"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

عقيل عباس/ عن المثليّة والتّشابه والاختلاف: هل نحن بإزاء حرب ثقافيّة جديدة مع الغرب؟

الرصد
الاثنين، 24 يوليو 2023

عقيل عباس/ عن المثليّة والتّشابه والاختلاف: هل نحن بإزاء حرب ثقافيّة جديدة مع الغرب؟

على امتداد الأشهر القليلة الماضية، تصاعدت في أرجاء مختلفة من العالمين العربي والإسلامي صيحات قلق وتحذير، وحتى التأهب للدخول في مواجهة للدفاع عن “قيمنا الأخلاقية” التي تتعرض إلى تهديد مفترض تحت عنوان الترويج للمثلية والتغيير الجندري الذي يتبناه الغرب ويدعو له بقوة، بحسب أصوات المحذرين والقَلقين هؤلاء.

تبلغ هذه الأصوات أقصاها وتحظى بتغطية إعلامية واسعة، والمزيد من التعاطف الشعبي، في الشهر السادس من كل عام، شهر حزيران (مايو)، وهو الشهر الذي أعلنته الولايات المتحدة الأميركية رسمياً “شهرَ الفخر” في عام 1999 في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون. لم يكن لهذا القرار الأميركي صلة بالترويج للمثلية أو تشجيع الناس عليها، على العكس من الفهم السائد المغلوط في العالم العربي. في تبرير قراره هذا، ذكر كلينتون في بيانه الذي ألقاه حينها: “أنا فخور بالإجراءات التي اتخذتها إدارتي لإنهاء التمييز ضد المثليين والمثليات ولضمان أنهم يتمتعون بالحقوق نفسها المضمونة لغيرهم من مواطني بلدهم الأميركيين. وَقَّعتُ في العام الماضي قراراً تنفيذياً لتعديل السياسة الاتحادية بخصوص فرص التوظيف المتساوية لحظر التمييز في مؤسسات العمل الفدرالية المدنية على أساس التوجه الجنسي”.

كان هدف هذا القرار، فضلاً عن قرارات وقوانين فدرالية في السنوات التالية، هو تشديد السعي لإنهاء المعاملة السيئة ضد المثليين التي تضمنت الاعتداءات الجسدية وأعمال العنف المختلفة ضدهم وصولاً الى القتل، فضلاً عن منعهم من الحصول على أعمال أو فقدانهم أعمالهم التي يشغلونها إذا عُرف أنهم مثليون، وغيرها من أصناف التمييز المنهجي التي كانوا يواجهونها. تحديد شهر في العام للتركيز على مجموعة معينة مجهولة نسبياً، أو يُساء فهمها في العادة، أو تتعرض لتمييز اجتماعي أو مؤسساتي أو كليهما، هو تقليد أميركي معروف. فمثلاً يُخصص الشهر الثاني من العام، شباط (فبراير) للاحتفاء بالسود. بدأ هذا التقليد في عام 1970 وكان الغرض منه إبراز السود كمواطنين أميركيين لهم إنجازاتهم وتحدياتهم التي يُسلط الضوء عليها في أثناء هذا الشهر، وذلك كجزء من التوعية بخصوصهم ولمكافحة العنصرية ضدهم.

مثال آخر هو الشهر السابع من العام، تموز (يوليو)، الذي يُحتفى فيه بذوي الإعاقات - الجسدية والذهنية - وإبرازهم كمجموعة بشرية لها أيضاً إنجازاتها وتحدياتها من أجل تسليط الضوء عليها ومكافحة النظرة السلبية نحوها والمساعدة على دمجها بالمجتمع كأعضاء كاملين وفاعلين وليس كمخلوقات “ناقصة” تدعو للرثاء وتطالب بالشفقة. اختير هذا الشهر إحياءً لذكرى قانون مهم مرره الكونغرس في عام 1990، وهو “قانون الأميركيين ذوي الإعاقات” الذي منع الإجراءات التمييزية ضد ذوي الإعاقات في التوظيف أو تلقي العناية الصحية أو تكييف المباني والمؤسسات العامة لتيسير استخدام ذوي الإعاقات لها. الأمر ذاته ينطبق على السكان الأصليين في أميركا من القبائل الهندية الذين قرر الرئيس الأسبق جيرالد فورد في 1976 تخصيص أسبوع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) للاحتفاء بهم قبل أن يحوّل الكونغرس هذا الأسبوع إلى شهر كامل هو تشرين الثاني (نوفمبر) الذي يصادف الموسم التقليدي لنهاية الحصاد الزراعي والاحتفال وتقديم الشكر للآلهة في ثقافة هذه القبائل.

في كل هذه الأشهر والاحتفاء فيها بمجاميع معينة ليس الغرض هو دفع المجتمع لتبني قيم المحتفى بهم والترويج لأساليب حياتهم أو جعل الآخرين يشبهونهم أو يقلدونهم، بل فقط رفع الوعي بشأنهم والتذكير بمعاناتهم كجزء من سعي أوسع، قانوني وشعبي وإعلامي، لمنع التمييز ضدهم. ما يجري في الغرب عموماً بخصوص المثلية يتعلق بترسيخ المساواة القانونية والإنسانية وليس الدعوة إلى تبني سلوك جنسي أو آخر. خلاصة هذا الترسيخ هي فكرة مفادها أن التوجه الجنسي للأفراد أمر شخصي غير خاضع لتدخل الدولة أو المجتمع، وأن مهمة الدولة هي حماية الأفراد من التعسف والتمييز بغض النظر عن توجههم الجنسي.

ارتبط الاختيار الرسمي الأميركي للشهر السادس من العام للاحتفاء بالمثليين بجزء محدد من تأريخ التمييز ضدهم كأشخاص، وهو ما يسمى “انتفاضة ستونول” أو “أعمال شغب ستونول” التي استمرت ستة أيام بين 28 حزيران (يونيو) و3 تموز (يوليو) في عام 1969. بدأت هذه “الانتفاضة” عندما دهم فصيل من شرطة الأخلاق العامة ( Public Morals Squad) في نيويورك حانة للمثليين اسمها ستونول في قرية غرينتش في مانهاتن بغرض اعتقال مرتاديها (لم يكن المثليون حينها يستطيعون الذهاب للحانات العامة بسبب رفض مالكيها ومرتاديها لهم، فأنشأوا حانات سرية خاصة بهم. لم تكن هذه الحانات مسجلة إذ كانت السلطات ترفض تسجيلها). في السابق وعلى مدى سنوات طويلة، كانت حملات دهم الشرطة هذه تنتهي باعتقال المرتادين وغلق الحانة، لكن هذه المرة قاوم المرتادون محاولة الاعتقال، خصوصاً بسبب استخدام الشرطة العنف ضدهم، ليتطور الأمر سريعاً إلى مواجهة بين الشرطة من جهة والمرتادين المثليين والكثير من المارة الذين تعاطفوا معهم، اتسع مداها جغرافياً في المنطقة وقاد إلى إشعال حرائق ومواجهات استمرت بضعة أيام وغطاها الإعلام بكثافة. اعتُبر هذا “الاحتجاج” لحظة تحوُّل مهمة في قصة حركة المثليين في أميركا وتحوَّل إلى لحظة إلهام للحركات المثلية الأخرى في أوروبا وكندا، إذ عدَّه كثيرون نهاية لعهد “الخنوع” وطاعة السلطات وتأكيد الذات. وهكذا تحولت المثلية من سلوك شخصي سري عموماً إلى قضية سياسية وحقوقية عامة يدور بشأنها الكثير من الجدل والصراع.

بعد هذه الاضطرابات بعام ظهرت تسمية “الفخر” التي أصبحت شعاراً للحركة المثلية في العالم، بمعنى الفخر بأن يكون المرء مثلياً وإعلانه هذا الأمر، على عكس ما كان يجري في السابق من تخف وإنكار وخوف وإحساس بالعار. تدريجياً وعلى مدى العقود التالية، بدأ المثليون في مختلف المدن الأميركية ينظمون “مسيرات الفخر” التي كانت في الغالب موضع خلاف شديد بين سكان هذه المدن، بين رافض لها، حد استخدام العنف ضدها، مقابل أغلبية صامتة ومحايدة عموماً، وأقلية صغيرة تدعمها بشدة. لكن “مسيرات الفخر” هذه ليست تقليداً أميركياً حديثاً، وإن كانت التسمية أميركية، إذ كانت تجري في عواصم أوروبية كبرلين ولندن وباريس وأمستردام منذ سبعينات القرن الماضي.

لا تزال المثلية في الولايات المتحدة موضوعاً خلافياً ويثير الكثير من المشاعر الملتهبة على جانبي النزاع، لكنّ ثمة إقراراً متصاعداَ، خصوصاً مع الجيل الجديد، بترك الأمر للحياة الشخصية للأفراد بدلاً من تحويله إلى نزاع في الحيز العام. على الجانب الآخر، لا يزال مسيحيون أميركيون كثيرون، خصوصاً من المجاميع المتشددة دينياً، يعتبرون الموضوع شأناً أخلاقياً عاماً يؤثر على كامل المجتمع وليس مسألة فردية تتعلق بالأشخاص. هم في هذا لا يختلفون عن الأغلبية الساحقة في العالم العربي التي تنظر للمثلية بوصفها خطراً أخلاقياً على المجتمع.

النهار العربي

المقال السابق
مقتل 3 فلسطينيين بنيران الجيش الاسرائيلي في نابلس ‏

الرصد

مقالات ذات صلة

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية