المثلية الجنسية وما تمثّله من أخذ وردّ، موضوع شائك، أثار الكثير من الجدل والآراء على مرّ العصور، ولا يزالّ، على الرغم من حسم الكثير من المعطيات النفسية والعلمية والإجتماعيّة المحيطة به!
وقد أخذ هذا الموصوع منحى جديدًا، عندما أثاره الأمين العام ل”حزب الله ” حسن نصرالله المعروف بمواقف حزبه المتشدّدة وحتى “الرجعية”، في خطابه “العاشورائي” الخامس، عندما طالب بالتصّدي “للشذوذ الجنسي”، كما أسماه، معتبرًا إياه “بأنه ليس معركة حزب أو طائفة بل معركة كل المجتمع بمسلميه ومسيحييه، ويجب مواجهته بكل الوسائل ومن دون سقف من خلال مقاطعة كل من يروّج لهذه الأفكار”، متّهمًا “المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية بالوقوف وراءه”.
لسنا هنا بصدد الدفاع عن المثلية الجنسية، إنما لا بدّ من توضيح بعض الآراء بشأنها، استنادًا إلى الدراسات المتاحة طبعًا.
بادئ ذي بدء، من الخطأ الاعتقاد بأنّ المثلية الجنسية خيار، فالأولويات الجنسية، لا تتعلّق بأسباب نفسية واجتماعية وبالتالي هي لا “تُستورد أو تُصدّر”، إنما هناك عوامل بيولوجية تتدخّل منذ أن يتكوّن الجنين داخل رحم أمّه.
وهذا الاستنتاج الذي توصلت إليه دراسة أجريت على ما يقارب نصف مليون شخص ونُشرت في مجلة “علوم وحياة ” المرموقة، أثار الكثير من الضجة حوله، كونه يتعارض مع الفكرة التي سادت لفترة طويلة، وذلك منذ نهاية القرن التاسع عشر، عندما كان يُعتقد بأنّ أيّ توجّه جنسي غير طبيعي هو اضطراب نفسيّ، مستندين بذلك إلى التجارب التي كانت تقام على المرء خلال فترة طفولته.
هناك فجوة كبيرة بين ما يتمّ الترويج له من قبل رجال الدين وأنصارهم والوسائل الإعلامية التابعة لهم، وما تُظهره الدراسات العلميّة التي ما زالت غير معروفة بالنسبة لشريحة كبيرة من عامة الناس
في عهد فرويد وتلامذته مثلًا، كان الاعتقاد السائد بأن السّبب الرئيسي في “تحوّل” الرجل إلى مثلي الجنس، يعود إلى وجود أمّ مسيطرة، متحكّمة ومستبّدة… فجسدها هو أول ما يتعلّق به الطفل، لتواجدها الزائد بحياته، بسبب الغياب البدني والعاطفي شبه المستمر للوالد، وإلى العلاقة التنافسية والتصادميّة بينها وبين ابنتها، لتفسير المثلية الجنسية عند الإناث.
ثمّ عادت وظهرت بعد حين فرضية مستندة إلى أن الأشخاص المثليين هم ضحايا إساءات وتعنيف خلال الطفولة، ووفقًا لهذه الفرضية، فإن هذه الإساءة قد تكون قد سبّبت بالمثلية الجنسية، ليسود في مرحلة لاحقة اعتقاد عكسي، يقول إنّ الأشخاص الذين مارسوا الجنس المثلي في سن البلوغ قد تعرّضوا للإساءة، من قبل آبائهم وأصدقائهم ومجتمعهم…
صحيح، أنّ بعض الدراسات حاولت تسليط الضوء على تأثيرات وعوامل بيولوجية وبيئية حول التوجّه الجنسي، كتعرّض الرضيع الذكر مثلًا، لمستويات مرتفعة من الهورمونات الخاصة بالإناث، والعكس، إلا أنها، لا تو جد لغاية الآن أي اثباتات تؤكد صحّتها، فالثابت الوحيد، هو أنّ التوجّه الجنسي قد يتغيّر خلال مراحل الحياة، كالأشخاص الذين يُصنّفون على أنهم ثنائيو الجنس مثلًا، أي الذين يمكن لشركائهم أن يكونوا من الجنسين في الوقت عينه.
باختصار، يبدو أن التوجّه الجنسي أكثر تعقيدًا مما نعتقد، فالمثلية أو “الشذوذ” كما يطيب للبعض أن يسميها ليست “وباءً”، وعليه تبقى ضرورة إجراء مراجعة نقدية جذريّة لبعض التصوّرات التقليدية تجاهها، لأنّ هناك فجوة كبيرة بين ما يتمّ الترويج له من قبل رجال الدين وأنصارهم والوسائل الإعلامية التابعة لهم، وما تُظهره الدراسات العلميّة التي ما زالت غير معروفة بالنسبة لشريحة كبيرة من عامة الناس.
أما التفهّم والتسامح تجاه الأشخاص المثليين والاعتراف بأن لهم الحق في أن يعيشوا ويحبّوا كما يحلوا لهم، من دون الحكم عليهم والاساءة لهم، ما يزال أمامها في بلدان كبلداننا، طريق طويل، وعر ومليء بالأشواك.