الثأر الإباحي.. الجنس العنيف.. الصور العارية: ما كنّا نعتبره ذات يوم مواضيع خاصة بـ”البالغين”، بات أمرًا شائعًا في المدارس الثانوية، وحتى بين بعض الأطفال الأصغر سنًا أيضًا. ويسهل إلقاء اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت لمساهمتها بهذه الاتجاهات المثيرة للقلق، ولكن يؤدي الأهل والمدارس دورًا في ذلك أيضًا.
للتحصين ضد ما قد يبحث عنه المراهقون أو يقعون عليه خلال تصفحهم الإنترنت، يحتاج هؤلاء إلى تلقي تعليم جنسي جيد في المدرسة، وإجراء محادثات غير محرجة في المنزل.
يُعتبر الأمر ليس سهلًا. والعديد من الأطفال لا يشاركون ذويهم يومياتهم أو يخرجون من غرفهم، فكيف يمكن جعلهم أكثر انفتاحًا في مواضيع متصلة بالجنس؟ لذا يتوجب على الأهل معرفة كيفية الشروع بهذه المحادثات الصعبة والمرهقة، وفهم ما يواجهه المراهق اليوم.
في هذا الإطار أجرت “سي إن إن” مقابلة مع ديبي هيربنيك، الباحثة والأستاذة بكلية الصحة العامة في جامعة إنديانا، التي أصدرت كتابها الجديد، “نعم، طفل ك: ما على الأهل معرفته حول المراهقين والجنس اليوم”.
ما الذي دفعك إلى استكشاف موضوع المراهقين والجنس؟
ديبي هيربينيك: أنا باحثة ومدرّسة في مجال الجنس، لكنّي أمّ أيضًا. وشكّل إلمامي بالعديد من كتب الأبوة والأمومة التي تتناول الحياة الجنسية جزءًا ممّا دفعني إلى إدراك أننا بحاجة إلى نسخة محدّثة عن هذا الموضوع. لقد تغير العالم كثيرًا لجهة ما يتعلق بالتكنولوجيا، والوصول إلى الإنترنت، ومنصات التواصل الاجتماعي، وحتى الطرق التي يمارس بها المراهقون والشباب الجنس. يركز بحثي حقًا على هذه الأعراف الجنسية المتغيرة. آمل أن يتمكن كتاب “نعم، طفلك” من إطلاع الأهل على طبيعة الجنس اليوم ودعمهم كي يصبحوا أكثر راحة عند تناول هذه المواضيع الصعبة.
أحد الاتجاهات التي ناقشتها والتي وجدتها مفاجئة ومثيرة بعض الشيء، كانت ممارسة الجنس العنيف وحتى الاختناق بين المراهقين.
ديبي هيربينيك: شكّل هذا الأمر دافعًا كبيرًا لي كي أكتب هذا الكتاب. أظهر بحثي أن قرابة 40% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 18 و29 عامًا أبلغن عن تعرّضهنّ للاختناق أثناء ممارسة الجنس. الا ختناق هو أحد أشكال الخنق: يتضمّن وضع إحدى اليدين أو كلتيهما، أو الساعد، أو رباط حول الرقبة لتقييد تدفق الدم، أو تدفق الهواء، أو كليهما. كان هذا يعتبر ممارسة نادرة نسبيًا. لكننا الآن نرى هذا الاختناق على وجه التحديد، ولكن هناك أنواعًا أخرى من الجنس العنيف منتشرة أيضًا. فهذه الأمور موجودة في المواد الإباحية السائدة، ومقاطع فيديو “تيك توك”، وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي.
وهذا أمر يجهله الكثير من البالغين لأننا لا نستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بطرق تخدم بها الخوارزمية هذا النوع من المحتوى. ولكن هذا أمر علينا تعلّمه، لا سيّما أنّ مخاطر تنتج عنه. إنه أمر نادر جدًا، لكن قد يموت الناس أحيانًا بسبب الاختناق أو الخنق أثناء ممارسة الجنس. في كثير من الأحيان، نرى الشباب يعانون من الصداع المتكرّر، وكدمات الرقبة، وتورم الرقبة، والتغيرات الصوتية جراء الاختناق.
هل يفعل المراهقون ذلك من أجل المتعة؟ أم لأنهم يعتقدون أن الجميع يفعل ذلك؟
ديبي هيربينيك: هذا مصطلح شامل يتضمن الأفعال العدوانية، أو المسيئة، أو القسرية، والسعي إلى الحصول على صور أو مقاطع فيديو أو صور رقمية ثم مشاركتها. ويمكن أن يشمل أيضًا الحصول على صور بموافقة الشريك، ولكن بعد ذلك توزيعها من دون موافقة، أو التهديد بالقيام بذلك، وهو ما يُعرف باسم “الابتزاز الجنسي”.
يُظهر بحثنا أن حوالي 5% من المراهقين يقولون إنهم تعرضوا للابتزاز الجنسي، وقد تمت مشاركة صورهم مع آخرين. هناك أيضًا بيانات مذهلة حقًا توضح أن 9٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 إلى 12 عامًا يقولون إنهم قاموا بإعادة توجيه صورة عارية أو شبه عارية لشخص آخر من دون إذن.
قد لا يكون من الضروري أن يقوم هؤلاء الأطفال بمشاركة الصور بغرض الإساءة أو الإكراه، لكن من غير القانوني التقاط ومشاركة صور عارية للقاصرين، حتى عندما يكون ذلك بالتراضي. (لذلك) علينا أيضًا أن نتحدث مع أطفالنا حول عدم مشاركة تلك الصور. نريد أن يكون أطفالنا أشخاصًا صالحين يهتمون بالآخرين ويعتنون بأصدقائهم.
تناولتِ أيضًا موضوعين يبدو أنهما يواكبان للحظة، وهما استراق النظر التقييمي القائم على الصور عبر الإنترنت والتزييف العميق.
ديبي هيربينيك: هذه مخاوف جديدة جدًا، وقد لا يكون الأهل على دراية بها. الأول ما يُطلق عليه عادةً “الصفحات الفاسقة”، حيث يقوم الأشخاص بجمع الصور، غالبًا لنساء، التي حصلوا عليها بالموافقة أو عدم الموافقة. بعدها يتم نشرها في مجموعات خاصة على “فيسبوك”، أو محادثات، أو مواقع إلكترونية، أو رسائل نصية جماعية. أعتقد أنه من المهم أن يتحدث الأهل مع أطفالهم حول ماهية كراهية النساء، وكيفية معاملة النساء والفتيات.
أما التزييف العميق، فهناك تطبيقات ومواقع ويب تعمل بالذكاء الاصطناعي تمكّنك من تحميل صورة لشخص ما والتسبب بتزييف عميق بها، حيث يتم عرضه عاريًا، أو خلال ممارسة أمور جنسية. تبدو الصورة المزيفة حقيقية تمامًا. مجددًا، على الأهل محاولة استباق هذا الأمر والقول: “لقد سمعت عن هذا وأريدك أن تعرف ما أشعر به. هذا غير مقبول. لا يمكنك إيذاء الآخرين بهذه الطريقة”. نحن بحاجة إلى غرس القيم والأخلاق الجنسية لدى الأطفال في عصر يسهل فيه الانزلاق إلى ما هو غير أخلاقي ومدمر.
هناك الكثير للمناقشة.. كيف يمكن للوالدين البدء بإجراء هذه المحادثات المهمة، حتى لو كانت غير مريحة، مع أطفالهم؟
ديبي هيربينيك: يُعد الحديث عن الجنس أحد أبرز الحوارات التي يمكن أن يجريها الأهل مع أبنائهم المراهقين، خصوصًا الآن. وأشارك الكثير من الاستراتيجيات الجيدة في الكتاب، لكن هذه بعض من المفضلة لدي:
الالتزام بخمس دقائق في الأسبوع. اضبط جهاز التوقيت واستخدم تلك الدقائق الخمس للتحدث عن الجنس مع طفلك. عندما يرن يمكنك إ نهاء المناقشة أو الاستمرار.
اسأل أسئلة. إذ يحتمل أن يعرف ابنك المراهق عن بعض الاتجاهات والمواضيع أكثر منك. إبدأ مثلًا بـ”لقد سمعت عن كذا وكذا، هل يمكنك مساعدتي في فهم ذلك”؟
الاستفادة من فضولهم. يحب الأطفال التنصّت، لذا إبدأ بالتحدث بمسؤولية عن الجنس مع شخص بالغ آخر، وأنت مدرك أنه سيتم سماعك.
اعترف بعدم ارتياحك. إذا صدمت من سؤال أو تعليق ابنك المراهق، فابقَ هادئًا وخذ نفسًا قبل الرد. وإذا فقدت أعصابك، اعتذر وحاول مجددًا لاحقًا. تريد أن تكون نموذجًا لطفلك من خلال إظهار أن الأشخاص يمكنهم الإصلاح وإعادة الاتصال بعد أي جدال.
كن هناك من أجل الأطفال الآخرين. فقط من خلال كونك شخصًا متقبلًا وداعمًا ومطلعًا ومنفتحًا، يمكنك أن تصبح شخصًا بالغًا يثق به الأطفال عندما لا يشعرون بالراحة في التحدث إلى والديهم.
شارك الكتاب. ضع ملاحظات لاصقة في الأقسام التي تعلم أن ابنك المراهق لا يريد مناقشتها معك مباشرة. أعطها لهم واتركهم يطلعون عليها بأنفسهم.