أنشيل بابر- هآرتس
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي لم يجد فرصة بعد للحديث مع المواطنين الإسرائيليين عن المواجهات مع إيران قبل عيد الفصح، أو أن يطرح أمامهم خطة عودة النازحين إلى بلدات الشمال و”غلاف غزة”- هذا من دون الحديث عن تبليغ عائلات الرهائن بالمستجدات، وعلى الرغم من ذلك، فإنه وجد وقتاً لتسجيل فيديو باللغة الإنكليزية، يقارن فيه ما بين التظاهرات المعارضة لإسرائيل في عدة جامعات أميركية، وبين ما جرى في الجامعات الألمانية في ثلاثينيات القرن الماضي.
هذه المقارنة غير دقيقة. الجامعات في ألمانيا النازية طردت الطلاب والمحاضرين اليهود بأوامر مباشرة من الرايخ الثالث. أمّا في جامعة كولومبيا وغيرها من الجامعات الأميركية، فعلى الرغم من رفع شعارات عنيفة هناك ضد اليهود (عادة تحت ستار أنهم صهاينة)، فضلاً عن محاولات منع الطلاب اليهود من الدخول إلى الحرم الجامعي، فإن مجموعات صغيرة من الناشطين هي التي قامت بذلك، وليس الطلاب جميعهم، ولم يحصل هؤلاء على الدعم من المؤسسة، وفي حالات عديدة، قامت الشرطة بإجلائهم.
لا حاجة إلى إقحام النازيين في كل نقاش. الأصوات الداعمة لـ”حماس”، وتمجي د “مذبحة” السابع من تشرين الأول/أكتوبر، والمطالبة بعودة الصهيونيين إلى أوروبا، أمور قاسية بما يكفي. حتى لو كانت هذه المطالب لا تمثل آراء أغلبية المتظاهرين، فإن حقيقة أن أحداً من هؤلاء لم يحاول منع هذه الشعارات، هي دليل على قاعدة عامة.
لا توجد هنا مطالبات بالسلام، إنما مطالبات بإبادة الدولة اليهودية. ويعتمد المنظمون على مجموعة من اليهود الذين يدعمونهم، إلا إن هؤلاء يتم قبولهم، فقط بعد إعلانهم المسبق التنازل عن أيّ تضامُن مع إخوانهم اليهود في إسرائيل، حتى مع أولئك المعارضين لحكومة نتنياهو.
لا يجب أيضاً المبالغة بتهديدهم لإسرائيل واليهود. في نهاية المطاف، يدور الحديث عن مجموعة صغيرة لديها امتيازات حتى وسط أميركا الليبرالية، وكلما ارتفعت الأصوات العنيفة والمعارِضة لليهود بصورة واضحة، يفقد المتظاهرون كثيراً من الدعم؛ ليس فقط بسبب الدعم الكبير الذي لا تزال تتمتع به إسرائيل في أميركا، بل أيضاً بسبب التهديد الحقيقي للديمقراطية الأميركية نفسها.
إذا كان لدى المتظاهرين قلق حقيقي إلى هذا الحد بشأن حقوق الإنسان والأقليات، فعليهم أن يجهزوا أنفسهم لتهديد أكبر، وحقيقي أكثر من صراع يفوق عمره المئة عام في الشرق الأوسط. بعد نصف عام، وإذا اعتمدنا على الاستطلاعات، فهناك احتمال كبير لفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية. وهو لا يخفي في المقابلات التي يجريها، وضمنها حديثه لمجلة “تايم” مؤخراً، أنه يخطط للقيام باستخدام واسع وغير مسبوق لصلاحياته الرئاسية من أجل فرض رغباته. ويتحدث المقربون منه عن تغييرات ثورية في سياسات الهجرة، تتضمن سجن وطرد ملايين المهاجرين، وتفعيل الحرس الوطني في مواقع الإخلال بالنظام (سيشتاق الطلاب الجامعيون إلى أفراد الشرطة)، وإقالة المدّعين الفيدراليين الذين تجرأوا على التحقيق معه وتقديم لائحة اتهام ضده، فضلاً عن فرض سياسة تمنع الإجهاض، وملاحقة النساء الحوامل.
صحيح أن المتظاهرين في الجامعات هم أقلية صغيرة إزاء كل ما يتعلق بنتائج الانتخابات، وأغلبية الجامعات التي تجري فيها الاحتجاجات تقع في ولايات توجد فيها أغلبية ديمقراطية واضحة وصلبة، لكنها تضرّ باحتمالات فوز جو بايدن بولاية ثانية لأنها تدفع بناخبين مسلمين وتقدميين في ولايات مفتاحية أُخرى إلى الامتناع من التصويت، وعلى بايدن الفوز في هذه الولايات لأن ترامب متقدم عليه، بحسب الاستطلاعات. إن كان جو بايدن يدعم فعلاً إبادة شعب كما يدّعون، فلماذا نصوّت له؟
عندما يتم اتهام اليسار المعارض لإسرائيل بمساعدة ترامب على العودة إلى البيت الأبيض، فإن الإجابة هي أنه لا يوجد سبب للتعامل مع الناخبين المسلمين والتقدميين على أن تصويتهم مضمون فعلاً، ممنوع أن يتعامل أيّ سياسي مع ناخبيه بهذه الطريقة. لكن هناك مسؤولية تقع أيضاً على الناخبين، وفي الأساس على الناشطين الذين يخرجون إلى الشوارع باسم الأيديولوجيا. إذا عاد ترامب إلى الحكم، فسيكون السبب أن الإدارة الديمقراطية لم تحاول البحث عن بديل من بايدن البالغ من العمر 81 عاماً، ونائبته كاميلا هاريس التي لا تُعتبر شخصية مميزة في أقل تقدير. لكن سيكون هناك مسؤولية مباشرة أيضاً على التخريب الذي قام به اليسار أيضاً.
ما الذي يدفع المتظاهرين في الجامعات إلى المخاطرة بتحويل مؤسسة الرئاسة إلى ديكتاتورية ؟ يرى بعضهم في النضال الفلسطيني وكراهية إسرائيل قيماً أرقى من مستقبل الديمقراطية الأميركية. وبعضهم الآخر يعتبر أن الشباب ساذجون ومحرضون. وهناك مَن يسخر من الديمقراطية الليبرالية، ويرى في بايدن، الذي وقف بشجاعة، ليس فقط إلى جانب إسرائيل، بل أيضاً إلى جانب أوكرانيا، عدواً.
إنهم يفضلون ترامب الذي يريد التقرب من الرئيس الروسي بوتين، والمستعد لرمي أوكرانيا للذئاب، ويهدد بالانسحاب من حلف الناتو. إنهم لا يحاولون السيطرة على الوسط - اليسار الأميركي، بل تخريبه. إذا نجحوا في إسقاط بايدن، فإن الحزب الديمقراطي لن ينسى لهم ذلك. وبهذه الطريقة، هم لا يدفعون بالموضوع الفلسطيني قدماً، بل يقومون بتهميشه.