداية تنفيذيّة لتحشيد المجتمع الدولي ضدّ سلاحه ووظيفته، وينتهي الى إلحاق هزيمة ماحقة به تمامًا كما سبق أن ألحق القرار العربي هزيمة استثنائية بالنظام السوري اضطرّته إلى الإنسحاب كلّيًّ ا من لبنان!